البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات يحيي رفاعي سرور سرور

 9  10  11  12 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
تابع روسو    كن أول من يقيّم

ننتقل إلى الاعتراض الأكثر مساسا بالعقيدة فيما يخص روسو, روسو يعترف بأن علاقة الشعب بالدولة, من الناحية الواقعية, ليست إدارية بحتة, رغم أنه استنتجها كجهاز إداري غايته تنظيم المصالح بين أفراد الشعب وحسب, أي أن هناك نوعا من الروحانية خاص بكيان الدولة, أي فيما يمكن أن نطلق عليه "هيبة الدولة". لكنه يخطئ حين يظن أن الدولة مهمتها إداريا خلق هالة حولها تستطيع من خلالها ممارسة المهام الموكولة إليها, والخطأ هنا, بغض النظر عن عدم مشروعيته باعتباره خداع, مكمنه هو النظر إلى روحانية العلاقة بالدولة كشيء تصنعه الدولة, ذكرنا أن النزوع إلى العبادة هو نزوع إنساني حتى قبل ظهور الدولة, وذكرنا أيضا أن حالة الفطرة الأولى تتضمن نزوعا نحو عبادة إله واحد, ولا تتضمن, كما هو عند روسو, حالة من البهيمية واللاأخلاق, إذا فمنشأ الروحانية ليست هي الدولة بل الشعب, والسؤال الآن: هل الدولة "مستحقة" لأن يوجه الشعب روحانيته نحوها? "روسو" يعتقد أن موضوع "الحق" فيما يخص الروحانية, خيالي لا أساس له من الواقع, أما الحق السياسي فهو مستمد من شيء واقعي, هو قيام الدولة بوظيفة تنظيم المنفعة العامة, إذا دعنا من الحق الروحاني ولنتحدث عن الحق الواقعي, أي المنافع المتحققة بالفعل. إذا كان حق الدولة يرتد أساسا إلى المنفعة العامة المتعلقة بالشعب, ألا يؤدي ذلك إلى القول بأن أي منفعة عامة لا بد أن يترتب عليها حقا? الإجابة حسب "روسو": نعم. ليس الحق العام إلا مستمدا من المنفعة العامة. لكن.. هل المنفعة التي تقوم الدولة بتنظيمها هي كل المنفعة العامة, أم أن هناك منافع عامة أخرى ليس للدولة يد فيها? الإجابة: بالطبع هناك منفعة عامة للشعب ليس للدولة أي دخل فيها, وجود الشعب نفسه ليس للدولة أي دخل فيه إذ أن وجودها مرهون بوجود الشعب, والشعب لا يمتلك لا الحق ولا القدرة على إيجاد نفسه. فإذا كان الشعب يتمتع بمنفعة عامة هي وجوده, وإذا كانت الدولة تنظم فقط المنافع العامة المستمدة من هذا الوجود, والهامشية بالنسبة له, فإن الحق السياسي أصلا لصاحب نعمة الوجود لا للدولة التي تنظم منافع هامشية بالنسبة لهذه النعمة, وإذا كان الحق الروحاني مؤسس على وجود الشعب, وإذا كان الحق السياسي مؤسس على تنظيم المنافع الخاصة بهذا الشعب, كان الحق أساسا هو روحانيا بطبيعته, وكان الفصل بين الحق الروحاني والحق السياسي تعسفيا لا أساس له. وإذا كان وجود الشعب حقيقة فعلية ملموسة, كان هناك بالفعل حقا دينيا مفارقا للدولة بحيث لو أعلنته لم تكن تخدع به أحدا.

4 - أبريل - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
تابع روسو..    كن أول من يقيّم

