البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 104  105  106  107  108 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
ابن فلسطين : الشاعر محمود درويش ، رحمه الله تعالى ،....    كن أول من يقيّم

محمود درويش
 
 
 
إلى اين تأخُذُني يا أَبي ؟
إلى جِهَةِ الريحِ يا وَلَدي … 
 
... وَهُما يَخْرجانِ مِنَ السَهْل ، حَيْثُ 
أَقام جنودُ بونابرتَ تلاَّ لِرَصْدِ
الظلال على سور عَكََّا القديم -
 
يقولُ  أَبٌ لابِنِه : لا تَخَفْ . لا
تخف من أَزيز الرصاص ! التصِقْ  
بالتراب لتنجو ! سننجو ونعلو على 
جَبَلٍ في الشمال ، ونرجعُ حين 
يعود الجنودُ إلى أهلهم في البعيد .
 
 ومن يسكُنُ البَيْتَ من بعدنا
 يا أَبي ؟
 سيبقى على حاله مثلما كان
 يا ولدي ! 
 
تَحَسَّسَ مفتاحَهُ مثلما يتحسَّسُ
أَعضاءه  ، واطمأنَّ . و قال لَهُ
وهما يعبران سياجاً من الشوكِ :
يا ابني تذكَّرْ! هنا صَلَبَ الانجليزُ
أَباك على شَوْك صُبَّارة ليلتين ،
ولم يعترف أَبداً . سوف تكبر يا
ابني ، وتروي لمن يرثون بنادقهم
سيرة الدم فوق الحديد ....
 
- لماذا تركتَ الحصان و حيداً ؟
- لكي يُؤنسَ البيتَ ، يا ولدي ،
فالبيوتُ تموت إذا غاب سٌكَّانٌها ...
  
تفتحُ الأبديَّةُ  أَبوابها ، من بعيد ،
لسيَّارة الليل . تعوي ذئابُ
البراري على قَمَرٍ خائفٍ . و يقولُ
أَب لابنه : كُنْ قوياً كجدِّك!
وأَصعَدْ معي تلَّة السنديان الأخيرةَ
يا ابني ، تذكَّرْ : هنا وقع الانكشاريُّ
عن بَغْلَةِ الحرب ، فاصمُدْ معي
لنعودْ .
 
- متى با أَبي ؟
- غداً . ربما بعد يومين يا ابني  !
 
وكان غَد طائش يمضغ الريح
خلفهما في ليالي الشتاء الطويلةْ .
وكان جنودُ يُهُوشُعَ بن نونَ يبنون
قَلْعَتَهُمْ من حجارة بيتهما . وهما
يلهثان على درب ( قانا ) : هنا
مرَّ سيَّدُنا ذاتَ يومٍ . هنا
جَعَل الماءَ خمراً. وقال كلاماً
كثيراً عن الحب ، يا ابني تذكّر
غداً . وتذكّرْ قلاعاَ صليبيَّةً
قَضَمَتْها حشائش نيسان بعد
رحيل الجنود ....
 
 

29 - ديسمبر - 2008
ملف العدوان على غزة
رمق    كن أول من يقيّم

البحث عن جذر رمق في لسان العرب

الرَّمَقُ: بقيّة الحياةِ، وفي الصحاح: بَقِية الرُّوح، وقيل: هو آخِر النفْس. وفي الحديث: أَتيت أَبا جَهل وبه رَمَقٌ، والجمع أَرْماقٌ.ورجل رامِق: ذو رَمَقٍ؛ قال:
كأَنَّهمْ من رامِقٍ ومُقْصَـدِ أَعَجازُ نَخْلِ الدَّقَلِ المُعَصَّدِ
ورَمَّقه: أَمْسكَ رَمَقه. يقال: رَمَّقُوه وهم يَرمِّقُونه بشيء أَي قَدرِ ما يُمْسِك رَمَقَه. ويقال: ما عَيْشُه إِلا رُمْقةٌ ورِماقٌ؛ قال رؤبة:
ما وَجْزُ مَعْرُوفِك بالرِّماقِ، ولا مُؤاخاتُك بالـمِـذاقِ
أَي ليس بِمَحْضٍ خالصٍ، والرَّمَقُ والرُّمْقةُ والرِّماقُ والرَّماقُ؛ الأَخيرة عن يعقوب: القليل من العَيْش الذي يُمْسِكُ الرَّمَقَ، قال: ومن كلامهم موتٌ لا يَجُرّ إِلى عارٍ خَير من عَيْشٍ في رِماق. والمُرْمَقُّ من العَيش: الدُّون اليَسِير. وعَيْشٌ مُرْمَقٌّ: قليل يَسير؛ قال الكميت:
أَرانا على حُبِّ الحَياةِ وطُولِهـا، يُجَدُّ بِنا، في كلِّ يَوْمٍ، ونَـهْـزِل
نُعالِجُ مُرْمَقّاً من العَيْشِ فـانـياً، له حارِكٌ لا يَحْمِلُ العِبْء أَجْزَلُ
وعيش رَمِقٌ أَي يُمْسِك الرَّمَق. وما في عيش فلان إِلا رُمْقة ورِماق أَي بُلغة. والرُّمُق: الفُقراء الذين يتَبلَّغون بالرِّماق وهو القليل من العيش؛ التهذيب: وأَنشد المُنذِري لأَوْس:
صَبَوْتَ، وهل تَصْبُو ورَأْسُك أَشْيَبُ، وفاتَتْكَ بالرَّهْنِ المُرامِقِ زَيْنَـبُ?
قال أَبو الهيثم: الرَّهْن المُرامَق، ويروى المُرامِق، وهو الرَّهن الذي ليس بموثوق به وهو قلب أَوْس. والمُرامِقُ: الذي بآخِر رَمَقٍ؛ وفلان يُرامِقُ عيْشَه إذا كان يُدارِيه؛ فارَقَتْه زينب وقلبُه عندها فأَوْسٌ يُرامِقُه أَي يُدارِيه. والمُرامِقُ: الذي لم يبقَ في قلبه من مودَّتك إِلا قليل؛ قال الراجز:
وصاحِبٍ مُرامِقٍ داجَيْتُه،
دَهَنْتُه بالدُّهْن أَو طَلَيْتُه،
على بِلالِ نَفْسِه طَوَيْتُه
ورامَقْتُ الأَمر إذا لم تُبرمه؛ قال العجاج:
والأمْرُ ما رامَقْتَه مُلَـهْـوَجـا يُضْوِيك، ما لم تَجْنِ منه مُنْضَجا
ونخلة تُرامِقُ بعِرْق أَي لا تَحْيا ولا تموت. والرُّمَّقُ: الضعيفُ من الرِّجال. وحَبْل مُرْماقٌّ: ضعيف، وقد ارْماقَّ الحبْلُ ارْمِيقاقاً.وارْمَقَّ الأَمرُ ارْمِقاقاً أَي ضَعُف. وحبل أَرْماقٌ: ضعيف خَلَقٌ..وارْمَقَّ العيْشُ: ضَعُف. وترمَّقَ الرجلُ الماءَ وغيره: حَسا منه حُسْوةً بعد أُخرى. والرَّمَقُ: القَطيعُ من الغنم. فارسي معرب. ومن كلامهم: أَضْرَعَتِ الضَّأْنُ فرَبِّقْ رَبِّقْ، وأَضْرَعَتِ المَعز فرَمِّقْ رَمِّقْ؛ يريد الأَرْباقَ وهي خُيوط تُطرَح في أَعناق البَهم لأَن الضأْن تُنزِل اللبن على رُؤوس أَولادها، والمِعزى تُنزل قبل نِتاجها بأَيام، يقول: فتَرَمَّقْ لبنَها أَي اشرَبه قليلاً قليلاً. ورجل مُرامِق: سَيِّء الخُلُق عاجز. ورامَقَه: داراه مَخافة شره.
والرِّماقُ: النِّفاق. وفي حديث طَهْفةَ: ما لم تُضْمِروا الرِّماق، وهو قريب من هذا لأَنَّ المنافِقَ مُدارٍ بالكذب؛ حكاه الهَرويّ في الغريبين.
يقال: رامَقْته رِماقاً وهو أَن تنظُر إِليه شَزْراً نظَرَ العَداوة، يعني ما لم تَضِق قلوبُكم عن الحقّ. وفي حديث قُسٍّ: أَرْمُق فَدْفَدَها أَي أَنظُر نظراً طويلاً شَزْراً. والمُرَمِّقُ في الشيء: الذي لا يُبالِغ في عَمَله. والتَّرْمِيقُ: العَمل يعمَلُه الرجل لا يُحْسِنه وقد يَتبلَّغ به. يقال: رَمِّقْ على مَزادَتَيْك أَي رُمَّهما مَرَمَّةً تتبَلَّغ بهما.ورمقَه يَرْمُقه رَمْقاً ورامَقَه: نظر إِليه. ورمقْتُه ببصري ورامَقْتُه إذا أَتْبَعْته بصَرك تتعهَّده وتنظر إِليه وتَرقُبه. ورمَّقَ تَرْمِيقاً: أَدامَ النظر مثل رَنَّقَ.
ورجل يَرْموقٌ: ضعيف البصر. والرُّمُقُ: الحسَدةُ، واحدهم رامِق ورَمُوقٌ.
والرَّامِقُ والرَّامِجُ: هو المِلْواحُ الذي تُصاد به البُزاةُ والصُّقور، وهو أَن تُشَدَّ رِجل البومة في شيء أَسود وتُخاطَ عيناها ويُشدّ في ساقها خيط طويل، فإِذا وقع البازي عليها صاده الصيّاد من قُترته؛ حكاه ابن دريد، قال: ولا أَحسبه عربيّاً صحيحاً.
وارْمقّ الطريقُ: امتدّ وطال؛ قال رؤبة:
عَرَفْتُ من ضَرْبِ الحَرِير عِتْقا فيه، إذا السَّهْبُ بهِنّ ارْمَـقّـا
الأَصمعي: ارْمَقَّ الإِهابُ ارْمِقاقاً إذا رَقَّ، ومنه ارْمِقاقُ العيش؛ وأَنشد غيره:
ولم يَدْبُغُونا على تِحْلِئ، فيَرْمَقُّ أَمْرٌ ولم يَعْمَلُوا
والمُرْمَقُّ: الفاسد من كل شيء.