منتهى العبودية لله هو منتهى الحرية إزاء العالم, ولما كانت العبودية لله هي موقف الإنسان الفرد, ذلك الموقف النابع من أعماق فرديته, كانت الحرية إزاء العالم تبدأ من الفردية المطلقة, لا تبرير للواقع لمجرد أنه أمر واقع, كما فعل روسو حين سلم بواقعة المجتمع وبدأ بالتماس المشروعية له, ولا تحايل لصياغة مفهوم عن الحرية "بحيث لا مساس بالواقع" كما فعل "كانط", من الفردية المطلقة يبدأ كل شيء.
أنزل الله تعالى على نبيه محمد: "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94) , أي: فلتحدث صدعا في المجتمع برسالتك, أي أن الرسالة تتضمن إعلانا برفض المجتمع كموقف مبدئي, ثم إعادة قبوله بشرط, هذا الصدع الذي أمر به نبي الله محمد إنما يعني أنه لا احترام لأي كيان, فردي أو جماعي, مادي أو معنوي, واقعي أو فكري, إلا إذا كان هذا الكيان ملبيا لقرار الفرد بالعبودية لله. وأي كيان لا يلبي هذا القرار الفردي هو كيان يفقد مشروعية وجوده دون سابق إنذار, ودون مراعاة لأي شيء, ويصبح موضوعا للرفض من الإنسان المسلم, أي ذلك الإنسان الفرد الحر بمقتضى العبودية. وليس هناك خضوعا للمجتمع بدعوى أنه خضوعا ضمنيا لنفسي باعتباري جزء منه, فنفسي لا تستحق أن أخضع لها أصلا, وبالتالي.. لا يستحق المجتمع أن أخضع له تبعا لها.
لكن وجهة نظرنا في عصر النهضة تتضمن أنه استلهام فاشل للحضارة الإسلامية, وأن ذلك العصر هو تلميذ غبي لتلك الحضارة, وهذا يعني أن أفكار عصر النهضة منسوبة, من أحد أوجهها إلى حضارة المسلمين, فعلينا ألا نخلط "التلمذة" بالفشل, وأن نكون في غاية الدقة ونحن نتعرض لهم. ونظرية العقد الإجتماعي تصلح كنموذج لضرورة التمييز.
التعاقد الإجتماعي هو نظام إسلامي معروف باسم البيعة, والحضارة التي عرفت بهذا النظام, والتي هي الحضارة الإسلامية, كانت ماثلة في أذهان كل فلاسفة عصر النهضة كنموذج ملهِم, باعتبار الوضع الحضاري لكل من الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية في بدايات عصر النهضة, وهذا شيء منطقي, "روسو" هو ابن لموظف اسمه "اسحاق" كان يعمل بالآستانة, وعلاقة "روسو" بوالده كانت فكرية أكثر منها عائلية, وروسو كتب في اعترافاته أن "اسحاق كان مولعا بالقصص الرومانسية, وأن "الولد والوالد كانا يقرآن الروايات المختلفة في مكتبة الأم الصغيرة", ثم إن "روسو" عند نقده للثقافة ولومه لها استشهد بالواقعة المنسوبة إلى عمر ابن الخطاب, أي واقعة حرق مكتبة الإسكندرية, فيقول:
"يحكى أن الخليفة عمر حين سُئل في أمر مكتبة الإسكندرية وما يفعله بها أجاب: "وأما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليها فتقدم بإعدامه" وقد ساق أدباؤنا هذا الأسلوب في التفكير على أنه بلغ غاية السخف، ولكن لو أن البابا جريجوري الأكبر كان في مكان عمر، والإنجيل في مكان القرآن، لأحرقت المكتبة رغم ذلك، ولربما عد هذا أروع عمل قام به في حياته".
وبغض النظر عن صدق الرواية من عدمه, فإن استشهاد "روسو" بها ليشير إلى طبيعة "النموذج" الذي كان يلوح أمام عينيه.
لكن طبيعة "العقد الإجتماعي" مختلفة من حيث مضمون العقد في الحضارة الإسلامية عنها في الغرب, البيعة في الإسلام صريحة غير متخيلة أو مفترضة, مما يعني صلاحيتها لترتب كافة الآثار القانونية, ثم إن مضمونها ليس هو الصالح العام ككلمة مبهمة ليس لها ضابط, بل "الحكم بما أنزل الله" أي "سياسة الدنيا وحفظ الدين" , أبو بكر الصديق يعلن في أول خطاب سياسي له: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم, فإن عصيت الله فيكم فلا طاعة لي عليكم" , أما أطراف هذا التعاقد فليس أفراد الأمة فيما بينهم, بل الأمة مجتمعة طرف, والحاكم طرفا آخر, مما يعني أن الدولة ملتزمة بالتعاقد وليست فقط مصدقة عليه بعد تقريره بمعزل عنها بين أفراد الشعب.
برجاء استبدال هذه المقالة بالمكررة السابقة عليها.. مع خالص الشكر

4 - أبريل - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
حامد ربيع    كن أول من يقيّم