30 - ديسمبر - 2008
الثقافة .
" وذكِّرْهم بأيام الله" : أيام الله نِعَمُهُ .    كن أول من يقيّم

 

في اليوم الأول من رأس العام الهجري- كما في كلِّ أيام الله- يحلو الكلام عن الأرض المقدسة.. أرض فلسطين.. أرض الإسلام.. أرض القدس الشريف.. والمسجد الأقصى.. مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى القبلتين، وثالث الحرمين.
 
....ونتابع أحداث التاريخ منذ أن دخل المسلمون هذه الأرض المباركة، ومنذ أن تسلَّم سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- مفاتيح الأقصى، منذ ذلك التاريخ حتى صدور وعد بلفورسنة 1917، الذي تعهَّد فيه وزير خارجية بريطانيا (اليهودي) بوطن قومي لليهود في أرض فلسطين؛ وحيث أعطى مَن لا يملك مَن لا يستحق، وتصرَّفت بريطانيا بذلك في أرض فلسطين، بغير سند من حق وفي غيبة أهلها، وفي غيبة العرب والمسلمين جميعًا.. وفي الوقت الذي صادف فيه ضعفًا وهزالاً في الخلافة العثمانية في الآستانة، في حين أنه قبل هذا الوعد بسنوات يذهب وفدٌ من اليهود الصهاينة على رأسه "هرتزل" إلى الخليفة العثماني.. السلطان عبد الحميد الثاني.. لنفس الغرض، وهو منحُهُم قطعةً من أرض فلسطين، فتثُور ثائرة السلطان عبد الحميد، ويطردهم من حضرته شرَّ طردة؛ لأنه لا يملك ذلك، وأن أرضَ فلسطين وقفٌ استأمنه الله عليها، ولا بد له أن يحافظ على عهده مع الله ويحفظ الأمانة.
 
ويُثار كلام كثير حول حق اليهود في أرض فلسطين، أرض الميعاد كما يزعمون!! وتتم الإشارة إلى الآية الكريمة من سورة المائدة: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ(20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(21)﴾ يقول صاحب الظلال (رحمه الله): "نعمة الله وعده الواقع من أن يجعل فيهم أنبياء، ويجعلهم ملوكًا، وإيتائه لهم بهذا، وذلك ما لم يؤتِ أحدًا من العالمين حتى ذلك التاريخ، والأرض المقدسة التي هم مقدمون عليها مكتوبة لهم بوعد الله، فهي إذن بعيد، والارتداد على الأدبار هو الخسران المبين".
 
وهم بالفعل قد ارتدوا على أدبارهم، وخافوا الدخول على القوم الجبارين؛ لأن في فطرتهم جُبنًا ونكوصًا على الأعقاب ونقضًا للميثاق، وينتهي بهم المطاف إلى أن يقولوا كما يذكر القرآن على لسانهم: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة: 24)، وكان الأمر الحاسم من الله عزَّ وجل: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾ (المائدة: من الآية 26)، ويذكر هنا الأستاذ سيد قطب في الظلال فيقول: "وهكذا أسلمهم الله وهم على أبواب الأرض المقدسة للتيه، وحرَّم عليهم الأرض التي كتبها لهم، ويتركهم السياق هنا في التيه.. لا يزيد على ذلك.. وهو موقف تجتمع فيه العبرة النفسية إلى الجمال الفني على طريقة القرآن في التعبير".
 
وبذلك تنهدم دعواهم بنص القرآن ولم يدخلوا هذه الأرض فاتحين، وحتى في الفترات التي كانوا يدخلونها لا يلبثون فيها إلا سنواتٍ معدوداتٍ ليُسلِّط الله عليهم مَن يطردهم منها ويقطع دابرهم، قتلاً وأسرًا وتشريدًا؛ فيتحقَّق فيهم قول الله تعالى في كل وقتٍ وإلى قيام الساعة: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ (الأعراف: من الآية 167).
 
ويحكي الأستاذ عبد الحميد الكاتب في كتابه عن القدس أن اليهود عاشوا في القدس سبعين سنةً فقط، في حين أن العرب عاشوا فيها أربعة آلاف سنة، وجعل ذلك عنوانًا لفصل مهم في كتابه المشار إليه طباعة دار الشروق من إصدارات القراءة للجميع.
 
ولم يكن في مدينة القدس يوم فتحها المسلمون معابد أو هياكل أو آثار يهودية، وطبيعي لو كان فيها شيء من ذلك لأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بالإبقاء عليه، بل لأمَرَ بصيانته ورعايته ولأَمَر بالمحافظة على نقوشه ومحتوياته، مثلما أمر بالمحافظة على كنائس المسيحيين ومزاراتهم، وما فيها من صور وصلبان وتماثيل، فلم يكن هناك سبب ديني أو عقدي يدعو إلى أن يغرق المسلمون بين كنائس المسيحيين ومعابد اليهود، فهؤلاء وأولئك من أهل الكتاب، وسوَّى بينهم الإسلام في الحقوق والواجبات.
 
وقد بقيت مدينة القدس من قبل الفتح الإسلامي إلى يومنا هذا حافلةً بالكنائس والمزارات والمقدَّسات المسيحية، رعاها المسلمون أكمل وأفضل رعاية عند الفتح الإسلامي وبعده بوقت طويل، بل إن التاريخ- كما يذكر الأستاذ عبد الحميد الكاتب- شاهد صدق على أن المسلمين زادوا عليها فوسَّعوا في أرضها، وأعلَوا مبانيَها، وأنفقوا في سبيل هذا مالاً كثيرًا من خزانة الدولة الإسلامية.
 
والسؤال هنا: إذا كانت الآثار والكنائس المسيحية موجودةً قبل الفتح الإسلامي وبعده فلماذا إذًا لم توجد في القدس معابد ولا هياكل ولا آثار يهودية؟! والإجابة التاريخية عن هذا هي أنّ بني إسرائيل دخلوا القدس فعلاً وأقاموا مملكةً لهم فعلاً، وكان هذا في عهد داود وابنه سليمان ،عليهما السلام، ولم تستمر هذه المملكة غير سبعين سنةً فقط كما يحكي التاريخ، وهي فترة قصيرة من تاريخ القدس، والذي يضاهي في طوله تاريخ مصر (أقدم بلاد العالم)، وكانت قبائل كنعان العربية قد استوطنت في فلسطين، وزَرعت أرضَها، وبَنَت فيها القرى، وهي مرحلة طويلة استمرت زهاء ألفي سنة، ثم تعاقب على غزو فلسطين وحكمها والإقامة فيها أمم متعددة ،هي أمم الأشوريين والبابليين والفرس والمصريين واليونان والرومان.
 
وقد أقام هؤلاء مراحل تاريخية أطول من السنوات السبعين التي عاشها اليهود في القدس، دون أن يدَّعي أحدٌ منهم ما يدَّعيه الكيان الصهيوني في زماننا هذا، من أن لهم الحق التاريخي في القدس وفي فلسطين جميعًا.
 
وفي بحث للدكتور أحمد صدقي الدجاني في كتابه عن (الخطر يتهدد بيت المقدس) يحكي أن الإنسان سكن منطقة القدس منذ فترة ما قبل التاريخ، وأن مدينة القدس قد ظهرت في بدايات العصر البرونزي حين بناها الكنعانيون مع مجموعة مدن على طريق المياه بين الشمال والجنوب حوالي الألف الرابعة قبل الميلاد، واكتسبت القدس مكانةً دينيةً منذ إنشائها، وكان ملكها هو عبد الإله "السلام" وهي مدينة سالم "أورسالم"، وقد عُرفت باسم سالم، وكوَّنت مملكةً ومدينةً، وعُرف من أسماء ملوكها: قدوم سالم، وملكي صادق، وجاء ذكرها في نصوص مصرية قديمة تعود إلى القرنين الـ18، 19 ق.م.
 
ونخرج من ذلك بنتيجة مؤكدة، أن القدس ظهرت قبل قدوم نبي الله داود عليه السلام إليها في القرن العاشر قبل الميلاد بزمان طويل، يمتد عشرين قرنًا، وأن محاولات الصهيونية التوسعية اليوم وربط تأسيسها بالملك داود هو استمرار في القفز فوق الحقائق التاريخية الذي دأبت عليه يهود، كما أنه تحوير وتزييف للقراءة الصحيحة لتاريخ نبي الله.
 
وقضية القدس خاصةً وفلسطين عامةً قضية إسلامية، ولا يجب أن يتسرب إلى الأذهان أية صفة أو توصيف غير ذلك، وهي لن يتم تحريرها وتخليصها إلا من خلال تحرير الهدف والقصد، وأي اختلاط في ألوان الراية التي ترفع لاستنقاذ القدس وفلسطين وانحرافها عن أن تكون إسلامية الغاية والهدف إنما يعطِّل ذلك كله من زمن التحرير والإنقاذ ويصبُّ فقط في مصلحة العدوّ الغاصب وتكريس الاحتلال، وزيادة فترات الصراع.
 
فالبعد الإسلامي للقدس يتمثَّل في ارتباط هذه المدينة المقدَّسة بأنبياء الله سبحانه وتعالى عند المؤمنين، ومنذ سيدنا آدم إلى سيدنا إبراهيم، عليهما السلام ، نجد هذا الرباط بفلسطين؛ حيث نزل سيدنا إبراهيم بيوبس ضيفًا على العرب اليبوسيين وزار مصر، وعاد منها ليستقر في الخليل، وليحمل زوجه هاجر وابنه إسماعيل إلى وادٍ غير ذي زرعٍ عند بيت الله المحرّم في مكة، وقد توالى ارتباط الأنبياء من أبنائه بالقدس في سلسلةٍ مبكرة، فيها إسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وداود وسليمان وزكريا وعيسى (عليهم السلام)، وصولاً إلى سيدنا محمد،صلى الله عليه وسلم، الذي أسرى به الله إلى المسجد الأقصى وعرج به منه إلى السماء.
 
هذا البُعد الديني جعل القدس قِبلةً للمؤمنين يحُجُّ إليها كل الطوائف والأديان، وهي كذلك تحمل صفة التسامح طوال فترات حكم الإسلام لهذه المدينة، ويعتز شعب فلسطين العربي المسلم بهذا الأمر، وينهض بمسؤولية استضافة الحجيج ورعايتهم في أثناء حجهم وزيارتهم بيتَ المقدس.
 
أما أن يأتيَ اليهود بدوافع صهيونية عدوانية استيطانية لاحتلال القدس وأرض فلسطين- بحجة أن القدس هي عاصمتهم الأبدية، وأن أراضيَ فلسطين هي أرض ميعادهم وحدودها من الفرات إلى النيل- فهذا محض كذب وافتراء، وهو ما حاولنا كشفَه وتعرِيَتَه في هذا المقال، فأرض فلسطين كلها- بما فيها القدس- أرض إسلامية وستبقى كذلك إلى نهاية التاريخ بإذن الله.
اللهم انصر دينك ، وأعزّ المسلمين في كل مكان وزمان، وانصرنا على الصهاينة والكافرين....آمين.

30 - ديسمبر - 2008
ملف العدوان على غزة
لاخيل عندك تهديها ولا مال*......    كن أول من يقيّم

أيها الأحبة ! سلام الله عليكم.....الدعاء مُخ العبادة ....فلا أقلّ مِن أن نتوجّه إلى الله القريبِ المجيب ، ندعوه أن يكشِف الضر عن أهلنا المستضعفين الصابرين الصامدين في غزة العزة .....
يا ودود يا ودود يا ودود ، يا ذا العرش المَجيد،يا مُبدئ يا مُعيد، يا فعّالاً لِما يُريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركانَ عرشِك ،وبقدرتكَ التي قَدَرتَ بها على جميع خَلْقك، وبرحمتِك التي وسِعتْ كلَّ شيء ، لا إله إلا أنت ، يا مُغيث أغِثْ أهلنا في غزة ، وانصُرهم على المغضوب عليهم وأعوانهم ، فأنت القادر عليهم ، وانتقِم لهم منهم يا عزيزُ يا منتقمُ يا جبّار.... وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
حسبنا الله و نعم الوكيل، لا إله إلا الله العظيم الحليم، لآ إله إلا الله ربُّ العرش العظيم ،لا إله إلا الله ربُّ السموات ورب الأرض وربُّ العرش الكريم. اللهم مُجريَ السحاب ِومُنزِلَ الكتابِ وهازمَ الأحزاب ، أنت القوي المهيمن العزيز الجبار المتكبر، اللهم عليك باليهود المعتدين المفسدين ومَن عاونهم اللهم ألقِ الرُّعبَ في قلوبهم ، وزَلْزِل الأرضَ مِن تحت أقدامهم، ومزِّقهم كلَّ مُمزَّق .. اللهم فرِّق جمْعَهم، وشتّتْ شملَهم، وخالِفْ بين قلوبهم، وأنزِل عليهم رِجزَك وعذابَك يا الله .. اللهم إنهم طغَوا وبغَوا وتجبّرُوا وأفسدوا في الأرض، اللهم فَعجِّل عقوبتَهم، وصُبَّ عليهم غضبك وعقابك، وسلِّط عليهم جنودَك وأرِنا فيهم عجائبَ قدرتِك عاجلاً غيرَ أجِلٍ يا ربَّ المستضعفين وناصرَ المظلومين، لا إله إلا أنت ،اللهم فارجَ الهَمِّ وكاشفَ الغَم ومُجيبَ دعوةِ المضطرين إذا دعَوك ، يارحمانَ الدنيا والآخرة ويا رحيمَهما أنت ربُّنا وربُّ المستضعَفين أغِثْ أهلنا في غزة ، اللهم ارحَم ضعفَهم، واكشِف ضرّهم، وعجّل نصرهم، وآتهم من لدنك رحمةً، وهيّء لهم من أمرهم رشَداً ، اللهم ارحم موتاهم .. واشفِ مَرضاهم وأطعِم جَوعاهم، واكسُ عراتهم، اللهم أصلح نساءَهم وشبابهم، واهدِ ضالَّهم، وألِّف بين قلوبِهم ، واجمَع كلمتَهم على كتابك وسُنّة نبيك سيدِنا محمدٍ ، صلى الله عليه وسلم ، اللهم وحِّدْ صفوفَهم وافتَح عليهم ، وسَدّد رمْيَهم، وأفرِغْ عليهم صبراً، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرْهُم على عدوك وعدوهم ؛ فإنه لا حولَ ولا قوة إلا بك يا ربَّ العالمين، وحسبنا الله
ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.

30 - ديسمبر - 2008
ملف العدوان على غزة
المرأة ( 1 )    كن أول من يقيّم

 
المرأة في القرآن الكريم
ساوى الله (جل جلاله ) بين الرجل والمرأة في أصل الخِلقة ، فأخبر سبحانه بوحدة الأصل الإنساني الذي خلق منه الرجال والنساء في غير موضعٍ من القرآن الكريم ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) [النساء :1] ، وقال سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ) [الأنعام :98] ، وقال عز مِن قائل : (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) [الأعراف :189] وقال تعالى : ( خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) [الزمر :6].
كما ساوى ربنا بينهما في أصل العبودية له وحدَه والتكاليف الشرعية ، ولم يفضل جنسًا على آخر، بل جعل مقياس التفضيل التقوى والصلاح والإصلاح ، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [الحُجُرات :13] ، ويتساوى الرجال والنساء، بل الإنسان وجميعُ خَلْقِ الله في أصل العبودية ، قال تعالى : ( إِنْ كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) [مريم :93] .
وساوى الله بين الرجال والنساء في أصل التكاليف الشرعية ، والثواب والعقاب على فعلها وتركها ، قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [غافر :40] ، وقال سبحانه : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ ) [آل عمران :195] ، وقال تعالى: ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) [النساء :124] ، وقال سبحانه وتعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [النحل :97] .
كما ساوى ربنا بينهما في أصل الحقوق والواجبات ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [البقرة :228] ، وقال تعالى: ( لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) [النساء :7] ، وَجَرَّم سبحانه وتعالى ما كان يفعله العرب قبل الإسلام من كراهية أن يرزقه الله بالأنثى، حيث قال تعالى : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" [النحل : 58 ، 59] .
ولم تقتصر نصوص الشرع الشريف على المساواة في أصل التكليف ، وأصل الحقوق والواجبات ، وإنما تعدى الأمر إلى التوصية بالمرأة ؛ وذلك لرقة طبعها وخجلها أن تطالب بحقوقها ، فأوصى الرجال بهن خيرًا وأن يتعاملوا معهن بالمعروف في غير موضع في القرآن الكريم . قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) [النساء :19] ، وقوله ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًا عَلَى المُحْسِنِينَ ) [البقرة :236]  وقوله سبحانه : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ) [الطلاق :6]  وقوله تعالى : ( فَاَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) [النساء :24]  وقال عز وجل : ( وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ ) [النور :33]  وقوله تعالى : ( فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا ) [النساء :34] ، وقوله سبحانه : ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُواْ النّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعضُلُوهُنَّ لِتَذهَبُواْ بِبَعضِ مَا ءَاتَيتُمُوهُنَّ ) [ النساء : 19 ] وقوله سبحانه وتعالى : َ(فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ) [البقرة: 229].
 
 