الأخ خالد..
بخصوص كتاب "سلوك المالك.." تحقيق حامد ربيع, فهو غير موجود على الشبكة, كما أن الكتاب نفسه غير متوفر بالمكتبات, ولم أعثر إلا على هذا الرابط للتعريف بالكاتب:
تجب الإشارة هنا إلى أنني لم أقصد بالأهمية: كتاب "سلوك المالك.. نفسه" والذي هو الكتاب المحقَّق القديم لصاحبه ابن أبي ربيع, فهو كتاب محدود الأهمية بالنسبة لكتب التراث, إلا أن حامد ربيع قد جعله مجرد نموذج لكيفية التعامل مع التراث, ثم توسع في عرض مسألة التراث بشكل عام, وهذا ما كنت أود الإشارة إليه, وهذا التقديم يقع في ما يقرب من ثلاثة أضعاف الكتاب نفسه, وهو من التقديمات التي فاقت في أهميتها الكتاب نفسه, مثل كتاب "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" الذي كان مقدمة لكتاب "المتنبي" للأستاذ محمود محمد شاكر.
إهداء الكتاب كان:
"إلى كل من لم يعمر قلبه سوى الإيمان بقدسية تعاليم أجداده.. إلى كل من ظل صامدا إزاء موجات التحلل التي تحيط بنا.. إلى كل من أحاط ثقته في تاريخنا الإسلامي بحائط صلب لا تنفذ منه معاول الهدم والتخريب.. إلى كل من وقف ثابتا لا تعنيه السهام المصوبة إليه.. إلى كل من لم ير في الدم الذي ينساب من جسده سوى ضريبة يدفعها للأجيال القادمة"
أما تصدير الجزء الأول فكان:
"رغم مضي قرابة ثلاثين عاما فلا أزال أذكر ذلك اليوم الذي قادتني فيه الأقدار لأن التقي بالشيخ "حسن البنا", كنت صبيا, وكان يجلس إلى جواري قريب, كان يشعر بما تعتمله نفسي من تمزقات. ونظر إلى الشيخ الوقور وقال عقب فترة صمت: "اذهب يا بني وأكمل ثقافتك وانهل من مصادر العلم فنحن في حاجة إلى مثلك". وتمضي الأيام, وأمضي قرابة عشرة أعوام معتكفا في "دير سان فرانشيسكو" على مشارف روما بمدينة الفاتيكان, وأعود إلى العاصمة التي عرفت طفولتي, ولأنتمي إلى أعظم جامعة في الشرق الأوسط. وتبدأ قصة جديدة من المعاناة: كيف أُدخل الفكر السياسي الإسلامي في تلك الجامعة وعلى وجه التحديد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, حيث لا يزال يتألق فيها الفكر والكهنوت الكنسي? وتقف مني جميع العقبات, إن جهالة القرن العشرين التي يتصدرها ويحمل لواءها مُدَّعو الثقافة العلمية تأبي علينا أن نعود إلى تقاليدنا وتراثنا, ولكنني أشعلها حربا بلا هوادة, سوف أحمل هذا الصليب وأسير به نحو قمة الجبل , لأنني واثق أن أمتنا لن تقف على قدميها إن لم تعد إلى تعاليم آبائنا, تنهل منها رحيق القيم وقصة البطولة وعظمة الإنسانية المسلمة. وإذ أرى من حولي قلوبا خاوية وعقولا جاهلة ونفوسا ضعيفة فإن هذا لن تكون له من نتيجة سوى زيادة في الإصرار وقوة في الصمود, إن من يعارض ذلك ليس إلا شخصا سيء النية عميل للقوى الأجنبية التي يعنيها أن تظل أمتنا عل حالها من الجهل والتجهيل.
فهل يستطيع أولئك الذين على عاتقهم هذا الواجب أن يخرجوا سيوفهم وأن ينضموا إلى جيش التحرير الفكري?
أما تصدير الجزء الثاني فكان:
وتمضي الأيام وتصبح الحقيقة واقعا, ويخرج الحلم إلى حيز الوجود, ها قد قدر لنا أخيرا أن نخرج إلى النور هذه الوثيقة التي يجب أن تقلب رأسا على عقب جميع المفاهيم المتداولة في فقه السياسة: ليس مكيافيللي هو من خلق علم السياسة, وليس الفقه الأوروبي هو الذي عرف نظرية أعمال السيادة, ولسنا في حاجة لأن نبحث عن الفقه الألماني لنجد هدما لم قدمته لنا الثورة الفرنسية ونظرية القانون الدستوري على أنه الإعجاز الفكري والتنظيري , ولندع جانبا تلك الادعاءات عن أصالة المدرسة السلوكية ومتغيرات العملية السلوكية كما قدمها فرويد وكما زعم الفقه الأمريكي بأنه صاغها وأبدعها.
هنا في قلب الأمة الإسلامية, وفي أزهى عصورها, عقب أن ترك هارون الرشيد بصماته على حضارة العالم فأضحى السلام الإسلامي هو محور الوجود , إليه تتطلع الأبصار وحوله تخفق الأفئدة, تكامل فقه الإنسان السياسي: في عظمته كقيم.. وفي دستوره كممارسة.. وفي بنائه كنظام."
دمعت عيني فعلا وأنا أكتب هذين التصديرين لرجل قُدِّر له أن يكتب في النيام.