31 - ديسمبر - 2008
الثقافة .
المرأة ( 2 )    كن أول من يقيّم

 
ميراث المرأة بين الحقائق والافتراءات
ولابد علينا أن نعلم ما هو الإرث ؟ وماذا تعني هذه الكلمة في اللغة وفي الشرع ؟ فالإرث في اللغة : الأصل ، والأمر القديم توارثه الآخر عن الأول ، والبقية من كل شيء . وهمزته أصلها واو . ويطلق الإرث ويراد منه انتقال الشيء من قوم إلى قوم آخرين . ويطلق ويراد منه الموروث . ويقاربه على هذا الإطلاق في المعنى التركة.
والإرث اصطلاحًا : عرفه الشافعية والقاضي أفضل الدين الخونجي من الحنابلة : أنه حق قابل للتجزؤ يثبت لمستحقه بعد موت من كان له ذلك لقرابة بينهما أو نحوها .
ومن الأمور المهمة التي يجب أن تكون حاضرة في ذهن المسلم الواعي أن مساحة الاجتهاد في فقه المواريث خاصة ضيقة ، وأحكام المواريث في أغلبها ليست إلا تطبيقًا لنصوص الشارع الحكيم ، فالذي قسم تلك الأنصبة هو الله سبحانه وتعالى وعندما استقرء العلماء هذه التقسيمات زاد يقينهم بالله وسبحوا ربهم على حكمة التشريع الرباني ، وقالوا صدق ربنا : ( مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) [الأنعام :38] .
يتردد كثيرًا قول بعضهم : « إن الإسلام ظلم المرأة ؛ حيث جعل نصيبها في الميراث نصف نصيب الرجل » ، ونحن المسلمين نؤمن بثوابت راسخة من صفات الله تعالى ، تجعل تلك الشبهة لا تطرأ على قلب أي مسلم أو مسلمة ، وتتمثل تلك الثوابت في أن الله سبحانه حكم عدل ، وعدله مطلق ، وليس في شرعه ظلم لبشر أو لأي أحد من خلقه : ( وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) [الكهف :49] ، ( وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلا(
ً  [النساء :49] ، ( وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) [الحج :10]  ، ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ) [العنكبوت :40] ، ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) [النساء :40]  ، ( وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) [النساء :124] ، ( فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ) [التوبة :70] .
وإن الفروق في أنصبة المواريث هي أساس قضية المواريث في الفقه الإسلامي ، ولا تختلف الأنصبة في المواريث طبقًا للنوع ؛
وإنما تختلف الأنصبة طبقًا لثلاثة معايير :
الأول
: درجة القرابة بين الوارث والمورث : ذكرًا كان أو أنثى ، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث ، وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين ، فترى البنت الواحدة ترث نصف تركة أمها ( وهي أنثى ) على حين يرث أبوها ربع التركة ( وهو ذكر ) وذلك ؛لأن الابنة أقرب من الزوج فزاد الميراث لهذا السبب .
الثاني : موقع الجيل الوارث : فالأجيال التي تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمّل أعبائها ، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفف من أعبائها ، بل تصبح أعباؤها - عادة - مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات . فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه - وكلتاهما أنثى - وترث بنت المتوفى أكثر من أبيه كذلك في حالة وجود أخ لها .
الثالث : العبء المالي : وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى ، لكنه تفـاوت لا يفـضى إلى أي ظـلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها ، بل ربما كان العكس هو الصحيح .
ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في العاملين الأولين ( درجة القرابة ، وموقع الجيل ) - مثل أولاد المتوفَّى ، ذكوراً وإناثاً - يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث ؛ ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين ، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات ، والحكمة في هذا التفاوت ، في هذه الحالة بالذات ، هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى - هي زوجه - مع أولادهما ،في حين الأنثـى الوارثة أخت الذكر- إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها .
فهي - مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة إلىأخيها الذي ورث ضعف ميراثها - أكثر حظًّا وامتيازًا منه في الميراث ؛ فميراثها - مع إعفائها من الإنفاق الواجب - هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوى ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات ، وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين ، ومن أعباء الرجل المالية نذكر منها :
1- الرجل عليه أعباء مالية في بداية حياته الزوجية وارتباطه بزوجته ، فيدفع المهر ، يقول تعالى : ( وَءَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) [النساء :12] ، والمهر -التزام مالي يدفعه الرجل للمرأة - من تشريعات بداية الحياة الزوجية ، والمرأة تتميز عن الرجل ؛ فإنه ليس من حقه أن يطالب بمهر من المرأة إذا ما أرادت أن تتزوج منه .
2- الرجل بعد الزواج ينفق على المرأة وإن كانت تمتلك من الأموال ما لا يمتلكه هو ، فليس من حقه أن يطالبها بالنفقة على نفسها فضلاً عن أن يطالبها بالنفقة عليه ؛ لأن الإسلام ميزها وحفظ مالها ، ولم يوجب عليها أن تنفق منه .
3- الرجل مكلف كذلك بالأقرباء وغيرهم ممن تجب عليه نفقته ، حيث يقوم بالأعباء العائلية والالتزامات الاجتماعية التي يقوم بها المورث باعتباره جزءًا منه ، أو امتدادًا له ، أو عاصبـًا من عصبته .
هذه الأسباب وغيرها تجعلنا ننظر إلى المال أو الثروة نظرة أكثر موضوعية ، وهي أن الثروة والمال أو الملك مفهوم أعم من مفهوم الدخل ، فالدخل هو المال الوارد إلى الثروة ، وليس هو نفس الثروة ؛ حيث تمثل الثروة المقدار المتبقي من الواردات والنفقات .
وبهذا الاعتبار نجد أن الإسلام أعطى المرأة نصف الرجل في الدخل الوارد ، وكفَل لها الاحتفاظ بهذا الدخل دون أن ينقص سوى من حق الله كالزكاة ، أما الرجل فأعطاه الله الدخل الأكبر وطلب منه أن ينفق على زوجته وأبنائه ووالديه إن كبرا في السن ، ومن تلزمه نفقته من قريب وخادم وما استحدث في عصرنا هذا من الإيجارات والفواتير المختلفة ؛ مما يجعلنا نجزم أن الله فضل المرأة على الرجل في الثروة ؛ حيث كفل لها حفظ مالها ، ولم يطالبها بأي شكل من أشكال النفقات .
ولذلك حينما تتخلف قضية العبء المالي كما هي الحال في شأن توريث الإخوة والأخوات لأم ؛ نجد أن الشارع الحكيم قد سوَّى بين نصيب الذكر ونصيب الأنثى منهم في الميراث ، قال تعالى : ( وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِى الثُّلُثِ ) [النساء :12] . فالتسوية هنا بين الذكور والإناث في الميراث ؛ لأن أصل توريثهم هنا الرحم ، وليسوا عصبةً لمورثهم حتى يكون الرجل امتدادا له من دون المرأة ، فليست هناك مسئوليات ولا أعباء تقع على كاهله بهذا الاعتبار .
وباستقراء حالات ومسائل الميراث انكشف لبعض العلماء والباحثين حقائق قد تذهل الكثيرين ؛ حيث ظهر التالي :
أولاً : أن هناك أربع حالات فقط ترث المرأة نصف الرجل .
ثانيًا : أن أضعاف هذه الحالات ترث المرأة مثل الرجل .
ثالثًا : هناك حالات كثيرة جدًا ترث المرأة أكثر من الرجل .
رابعًا : هناك حالات ترث المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال .
وتفصيل تلك الحالات فيما يلي :
أولاً : الحالات التي ترث المرأة نصف الرجل :
1- البنت مع إخوانها الذكور ، وبنت الابن مع ابن الابن .
2- الأب والأم ولا يوجد أولاد ولا زوج أو زوجة .
3- الأخت الشقيقة مع إخوانها الذكور .
4- الأخت لأب مع إخوانها الذكور .
ثانيا : الحالات التي ترث المرأة مثل الرجل :
1- الأب والأم في حالة وجود ابن الابن .
2- الأخ والأخت لأم .
3- أخوات مع الإخوة والأخوات لأم .
4- البنت مع عمها أو أقرب عصبة للأب ( مع عدم وجود الحاجب ) .
5- الأب مع أم الأم وابن الابن .
6- زوج وأم وأختين لأم وأخ شقيق على قضاء سيدنا عمر ( رضى الله عنه )، فإن الأختين لأم والأخ الشقيق شركاء في الثلث .
7- انفراد الرجل أو المرأة بالتركة بأن يكون هو الوارث الوحيد ، فيرث الابن إن كان وحده التركة كلها تعصيبا ، والبنت ترث النصف فرضًا والباقي ردًا . وذلك لو ترك أبا وحده فإنه سيرث التركة كلها تعصيبًا ، ولو ترك أما فسترث الثلث فرضًا والباقي رضا عليها .
8- زوج مع الأخت الشقيقة ؛ فإنها ستأخذ ما لو كانت ذكرًا ، بمعنى لو تركت المرأة زوجًا وأخًا شقيقا فسيأخذ الزوج النصف ، والباقي للأخ تعصيبًا. ولو تركت زوجاً وأختاً فسيأخذ الزوج النصف والأخت النصف كذلك .
9- الأخت لأم مع الأخ الشقيق ، وهذا إذا تركت المرأة زوجًا ، وأمًّا ، وأختًا لأم ، وأخًا شقيقًا ؛ فسيأخذ الزوج النصف ، والأم السدس ، والأخت لأم السدس ، والباقي للأخ الشقيق تعصيًبا وهو السدس .
10- ذوو الأرحام في مذهب أهل الرحم ، وهو المعمول به في القانون المصري في المادة 31 من القانون رقم 77 لسنة 1943، وهو إن لم يكن هناك أصحاب فروض ولا عصابات فإن ذوي الأرحام هم الورثة ، وتقسم بينهم التركة بالتساوي كأن يترك المتوفى ( بنت بنت ، وابن بنت ، وخال ، وخالة ) فكلهم يرثون نفس الأنصبة .
11- هناك ستة لا يحجبون حجب حرمان أبدًا وهم ثلاثة من الرجال ، وثلاثة من النساء ، فمن الرجال ( الزوج ، والابن ، والأب ) ، ومن النساء ( الزوجة ، والبنت ، والأم ) .
ثالثا : حالات ترث المرأة أكثر من الرجل :
1- الزوج مع ابنته الوحيدة .
2- الزوج مع ابنتيه .
3- البنت مع أعمامها .
4- إذا ماتت امرأة عن ستين فدانًا ، والورثة هم ( زوج ، وأب ، وأم ، وبنتان ) فإن نصيب البنتين سيكون 32 فدانًا بما يعني أن نصيب كل بنت 16 فدانا ً، في حين أنها لو تركت ابنان بدلاً من البنتان لورث كل ابن 12,5 فداناً ؛ حيث إن نصيب البنتين ثلثي التركة ، ونصيب الابنين باقي التركة تعصيبا بعد أصحاب الفروض .
5- لو ماتت امرأة عن 48 فدانًا ، والورثة ( زوج ، وأختان شقيقتان ، وأم ) ترث الأختان ثلثي التركة بما يعني أن نصيب الأخت الواحدة 12 فداناً ، في حين لو أنها تركت أخوين بدلاً من الأختين لورث كل أخ 8 أفدنة لأنهما يرثان باقي التركة تعصيًبا بعد نصيب الزوج والأم .
6- ونفس المسألة لو تركت أختين لأب ؛ حيث يرثان أكثر من الأخوين لأب .
7- لو ماتت امرأة وتركت ( زوجًا ، وأبًا ، أمًا ، بنتًا ) ، وكانت تركتها 156 فدانًا فإن البنت سترث نصف التركة وهو ما يساوي 72 فداناً ، أما لو أنها تركت ابنًا بدلاً من البنت فكان سيرث 65 فدانًا ؛ لأنه يرث الباقي تعصيبًا بعد فروض ( الزوج والأب والأم ) .
8- إذا ماتت امرأة وتركت ( زوجًا ، وأمًا ، وأختًا شقيقة ) ، وتركتها 48 فدانًا مثلا فإن الأخت الشقيقة سترث 18 فدانًا ، في حين أنها لو تركت أخًا شقيقًا بدلاً من الأخت سيرث 8 أفدنة فقط ؛ لأنه سيرث الباقي تعصيبًا بعد نصيب الزوج والأم ، ففي هذه الحالة ورثت الأخت الشقيقة أكثر من ضعف نصيب الأخ الشقيق .
9- لو ترك رجل ( زوجة ، وأمًا ، وأختين لأم ، وأخوين شقيقين ) وكانت تركته 48 فداناً ، ترث الأختان لأم وهما الأبعد قرابة 16 فداناً فنصيب الواحدة 8 أفدنة ، في حين يورث الأخوان الشقيقان 12 فدانًا ، بما يعني أن نصيب الواحد 6 أفدنة .
10- لو تركت امرأة ( زوجًا ، وأختًا لأم ، أخوين شقيقين ) ، وكانت التركة 120 فدانًا ، ترث الأخت لأم ثلث التركة ، وهو ما يساوي 40 فدانًا ، ويرث الأخوان الشقيقان 20 فدانًا ، بما يعني أن الأخت لأم وهي الأبعد قرابة أخذت أربعة أضعاف الأخ الشقيق .
11- الأم في حالة فقد الفرع الوارث ، ووجود الزوج في مذهب ابن عباس (رضى الله عنه ) ، فلو مات رجل وترك ( أبًا ، وأمًا ، وزوجًا ) فللزوج النصف ، وللأم الثلث ، والباقي للأب ، وهو السدس أي ما يساوي نصف نصيب زوجته .
12- لو تركت امرأة ( زوجًا ، وأمًّا ، وأختًا لأم ، أخوين شقيقين ) وكانت التركة 60 فدانًا ، فسترث الأخت لأم 10 أفدنة في حين سيرث كل أخ 5 أفدنة ؛ مما يعني أن الأخت لأم نصيبها ضعف الأخ الشقيق ، وهي أبعد منه قرابة .
13- ولو ترك رجل ( زوجة ، وأبًا، وأمًّا ، وبنتًا ، بنت ابن ) ، وكانت التركة 576 فدانًا ، فإن نصيب بنت الابن سيكون 96 فدانًا ، في حين لو ترك ابنَ ابنٍ لكان نصيبه 27 فدانًا فقط .
14- لو ترك المتوفى ( أم ، وأم أم ، وأم أب ) وكانت التركة 60 فدانًا مثلاً ، فسوف ترث الأم السدس فرضا والباقي ردًّا ، أما لو ترك المتوفى أبًا بدلاً من أم بمعنى أنه ترك ( أبًا ، وأم أم ، أم أب ) فسوف ترث أم الأم ، ولن تحجب السدس وهو 10 أفدنة ، والباقي للأب 50 فداناً ، مما يعني أن الأم ورثت كل التركة 60 فدانًا ، والأب لو كان مكانها لورث 50 فداناً فقط .
رابعا : حالات ترث المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال :
1- لو ماتت امرأة وتركت ( زوجًا ، وأبًا ، أمًا ، بنتًا ، بنت ابن ) ، وتركت تركة قدرها 195 فداناً مثلاً ، فإن بنت الابن سترث السدس وهو 26 فدانًا ، في حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلاً من بنت الابن لكان نصيبه صفرًا ؛ لأنه كان سيأخذ الباقي تعصيًبا ولا باقي ، وهذا التقسيم على خلاف قانون الوصية الواجبة الذي أخذ به القانون المصري رقم 71 لسنة 1946، وهو خلاف المذاهب ، ونحن نتكلم عن المذاهب المعتمدة ، وكيف أنها أعطت المرأة ، ولم تعط نظيرها من الرجال .
2- لو تركت امرأة ( زوجًا ، وأختًا شقيقة ، أختًا لأب ) ، وكانت التركة 84 فدانًا مثلاً ، فإن الأخت لأب سترث السدس ، وهو ما يساوي 12 فدانًا ، في حين لو كان الأخ لأب بدلا من الأخت لم يرث ؛ لأن النصف للزوج ، والنصف للأخت الشقيقة والباقي للأخ لأب ولا باقي .
3- ميراث الجدة : فكثيرا ما ترث ولا يرث نظيرها من الأجداد ، وبالاطلاع على قاعدة ميراث الجد والجدة نجد الآتي : الجد الصحيح ( أي الوارث ) هو الذي لا تدخل في نسبته إلى الميت أم مثل أب الأب أو أب أب الأب وإن علا ، أما أب الأم أو أب أم الأم فهو جد فاسد ( أي غير وارث ) على خلاف في اللفظ لدى الفقهاء ، أما الجدة الصحيحة هي التي لا يدخل في نسبتها إلى الميت جد غير صحيح ، أو هي كل جدة لا يدخل في نسبتها إلى الميت أب بين أمين ، وعليه تكون أم أب الأم جدة فاسدة لكن أم الأم ، وأم أم الأب جدات صحيحات ويرثن .
4- لو مات شخص وترك ( أب أم ، وأم أم ) في هذه الحالة ترث أم الأم التركة كلها ، حيث تأخذ السدس فرضًا والباقي ردًا ، وأب الأم لا شيء له ؛ لأنه جد غير وارث .
5- كذلك ولو مات شخص وترك ( أب أم أم ، وأم أم أم ) تأخذ أم أم الأم التركة كلها ، فتأخذ السدس فرضًا والباقي ردًا عليها ولا شيء لأب أم الأم ؛ لأنه جد غير وارث .
إذن فهناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال ، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل . تلك هي ثمرات استقراء حالات ومسـائل الميراث في عـلم الفرائض ( المواريث ) ، فأرى أن الشبهة قد زالت بعد هذه الإيضاحات لكل منصفٍ صادقٍ مع نفسه ، نسأل الله العناية والرعاية ، والحمد لله رب العالمين
.
 