8 - أبريل - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
مفهوم المعاصرة أو الواقعية    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

هناك ظاهرة.. ابن تيمية نقد منطق أرسطو, في حين أن أحدا من الصحابة لم يفعل ذلك. هل يمكن القول مثلا أن ابن تيمية "جدد" الخطاب الإسلامي? لا.
ظاهرة أخرى.. المقاومة الإسلامية المسلحة في العراق تستخدم سلاح "الهاون", في حين أن أيا من المعارك التي خاضها الصحابة لم يستخدم فيها هذا السلاح? هل يمكن القول أن ثم "تغير" في طبيعة العلاقة بين الحق والباطل في المنظور الإسلامي? لا.
والسؤال الآن: إذا لم نعتبر هاتين الظاهرتين تجديدا في الإسلام, فما التوصيف الملائم لهما? لنتأمل جيدا حتى لا نقع ضحية السذاجة أمام كل كلمة مثل "جديد" أو "معاصر" أو "واقعية" في أي مقالة نقرأها :
الإسلام هو الحق..
لكن هذا الحق لا يبدو إلا من حيث هو في صراع مع الباطل..
هناك خاصية ثابتة جوهرية في الباطل هو أنه "كل ما هو مقطوع عن الله"..
ورغم أن الباطل ثابت من حيث المضمون إلا أنه متغير في الزمان من حيث الشكل..
ولما كان الحق لا يبدو إلا في صراع مع الباطل..
ولما كان الصراع هو نوع من العلاقة التي تقتضي نوعا من الملائمة..
كان شكل الحق ملائما لشكل الباطل الذي هو في صراع معه كلما تغير الزمان..
تغير شكل الحق كأثر من آثار تغير شكل الباطل يعني أن الحق في كل عصر من العصور يطرح تصورات جديدة لم تكن موضع نقاش في العصر السابق له, ويعني أن الفقه يعالج قضايا جديدة لم يكن يعالجها من قبل.. وهذه هي المعاصرة.
عملية تلاؤم شكل الحق مع شكل الباطل في الزمان, هي معاصرة, أما عملية تغير شكل الحق من عصر لعصر, وهي العملية التابعة للمعاصرة بهذا المعنى, فهي الإصلاح. أي جعل الحق من حيث المضمون يصلح لمواجهة هذا الباطل الجديد الذي لم يكن من قبل..
أما أن نتصيد ونفهم ونُلَوِّن كل كلمة لها دلالة على أي تغير زماني أو بنائي مثل: "الاجتهاد" أو "الإصلاح" أو "التجديد" أو "الترابط بين الماضي والحاضر" أو "الواقعية", أن نفهم هذه الكلمات بمعنى أنها دعوة إلى تغيير أو تجديد مفهوم الحق, فهذا أمر يدعو إلى الاستنكار, ولا يُعقَل أن يصدر عن عاقل, لأن الحق "كمضمون وليس كشكل" لو تغير في الزمان, لكان شيئا زمانيا, ولكن الحق هو الذي يضبط حركة الزمان, فلا بد أن يكون مفارقا للزمان من حيث المضمون, أي أن الحق لو كان شيئا في الزمان لكان باطلا.
الخلاصة: الحق والباطل أصلا ومن حيث المضمون, مفهومان مفارقان للزمان, لأنهما معرفان بدلالة النسبة مع الله (الحق هو ما كان موصولا إلا الله, والباطل هو ما كان مقطوعا عن الله) , لكن الحق والباطل في الزمان, متغيران في الشكل بتغير الإنسان في الزمان.
بهذا المعنى فقط يمكن, لو استخدمنا كلمة مثل التجديد أو المعاصرة أن نفهم أننا معاصرون, بمعنى أننا نعي الشكل المعاصر للباطل, مجددون, لأننا نجدد من القضايا التي نثيرها في مواجهة الباطل, ومن الأسلوب الذي نعرض به تلك القضايا, ولا يعني هذا إطلاقا أننا قد جددنا مفهومنا عن ماهية الحق وماهية الباطل نفسها. وأننا واقعيون, بمعنى أننا نستطيع تماما رد مفردات الواقع إلى عناصره الأولى من الحق أو من الباطل, أي قراءة الواقع جيدا. أي القدرة على رد الشكل (الذي هو الواقع) إلى المضمون (الذي هو الحق أو الباطل المفارقان للزمان).
ما كان يقصده الدكتور حامد ربيع بأن الثورة الخومينية تحمل طابع بدائي لا يعتمد عليه هو أنهم لا زالوا أسرى المشكلة التي بين علي رضي الله عنه, ومعاوية, رضي الله عنه, وليس عندهم القدرة على تتبع أشكال الباطل في الزمان (هذا لو افترضنا جدلا أن موقفهم من علي ومعاوية هو الحق). وكل دورهم في المعرفة مؤسس على بعث نصوص الأئمة دون أي نظر لمحتواها من حيث الضرورة المعاصرة لها.
أما لفظ إصلاح العقيدة, الوارد في المقالة التي أوردها الأستاذ النويهي فلا أعتقد أن الدكتور حامد يعني بها شيئا مما يراد بمفهوم تجديد الخطاب الديني حاليا, لأنني قرأت مقدمته لكتاب "سلوك المالك.." جيدا, إنه في أكثر من موضع يلح على دور السلطة وطبيعتها في الإسلام, بل ويؤكد على وظيفتها الرسالية في الخارج, بل ويؤكد على طبيعتها المسَيطِرَة, بل وأكثر من ذلك, إنه يقر بفكرة تخويل الأمة حق استخدام القوة ضد الدولة لضبط سلوكها, وكل ذي عينين يرى أن تلك الدعوة لا تتفق على الإطلاق مع مضمون ما يسمى "تجديد الخطاب الديني" حاليا, والذي يدور, رغم تعدد أشكاله, في فلك عزل الدين عن الدولة.
أرجو أن نكون على مستوى مناسب من عمق الفكر ونحن نقرأ.