31 - ديسمبر - 2008
الثقافة .
المرأة ( 3)    كن أول من يقيّم

 
تعدد الزوجات وحقيقته
من باب تصحيح المفاهيم وإرساء الحقائق يجب علينا أن نعلم أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات ، ولم يأت بتعدد الزوجات كما يظن الآخرون ، فعن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم ) : « اختر منهن أربعًا » (1) . من هذا الحديث يظهر لنا أن الإسلام نص على الحد من كثرة عدد الزوجات ، وفي المقابل لم يرد أمر لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخرى ؛ وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودًا لذاته ، وإنما يكون تزوج الرجل مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة .
فلم يرد تعدد الزوجات في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه ، فالله عز وجل قال : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) [النساء :3] ، فالذين فسروا الآية الكريمة ، أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي يفسرونها بمعزل عن السبب الرئيس الذي أُنْزِلَت لأجله ، وهو وجود اليتامى والأرامل ؛ إذ إن التعدد ورد مقرونًا باليتامى ؛ حيث قاموا بانتزاع قوله تعالى : "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ) دون القول السابق ، والذي صيغ بأسلوب الشرط ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى اليَتَامَى ) وكذلك دون القول اللاحق ، والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل حيث قال : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) .
فمن ذهب إلى القرآن الكريم لا يجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود التي أشرنا إليها ، ومن ذهب إلى السنة فسيجد أن الإسلام نهى عن التعدد بأكثر من أربع نساء ، وشتان بين أن يكون الإسلام أمر بالتعدد حتى أربع نساء ، وبين أن يكون نهى عن الجمع بين أكثر من أربع نساء .
فإنَّ نظام تعدُّد الزوجات كان شائعًا قبل الإسلام بين العرب ، وكذلك بين اليهود والفرس ، والتاريخ يحدِّثنا عن الملوك والسلاطين بأنِّهم كانوا يبنون بيوتًا كبيرة تسع أحيانًا لأكثر من ألف شخص ، لسكن نسائهم من الجواري ، وفي بعض الأحيان يقومون بتقديمهن كهدايا إلى ملوك آخرين ، ويأتون بنساء جديدات ، كما أنه في شريعة اليهود وفي قوانينهم - حتى الآن- يبيحون تعدد الزوجات ، ولا يجرؤ أحد أن يهاجمهم في عقيدتهم ودينهم وشرعهم .
والغريب أن الذين يحاربون نظام الإسلام في السماح للرجل بالزواج مرة أخرى في ظروف معينة يعانون من تفكك أسري ، وانتشار الفاحشة ، وإباحة تعدد الخليلات ( العشيقات ) بلا عدد ولا حد ، فالخليلة لا تتمتع بحقوق الزوجة ، فضلاً عما يترتب على الأمر من خيانة الزوجة ، وإسقاط حقوقها ، وعدم الاعتراف بها وبأولادها . فهي وحدَها التي تتحمل ثمن أجرة الإجهاض أو تعيش غير متزوجة ( الأم العازبة ) لترعى طفلها غير الشرعي ( فَأَيُّ الفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون )  [الأنعام :81] .
التعدد المباح في الغرب هو التعدد في غير إطار ، وهو التعدد الذي لا يكفُل للمرأة أي حق ، بل يستعبدها الرجل ، ويقيم معها علاقة غير رسمية ويسلب زهرة حياتها ، ثم يرمي بها خارج قلبه وحياته ، وقد يتسبب لأسرته في أمراض جنسية خطيرة إلى جانب أطفال السفاح الذين لا يعترف بهم في أكثر الأحيان ، ولكثرة الأرقام وكثرة الإحصائيات نكتفي بأخذ نموذج من الدول الغربية ، وليكن الولايات المتحدة الأمريكية ولندع الأرقام تتحدث :
* في سنة 1980م (1.553000) حالة إجهاض ، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عامًا من أعمارهن ، وقالت الشرطة : إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك .
* في سنة 1982 م (80%) من المتزوجات منذ 15 سنة أصبحن مطلقات .
* وفي سنة 1984م (8 ملايين) امرأة يعشن وحدهن مع أطفالهن دون أية مساعدة خارجية .
* وفي سنة 1986م (27%) من المواطنين يعيشون على حساب النساء .
* وفي سنة 1982م (65) حالة اغتصاب لكل 10 آلاف امرأة .
* وفي سنة1995م (82) ألف جريمة اغتصاب ؛ 80% منها في محيط الأسرة والأصدقاء ، على حين تقول الشرطة : إن الرقم الحقيقي 35 ضعفًا .
* وفي سنة 1997م بحسب قول جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة : اغتصبت امرأة كل 3 ثوان ، على حين ردت الجهات الرسمية بأن هذا الرقم مبالغ فيه ، والرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثوان !
* 74% من العجائز الفقراء هم من النساء ؛ 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد .
* ومن 1979 إلى 1985: أجريت عمليات تعقيم جنسي للنساء اللواتي قدمن إلى أمريكا من أمريكا اللاتينية ، والنساء اللاتي أصولهن من الهنود الحمر ، وذلك دون علمهن .
* ومن سنة 1980 إلى سنة 1990م : كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء .
* وفي سنة 1995: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار (2) .
كل هذه الأرقام هي نتائج طبيعية لأن نستبدل بنظام الزواج واحترام المرأة في الشريعة الإسلامية ، نظام الانفلات وتعدد الصديقات والعشيقات عند من يهاجم التشريع الإسلامي .
ولننظر آراء المنصفين من الغربيين في تلك القضية :
تقول إحداهن : « لقد كثرت الشاردات من بناتنا ، وعمَّ البلاء ، ودل الباحثون عن أسباب ذلك ؛ وإذ كنت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات ، وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحبًّا ، وماذا عسى يفيدهن بشيء حزني ووجعي وتفجعي ، وإن شاركني فيه الناس جميعًا ؛ إذ لا فائدة إلا في العمل بما يمنع هذه الحالة الرجسة . ويرى العالم ( توس ) ، أن الدواء الكافل للشفاء من هذا الداء وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة ، وتصبح بناتنا ربات بيوت ، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة ، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال ، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة . أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين أصبحوا كلاًّ وعالةً وعارًا في المجتمع الإنساني فلو كان تعدد الزوجات مباحًا لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان ، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن . فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار ، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل ، وعليه ما ليس عليها ، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين » (3) .
وعن كاتبة أخرى تقول : « َلأَنْ تشتغلَ بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خيرٌ وأخفُّ بلاءً من اشتغالهن في المعامل ، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد ، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة حيث الخادمةُ والرقيق ينعَمان بأرغد عيش ، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمَس الأعراض بسوء . نعم إنه لعارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال ، فما بالُنا لا نسعى وراءها بجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت ، وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها » (4) .
وهذا الفيلسوف الألماني الشهير « شوبنهور » يقول : « إن قوانين الزواج في أوربة فاسدة المبنى ، بمساواتها المرأة بالرجل ؛ فقد جعلتنا نقتصر على زوجة واحدة فأفقدتنا نصف حقوقنا ، وضاعفت علينا واجباتنا . . . إلى أن قال : ولا تعدم امرأة من الأمم التي تجيز تعدد الزوجات زوجًا يتكفل بشؤونها ، والمتزوجات عندنا قليل ، وغيرهن لا يحصين عددًا ، تَرَاهُن بغير كفيل : بين بكر من الطبقات العليا قد شاخت وهي هائمة متحسرة ، ومخلوقات ضعيفة من الطبقات السفلى ، يتجشمن الصعاب ، ويتحملن مشاق الأعمال ، وربما ابتذلن فيعشن تعيسات متلبسات بالخزي والعار ، ففي مدينة لندن وحدها ثمانون ألفَ بنتٍ عمومية ، سفك دم شرفهن على مذبح الزواج ، ضحية الاقتصار على زوجة واحدة ، ونتيجة تعنت السيدة الأوربية ، وما تدّعيه لنفسها من الأباطيل ، أما آن لنا أن نعُدَّ بعد ذلك تعددَ الزوجات حقيقة لنوع النساء بأسره » (5) .
وقالت « أني بيزانت » زعيمة التيصوفية العالمية في كتابها « الأديان المنتشرة في الهند " : " ومتى وزنَّا الأمور بقسطاس العدل المستقيم ، ظهر لنا أن تعدد الزوجات الإسلامي - الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء - أرجح وزنًا من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته ، ثم يقذف بها إلى الشارع متى قضى منها أوطاره " .
قال غوستاف لوبون : « إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه ، ويزيد الأسر ارتباطًا ، ويمنح المرأة احترامًا وسعادة لا تجدهما في أوروبا " .
ما سبق يؤكد لنا أن نظام تعدد الزوجات أو إباحة التزوج بأكثر من واحدة للظروف والأوضاع التي نصَّ عليها الشرع الإسلامي ليس منقوضًا عند كل المفكرين الغربيين ، وقد رأينا شهادة المنصفين منهم .
وفي الختام نؤكد أن : الإسلام أباح للرجل بأن يتزوج بأكثر من واحدة لكل هذه الفوائد التي ذكرناها وجاءت تلك الإباحة مقيدة في القرآن ، قال تعالى : " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِى اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " [النساء :3] كما أشار سبحانه إلى صعوبة العدل بين النساء ، فقال تعالى : ( وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) [النساء :129] .
ورأينا كذلك في السنّة النبوية الغراء أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) لم يأمر في حديث من أحاديثه من تزوج بواحدة أن يتزوج مرة أخرى ، وإنما جاءت السنّة بعكس ذلك ، وهي أن من تزوج بنساء كثيرات أن يطلق عنه حتى يبقى عددًا محصورًا كما ذكرنا في حديث سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي  (صلى الله عليه وسلم ) : « اختر منهن أربعًا » (6) .
وأرى أن الأمر قد اتضح ، والشبهة قد زالت ، وتبين أن الزواج بأكثر من واحدة من خلال النظام التشريعي الإسلامي هو في الحقيقة تكريم للمرأة ؛ لأن الإنسان لابد أن تكون نظرته متكاملة ؛ فالنظر للمرأة التي يتزوج الرجل عليها وحدَه ليس إنصافًا ، فإن الذي سوف يتزوجها الرجل هي امرأة كذلك ، وكرّمها الشرع بأن سمح للرجل أن يتزوج منها لعلاج ما يعانيه المجتمع من مشكلات اجتماعية واقتصادية . نسأل الله أن يبصرنا بأمور دنيانا وديننا ، والله من وراء القصد .
********************************************
(1) رواه أحمد في المسند ( ج2 ص 13 ) وابن ماجه في سننه ( ج1 ص 628 ) .
(2) التقرير السنوي المسمى بـ " قاموس المرأة " صدر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة ومقره مدريد .
(3) المنار ( ج4 ص 485 ) منه نقلاً عن جريدة ( لندن ثرو ) بقلم بعض الكتاب ما ترجمته ملخصاً .
(4) المنار ( ج4 ص 362 ) منه نقلاً عن جريدة ( لندن ثرو ) بقلم بعض الكتاب ما ترجمته ملخصاً .
(5) الإسلام روح المدينة لمصطفى الغلاييني ( ص 224 ) وهذا الرقم الذي ذكره شوبنهور كان في عهده حيث توفي سنة 1860 م .
(6) رواه أحمد في المسند ( ج2 ص 13 ) وابن ماجه في سننه ( ج1 ص 628 ) .
 

31 - ديسمبر - 2008
الثقافة .
المرأة ( 4)    كن أول من يقيّم

 
حقوق المرأة السياسية
لم يعرف المسلمون في تاريخهم قضية اسمها : " قضية المرأة " لا من ناحية عملها ولا من ناحية مشاركتها السياسية ولا من أي ناحية ، سواء أكان ذلك في شدة مجد الأمة الإسلامية ، أم في أزمنة ضعفها ؛ وعندما نقل الغرب أمراضه ومعاناته على البشر جميعاً - بمن فيهم المسلمون- ، ظهر ما يسمى بـ " قضية المرأة " ، حيث لا قضية ، ونُودي بتحريرها - وهي أصلا محررة - في معظم مجتمعات المسلمين ، وأرادوا أن ينقلوا المفاهيم الغربية الحديثة - التي كانت رد فعلٍ لعصور الظلام التي عاشتها أوربة - إلينا ، ويحاكموننا على أساسها ، وأرادوا فرض المفهوم العلماني الغربي للتحرير .
هناك إجماع بين علماء الأصول والتفسير والفقه والحديث على أن خطاب التكليف يستوي فيه الرجال والنساء ، بل قالوا إن النصوص الشرعية التي يوجه فيها الخطاب للرجال هي في الوقت نفسه موجهة للنساء أيضاً ، في كل الأحكام والتكاليف والعظات ، ما لم يأتِ ما يقيد الخطاب مما يتعلق بالخصائص التكوينية للرجال أو للنساء ، ومما لم يصرح به الخطاب بأنه خاص بالرجال دون النساء أو العكس .
ولعل أم سلمة ( رضي الله عنها ) تعدّ مثالاً واضحاً لهذا الفهم ، فعن عبد الله بن رافع قال : كانت أم سلمة تحدث أنها سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم )يقول على المنبر وهي تمتشط : " أيها الناس " فقالت للجارية : استأخري عني . قالت : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء ، فقالت : إني من الناس (1) .
وبالنسبة إلى القانون المصري - مثالاً لقانون إحدى الدول الإسلامية - تعد الحقوق السياسية فيه هي تلك الحقوق التي يقرها القانون ، ويعترف بها للشخص على أساس الانتماء الوطني . ويربط المشرع غالبًا بين التمتع بهذه الحقوق ، وشرط الجنسية . بمعنى أن هذه الحقوق لا تقرر إلا للوطني دون الأجنبي . ومثال ذلك نص المادة الأولى من قانون مباشرة الحقوق السياسية في مصر رقم 73 لسنة 1957 والتي تنص على : " أن كل مصري وكل مصرية بلغ ثماني عشْرةَ سنةً ميلادية يباشر بنفسه الحقوق السياسية " كما تنص المادة الخامسة من قانون مجلس الشعب رقم 38 لسنة 1972 المعدة بالقانون رقم 109 لسنة 1976 والمادة السادسة من قانون مجلس الشورى رقم 120 لسنة 1980 والمادة 75 من قانون الحكم المحلي 43 لسنة 1979 على " أن يشترط للترشيخ أو للتعين في هذه المجالس أن يكون الشخص متمتعًا بالجنسية المصرية " كما ينص الدستور الحالي في مادته الخامسة والسبعين على " أنه يشترط في من ينتخب رئيسًا للجمهورية أن يكون جنسية والديه مصرية " .
ويمكن إجمال مظاهر الحقوق السياسية للمجتمع المسلم عامة فيما يلي :
1) اختيار الحاكم والرضا به وهو ما كان يعبر عنه في التراث الفقهي " بالبيعة " .
2) المشاركة العامة في القضايا التي تخص عامة الأمة ، وهو مبدأ الشورى الذي حث عليه الإسلام .
3) تولي المناصب السياسية في الحكومة أو مؤسسات الدولة .
4) نصح الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر .
فلم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة في كل هذه الحقوق المذكورة وبيان ذلك ما يلي :
أولا : اختيار الحاكم والرضا به وهو ما كان يعبر عنه في التراث الفقهي " بالبيعة " :
ذكر الله البيعة عامة دون تخصيص الرجال والنساء في غيرموضع، فقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) [الفتح :10] ، كما ذكر الله أمر النساء في البيعة فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [الممتحنة :12] ، فأثبت القرآن الكريم حق المرأة في مبايعة الحكم كالرجال تماماً، واعتبار صوتها بصوت الرجل دون تمييز بينهما .
ثانيًا : المشاركة العامة في القضايا التي تخص عامة الأمة ، وهو مبدأ الشورى :
وقد حث الإسلام على مبدأ الشورى بين الحاكم والرعية ، ولم يفرق بين الرجل والمرأة في ذلك ، وقد أرشد إليها ربنا في القرآن الكريم في غير موضع ، فقال تعالى في ذكر محاسن المسلمين : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) [الشورى :38] ، وقال تعالى في أمره لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) والذي يمثل ولي أمر المسلمين وقتها :  ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) [آل عمران :159] .
واستشار النبي ( صلي الله عليه وسلم ) زوجته أم سلمة رضي الله عنه في موقف عصيب ، في صلح الحديبية بعدما كتب معاهدة الصلح مع المشركين ، وبعدها أمر المسلمين بأن يقوموا بنحر هديهم ، ُثم يحلقوا ؛ فإنهم لا يذهبون إلى مكة في هذا العام ، فلم يقم منهم أحد ، فيروي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك فيقول : « فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه : " قوموا فانحروا ثم احلقوا " . قال : فوالله ما قام منهم رجل . حتى قال ( صلى الله عليه وسلم )  ذلك ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد دخل ( صلى الله عليه وسلم ) على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس . قالت له أم سلمة رضي الله عنها : يا نبي الله ، أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك ؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضًا » (2)
وفي عصرنا الحديث لم يعترض علماء الإسلام على ترشيح المرأة في المجالس النيابية ، وتمثيل فئة عريضة من الشعب والمشاركة في سن القوانين التنظيمية ، ولقد أصدرت دار الإفتاء المصرية الفتوى رقم 852 لسنة 1997 عن حكم جواز أن تكون المرأة عضوًا بمجلس النواب أو الشعب خلصت فيها بأنه : لا مانع شرعًا من أن تكون المرأة عضوًا بالمجالس النيابية والشعبية إذا رضي الناس أن تكون نائبة عنهم تمثلهم في تلك المجالس وتكون مواصفات هذه المجالس تتفق وطبيعتها التي ميزها الله بها وأن تكون فيها ملتزمة بحدود الله وشرعه كما بين الله وأمر في شريعة الإسلام .
ثالثاً : تولي المناصب المهمة في الحكومة ومؤسسات الدولة :
جاءت آثار في تولي المرأة السلطة التنفيذية ، أو الشرطة ، أو ما تسمى في التراث الفقهي الإسلامي " الحسبة " ، وكان ذلك في القرن الأول ، وعلى خلفية هذه الآثار أجاز بعض علماء المسلمين تولي المرأة هذا المنصب القيادي الحساس في الدولة الإسلامية ، حيث جاء في الموسوعة الفقهية ما نصه : " وأجاز توليتها آخرون لما ثبت من أن سمراء بنت نهيك (3) الأسدية كانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتنهى الناس عن ذلك بسوط معها » (4)
وخبر سمراء رواه أبو بلج يحيى بن أبي سليم قال : " رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر" ( 5) .
كما يجوز للمرأة أن تتولى القضاء على قول بعض أهل العلم من علماء المسلمين المعتبرين ، فقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه : يجوز أن تلي النساء القضاء فيما يجوز أن تقبل شهادتهن فيه وحدَهن أو مع الرجال ؛ لأن في الشهادة معنى الولاية ، وقد ذكر ابن حجَر ذلك فقال : " والمنع من أن تلي الإمارة والقضاء قول الجمهور وأجازه الطبري ، وهي رواية عن مالك ، وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء " (6) .
فما مر يبين وضع تولي المرأة مناصب مهمة في الحكومة في الواقع الفعلي للمسلمين ، وفي التراث الفقهي لهم ، أما في عصرنا هذا فتشارك المرأة الرجل - في أغلب الدول الإسلامية والعربية - في جميع وظائف الدولة والحياة السياسية والعلمية ، فالمرأة سفيرة ووزيرة وأستاذة جامعية وقاضية منذ سنوات كثيرة ، وهي تتساوى مع الرجل من ناحية الأجر والمسمى الوظيفي لكل تلك الوظائف .
رابعاً : نصح الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر :
بدأ نصح النساء لولي الأمر وقول الحق عنده مبكراً ، في القرن الأول في تلك القرون الخيرة ؛ ففي خلافة عمر رضي الله عنه يروي لنا قتادة ذلك فيقول : " خرج عمر من المسجد ومعه الجارود العبدي ، فإذا بامرأة برزت على ظهر ، فسلّم عليها عمر فردت عليه السلام ، وقالت : هيهات يا عمر ، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ ترعى الضأن بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين ، فاتق الله في الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قرُب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي عليه الفوت " ((7) .
وعن أبي نوفل قال: . . . دخل الحجاج بن يوسف الثقفي بعد مقتل عبد الله بن الزبير على أسماء بنت أبي بكر فقال : « كيف رأيتني صنعت بعدو الله ، قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك ؛ أما إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حدثنا أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا ، فأما الكذاب فرأيناه و أما المبير فلا أخالك إلا إياه . قال : فقام عنها ولم يراجعها » . (8)
هذه نماذج قليلة والتاريخ الإسلامي ممتلئ بالكثير من الصور كهذه ، أما الآن فالمرأة يتاح لها هذا الحق كالرجل من خلال القنوات المشروعة ، كالصحافة ، أو عضوية مجلس الشعب ، أو غيره من القنوات المشروعة لنصح الحكومة وإنكار الأخطاء في تصرفاتها وإقرار الصواب فيها .
ولعلنا في تلك العناصر الأربعة نكون قد أوضحنا في إيجاز غير مخل حقوق المرأة السياسية وأن متساوية مع الرجل فيها ، والله ولي التوفيق .
*****************************
(1) أخرجه مسلم في صحيحه ( ج4 ص 1795 ) .
(2) رواه أحمد في مسنده ( ج4 ص 330 ) والبخاري في صحيحه ( ج2 ص 978 ) .
(3) والصواب " سمراء بنت نهيك "
(4) الموسوعة الفقهية الكويتية ( ج17 ص 241 ) حرف الحاء حسبة .
(5) رواه الطبراني في المعجم الكبير ( ج24 ص 211 ) وذكر أن رجاله كلهم ثقات وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب ( ج4 ص 1863 ) والهيثمي في مجمع الزوائد ( ج9 ص 264 ) .
(6) فتح الباري لابن حجر العسقلاني ( ج8 ص 128 ) .
(7) الاستيعاب لابن عبد البر ( ج4 ص 1831 ) والإصابة لابن حجر ( ج7 ص 620 ) .
(8) أخرجه مسلم في صحيحه ( ج4 ص 1971 ) .
 