9 - أبريل - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
استدراك .    كن أول من يقيّم

كلمة "إصلاح العقيدة" الواردة في المقالة تفهم في سياق البيئة التي كان يتوجه "حامد ربيع" إليها في كتاباته, إنها البيئة الناصرية التي كانت البيئة الأكثر بعدا عن مفاهيم الإسلام, وإذا كان الأمر كذلك, فإصلاح العقيدة, وفي ضوء كتابات "حامد ربيع" الداعية إلى إحياء التراث, لا يعني إلا إصلاح العقيدة الحالية عن الإسلام, أي العقيدة الباطلة عنه, إنه يعني إصلاح الخلل في العقيدة وليس إصلاح العقيدة بالمعنى المطلق, أكثر العلمانيات ضراوة في الدول الغربية لم تتحدث صراحة عن ضرورة تغيير محتوى العقيدة بالمعنى المطلق, فكيف يقصد ذلك "حامد ربيع"!.

9 - أبريل - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
مفهوم الواقعية(48)    كن أول من يقيّم

مشكلة أخرى من المشكلات التي تواجه مفهوم الحرية في حالة لو أصررنا على التعامل مع هذا المفهوم قبل حسم مسألة العبودية لله, ودون اعتباره نتيجة منطقية لحسم هذه المسألة, تحدثنا عن مشكلة الاضطراب في صياغة العلاقة بين الفرد والمجتمع عند كل من "كانط" و"روسو", كما تحدثنا عن مشكلة الاضطراب في العلاقة بين الرغبة والضمير, وتفضل الأخ "فادي" مشكورا ليقدم لنا كعادته نموذجا حيا لهذا التخبط, المشكلة التي سنتعرض لها الآن هي مشكلة العلاقة بين الحرية والواقعية, وهي المشكلة التي قدم لنا الأستاذ النويهي نموذجها الحي, ولا أدري إلى أيهم أدين بهذه النماذج المجانية, للأخ فادي أم للأستاذ النويهي أم لـ"الحب يا صديقي", ربما هو بذلك يعوِّضون إعلان الموقع عن تحصيل رسوم اشتراك.
والظاهر أن مسألة الواقعية كآلية لنقد الإسلاميين قد راقت كثيرا للأستاذ النويهي, فهي مضمون مقالتيه: (آه يا وهمي العزيز),  وفي ملف آخر: (النص الديني والواقع) , والحقيقة أنها ليست له على وجه الدقة, لأنها منقولة, وهو بذلك يحرمنا من التعبير عن نفسه هو, إذ أن قيمة الحوار هو أن تتلاقى نفسنا مباشرة دون وسائط.
مسألة الواقعية في مقابل الوهم, لها بعد آخر يختلف عن كونها إحدى مشكلات الحرية, فهي أيضا إحدى دعائم نقد الخطاب الديني لو انضمت إلى رفيقاتها: رد الظاهرة الإسلامية إلى دوافع نفسية ليست لها علاقة بمضمون الخطاب الإسلامي, الحداثة في مقابل الماضوية, والعقل في مقابل النص, والصواب في مقابل الخطأ, رغم أن المنطلق الأخير يقل جدا الارتكاز عليه في نقض الخطاب الديني, لأنه يضطر المرتكز عليه إلى الاتجاه مباشرة نحو الأفكار, وهذا ما لا قِبَل للأخوة نقاد الخطاب الديني به, فهو يحرمهم من متعة استخدام مفاهيم فضفاضة عديمة المعنى.