31 - ديسمبر - 2008
الثقافة .
المرأة ( 5)    كن أول من يقيّم

 
             نساء حاكمات
لا نقصد بحكم النساء للبلاد أن يكن لهن التأثير والنفوذ وتسيير الأمور عن طريق زوجها الحاكم أو ابنها أو سيدها ، فهذا الشكل لا يحصى وقد كثر في الدولة العباسية خاصة بشكل كبير بدايةً من الخيزران (1) بنت عطاء زوجة المهدي العباسي وأم بنيه الهادي وهارون وقد توفيت عام 173 هـ ؛ مرورًا بقبيحة أم المعتز بالله (2) (ت 264) ، وفاطمة القهرمانة (3)  (ت 299) ، وأم موسى الهاشمية قهرمانة دار المقتدر بالله (4) ، وأم المقتدر بالله شغب (5) (ت 321) . . . وغيرهن الكثير مما لا يحصى ولا يعد ، إنما نعني مَن حكمن البلاد وبعض الأقطار الإسلامية بطريقة مباشرة وواضحة .
فلقد حكم النساء بعض الأقطار الإسلامية في أزمنة مختلفة ، وإن كانت لم تلقب امرأة في الإسلام بلقب: "الخليفة " ، ولكنها لقبت بألقاب دون ذلك منها : السلطانة ، والملكة ، والحرة ، وخاتون .
**
ويذكر التاريخ الإسلامي أن هناك أكثرَ من خمسين امرأة حكمن الأقطار الإسلامية على مر التاريخ بداية من ست الملك إحدى ملكات الفاطميين بمصر ، والتي حكمت في بداية القرن الخامس الهجري ؛ مرورًا بالملكة أسماء والملكة أروى اللتين حكمتا صنعاء في نهاية القرن الخامس الهجري ، وزينب النفزاوية في الأندلس ، والسلطانة رضية التي تولت الحكم بدلهي في منتصف القرن السابع الهجري ، وشجرة الدر التي تولت حكم مصر في القرن السابع كذلك ، وعائشة الحرة في الأندلس ، وست العرب ، وست العجم ، وست الوزراء ، والشريفة الفاطمية ، والغالية الوهابية ، والخاتون ختلع تاركان ، والخاتون بادشاه ، وغزالة الشبيبة ، وغيرهن كثير .
وحتى لا نطيل ثم نتخير نماذج من النساء اللاتي حكمن البلاد ، نتكلم عنهن بشكل أكثر تفصيلاً ، ولنبدأ بست الملك :
1- ست الملك ملكة الفاطميين :
إحدى ملكات الفاطميين بمصر ست الملك ( ولدت عام 359هـ ) ، وقد استحوذت على السلطة بعد أن نظمت عملية ( اختفاء ) أخيها الحاكم بأمر الله ، الخليفة الفاطمي السادس عام 411هـ ، ويذكر أنه قتله قال الذهبي : " وتحالفت مع الأمير ابن دواس فذهبت إليه سرًّا فقبل قدمها ، فقالت : جئت في أمر أحرس نفسي ونفسك قال : أنا مملوكك ، قالت : أنت ونحن على خطر من هذا ، وقد هتك الناموس الذي قرره آباؤنا وزاد به جنونه وعمل ما لا يصبر عليه مسلم ، وأنا خائفة أن يقتل فنقتل وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء ، قال : صدقت ، فما الرأي ؟ قالت : تحلف لي ، وأحلف لك على الكتمان فتعاقدا على قتله (6) .
وكانت لها دوافعها إلى ذلك ؛ إذ إن تجاوزات أخيها فاقت الحد ، فبعد أن كان يسلط قهره على الضعاف والكلاب التي قرر القضاء عليها ، والنساء اللائي منعهن من الخروج ، فحرق القاهرة ومنع سكانها من العمل في النهار، وأمرهم بالعمل في الليل حتى يخرج بموكبه إلى الشوارع ليلاً فيراها تضج بالحركة ، استفاق ذات يوم ليعلن ألوهيته ويطالب جماهير القاهرة وضمنهم ست الملك بعبادته .
2- الملكة أروى ملكة صنعاء :
هي أروى بنت أحمد بن جعفر الصليحية ملكة حازمة مدبرة يمانية ، ولدت في حراز باليمن عام 440 هـ ، ونشأت في حجر أسماء بنت شهاب الصليحية .
وقد لعبت دوراً كبيراً في نشر المذهب الفاطمي في آسيا ، وخاصة في بومباي بالهند ، عن طريق الدعاة الفاطميين الذين انطلقوا من اليمن في فترة حكمها .
فبعد وفاة الملكة أسماء (1087 م/480هـ ) عهد ابنها الملك المشلول إدارة البلاد رسميًّا إلى زوجته أروى ، التي استطاعت تأمين استمرار السلطة بأيدي الصليحيين في اليمن ، وبعد استتباب الأمن والاستقرار ، قررت الانتقام من سعيد الزبيدي قاتل عمها ، فنقلت عاصمتها إلى جبالة المحصنة بالجبال ، وأخذت تضيق الخناق على سعيد الزبيدي . وبعد أن تحالفت مع البلدان الأخرى استطاعت سحق جيش سعيد وقتله ، وأخذ زوجته أسيرة.
وقامت بتدبير المملكة والحروب إلى أن مات المكرم عام 484 هـ ، وخلفه ابن عمه سبأ بن أحمد ، فاستمرت في الحكم ترفع إليها الرقاع ويجتمع عندها الوزراء ، وتحكم من وراء حجاب ، وكان يدعى لها على منابر اليمن ، فيخطب أولاً للمستنصر ، ثم للصليحي ، ثم للحرة ، ومات سبأ عام 492 هـ وضعف ملك الصليحيين ، فتحصنت بذي جبلة واستولت على ما حوله من الأعمال والحصون ، وأقامت لها وزراء وعمالاً ، وامتدت أيامها بعد ذلك أربعين سنة ، توفيت عام 532 هـ بذي جبلة ودفنت في جامعها. ولها مآثر وسبل وأوقاف كثيرة ، وهي آخر ملوك الصليحيين (7) .
3- تركان خاتون :
هي تركان خاتون بنت خاجنكش زوجة السلطان تكش بن آيل رسلان ، كانت ذات مهابة ورأي ، تحكمت في البلاد عام 628 وكانت إذا رفعت إليها المظالم تحكم فيها بالعدل والإحسان ، وتنتصف للمظلومة من الظالم ، ولم تبال من أن تقتص منه بالقتل ، ولها خيرات ومسبلات ومبرّات في أنحاء بلادها ، وكان لها من كتاب الإنشاء سبعةٌ من مشاهير الفضلاء وسادات الأكابر ، وإذا ورد عنها وعن السلطان توقيعان مختلفان في قضية واحدة لم تنظر إلى في التاريخ فيعمل بالتوقيع الأخير بالأقاليم كافةً ، وكان توقيعها " عصمة الدنيا والدين تركان ملكة نساء العالمين"  وعلامتها " اعتصمت بالله وحدَه " ، وكانت تكتبها بقلم غليظ وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن تزوّر علامتها (8) .
4- رضية بنت التمش سلطانة الهند :
رضية الدنيا والدين تتحدر السلطانة رضية من أسرة تركية من المماليك . تولت السلطة في دلهي سنة (1236م الموافق عام 634هـ ) بعد وفاة والدها السلطان إيلتوتمش خان ، وهو أحد القادة العسكريين الذين أرسَوا دعائم الدولة الإسلامية في الهند . كان والدها السلطان قد اختارها بدل أخويها ؛ لذكائها وقوتها ومواهبها في إدارة شؤون البلاد ، وعدم قدرة أخويها ، وكان أول قرار ملكي أصدرته : سك النقود باسمها واختيار لقبٍ لها هو ( رضية الدنيا والدين ) . وعندما حاول أمراء الحاشية والجيش إبعادها عن العرش ، مترافقاً مع قيام أخيها الأكبر بقتل أخيها الأصغر ، باءت محاولاتهم بالفشل، حيث اعتمدت على الشعب الذي ثار ضد أخيها وأمرت بقتله .
فهي ملكة من ملوك الهند كانت ذات سلطة ونفوذ وإدارة ، استقلت بالحكم أربع سنين ، وقتلت في 25 ربيع الأول عام 637، وقبرها على شاطئ نهر جمن بالقرب من دلهي (9) .
5- شجرة الدر ملكة مصر والشام :
وهي من شهيرات الملكات في الإسلام ، ذات إدارة وحزم وعقل ودهاء وبر وإحسان ، ملكها الملك الصالح في أيام والده ، واستولدها ولده خليل ثم تزوجها ، وصحبته ببلاد الشرق ثم قدمت معه إلى مصر، فعظم أمرها في الدولة الصالحية ، وصار إليها غالب التدبير في أيام زوجها ثم في مرضه ، وكانت تكتب خطاً يشبه خط الملك الصالح فتعلم على التواقيع ، ولقد باشرت الحكم ، وأخذت توقع عن السلطان مراسيم الدولة إلى أن وصل تورانشاه إلى المنصورة ، فأرسل إليها يهددها ويطالبها بالأموال ، فعملت على قتله فقتل في 7 محرم 648 هـ ، ولما قتل وقع الاتفاق على تولية شجرة الدر السلطنة فتولتها ، وقبل لها الأمراء الأرض من وراء الحجاب ، فكانت تاسع من تولى السلطنة بمصر من جماعة أيوب، وكان ذلك في 2 صفر عام 648 ، وجعلوا عز الدين أيبك الصالحي التركماني أتابك عسكرها ، وساست الرعية أحسن سياسة ، فرضي الناس عن حكمها خير رضىً ، وكانت تصدر المراسيم وعليها توقيع شجرة الدر بخطها باسم والدة خليل ، وخطب في أيام الجمع باسمها على منابر مصر والشام ، وضرب السكة باسمها ونقش عليها : "السكة المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل " ، وما إن جلست شجرة الدر على عرش الحكم حتى قبضت على زمام الأمور ، وأحكمت إدارة شؤون البلاد ، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد ، وإدارة مفاوضات معه ، انتهت بالاتفاق مع الملك لويس التاسع الذي كان أسيرًا بالمنصورة على تسليم دمياط ، وإخلاء سبيله وسبيل مَن معه من كبار الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثماني مِئة ألف دينار ، يدفع نصفها قبل رحيله ، والباقي بعد وصوله إلى عكا ، مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل الإسلام مرة أخرى ، وكانت خيّرة متدَيِّنة ، رئيسة عظيمة في النفوس ، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البر ، معروفة بها وقد قتلت في نهاية ربيع الأول عام 655 هـ (10) .
6- السلطانة خديجة سلطانة الهند :
هي السلطانة خديجة بنت عمر بن صلاح الدين البنجالي من سلطانات الهند ، نشأت وترعرت في بلاط أبيها ، وتلقت من العلم والثقافة ما جعلها من أندر نساء زمانها أدبًا وكمالاً ومعرفة ، ولما توفي والدها خلفه في السلطنة أخوها شهاب الدين فكان سيىء السيرة فخلعه الشعب عام 740 هـ ونادى بأخته خديجة سلطانة على عرش أبيها ، وولى زوجها خطيب الدولة جمال الدين الوزارة فاعتمد عليه السلطانة في مهام الأمور وراقبت شؤون الدولة مراقبة الخبير ، وتوفيت عام 770 هـ (11) .
------------------------------
(1) تاريخ الطبري ( ج4 ص 623 ج8 ص 234 ) تاريخ بغداد ( ج 14 ص 430 ) .
(2) تاريخ الطبري ( ج5 ص 514 ) أعلام النساء 
 ( ج 4  ص 184 ) .
(3) البداية والنهاية ( ج11 ص 118 ) أعلام النساء (ج 4  ص 91 ) .
(4) أعلام النساء (ج5 ص 123 ) .
(5) البداية والنهاية ( ج11 ص 175 ) أعلام النساء (ج5 ص 67 ) .
(6) سِيَر أعلام النبلاء للذهبي ( ج15 ص 181 ) .
(7) الأعلام للزركلي ( ج1 ص 289 ) أعلام النساء
 ( ج1 ص 27  ، 253 ) .
(8) أعلام النساء ( ج1 ص 169 ) .
(9) الإعلام بما في الهند من الأعلام ( ج1 ص 99 ) أعلام النساء ( ج1 ص 449 ) .
(10) النجوم الزاهرة ( ج6 ص 333)، أعلام النساء
 ( ج2 ص 286 ) .
(11) رحلة ابن بطوطة (ج2 ص 661 ) أعلام النساء
 ( ج1 ص 338 )
 
 

31 - ديسمبر - 2008
الثقافة .
المرأة (6)    كن أول من يقيّم

 
                           نساء قاضيات
رغم أن فقهاء المسلمين اختلفوا في حكم تولي المرأةِ القضاءَ ، وذهب الجمهور إلى عدم جواز توليها القضاء مطلقاً ، وذهب الأحناف إلى جواز توليها القضاءَ فيما تصِح شهادتها فيه من الأحكام ، وذهب آخرون إلى الإباحة المطلقة لقضاء المرأة في جميع الأحكام وهم: الإمام محمد بن جرير الطبري ، وابن حزم الظاهري، وابن طراز الشافعي، وابن القاسم، ورواية عن الإمام مالك .
إلا أن المصادر التاريخية لم تسجل لنا إلا حالة واحدة تولت فيه القضاءَ امرأةٌ ، وهي ثمل قهرمانة شغب أم المقتدر
.
** ثمل القهرمانة القاضية :
وكانت من ربات النفوذ والسلطان في الدولة العباسية أيام المقتدر ، فكانت الساعد الأيمن لأم المقتدر ، تلي شؤون الدولة وسياستها ، وبلغ من اعتماد أم المقتدر على ثمل أن أمرتها تجلس بالرصافةعام 306 هـ للمظالم ، وتنظر في كتب الناس يومًا في كل جمعة ، فأنكر الناس ذلك واستبشعوه، وكثر عيبهم له والطعن فيه ، فجلست أول يوم فلم يكن لها فيه طائل ، ثم جلست في اليوم الثاني وأحضرت القاضي أبا الحسن ابن الأشناني فحسن أمرها وأصلح عليها ، وخرجت التوقيعات وعليها خطها على سداد ، فانتفع بذلك المظلومون ، وسكن الناس إلى ما كانوا نافروه من قعودها ونظرها ، وكان يحضر في مجلسها القضاة والفقهاء والأعيان ، توفيت عام 317 (1) .
وهكذا لم يسجل غير تلك الحالة في النساء اللواتي تولين القضاء ، وإن كان حالات تولي السلطة العليا والحكم والملك أعلى من القضاء ، وقد كانت بعض تلك الملكات تقضي بين الناس في المظالم كذلك، مثل تركان خاتون السلطان ، وكانت إذا رفعت إليها المظالم تحكم فيها بالعدل والإحسان ، وتنتصف للمظلوم من الظالم ، ولم تبال من أن تقتص منه بالقتل ، وكان توقيعها " عصمة الدنيا والدين تركان ملكة نساء العالمين " وعلامتها " اعتصمت بالله وحدَه " ، وكانت تكتبها بقلم غليظ وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن تزور علامتها (2)
-----------------------------
(1) البداية والنهاية ( ج11 ص 129 ) المنتظم ( ج6 ص 148 ) شذرات الذهب ( ج1 ص 247 ) .
(2) أعلام النساء ( ج1 ص 169 ) .
 

31 - ديسمبر - 2008
الثقافة .
 104  105  106  107  108