علاقة الواقعية بالحرية تبدو كالآتي: الواقعية هي: تطبيع الإنسان وتحديد إمكانياته, بحيث يلائم واقعه, أما الحرية فهي: تطبيع الواقع ورفضه كعائق أمام إرادة الإنسان, إذا فمجال كل منهما هو الواقع, ومن هنا تبدأ المشكلة. بل ومن هنا تظهر إحدى مضحكات الفكر الجاهلي, فنفس العقول(!) التي تنصح الإسلاميين بعدم الخلط بين الدين والدولة, بدعوى أن: "واقع" الدولة هو "واقع" ميكيافيلي ومنزوع الأخلاق بالضرورة, ولا سبيل إلى تغيير هذا الوضع, بينما الدين هو في الأساس نسق أخلاقي, هذه العقول, هي, في نفس الوقت, من تتحدث عن حرية الإنسان, وحقه في صياغة واقعه كما يريد, أليس الإنسان حرا إزاء ميكافيلية الدولة إن شاء قبلها وإن شاء ثار عليها, كأن سوق الحرية قد انفض فجأة طالما تعلق الأمر بمبدأ الحاكمية لله, أما إذا تعلق الأمر بـ"الحب يا صديقي", فالأستاذ النويهي لم يكلف نفسه بالدفاع عن الكراهية, رغم أنها أمر يناسب "واقع" الإنسان, ورغم أنه يعلم أن الإنسان الذي يخلو حبه من جانبه الآخر, أي من كراهية الموضوعات المناقضة لحبه, هو إنسان لم تتشرف الإنسانية بمولده بعد, فما كراهية الظلم إلا وجها آخر لحب العدل, وما كراهية الضعف إلا وجها آخر لحب القوة, وما كراهية الخداع إلا وجها آخر لحب الحقيقة, وما كراهية الموت إلا وجها آخر لحب الحياة, وما كراهية المستعمر إلا وجها آخر لحب الأمة, وما كراهية الشيطان إلا وجها آخر لحب الله.
المدهش أن الإخوة نقاد مبدأ الحاكمية يتحدثون إلينا وكأنهم يتحدثون إلى أطفال, فحين يعترضون على مبدأ الحاكمية, ويسمونه أحيانا: "أدلجة المقدس" (أي تحويل المقدس إلى أيديولوجيا سياسية), يعرضون الأمر وكأنه ليس إلا خشية على المقدس من شر الأدلوجة والعياذ بالله, وكأن العلمانية هي أساسا حركة للحفاظ على المقدس, وكأنهم, في غفلة من الإسلاميين, قد تحولوا إلى حراسا للمقدس لا تنام أعينهم قلقا عليه. وكأن الله لا يعلم أن ما في قلوبهم هو أن المقدس لا شأن له ولا قدر, بحيث ليس من حقه أن يحكم, وأحيانا يأخذ النقد شكلا آخر, يقولون: "إن الدول التي تعترضون عليها هي بالفعل إسلامية, وبنص الدستور, وما دعواكم أيها الإسلاميين إلا دعوى بدون قضية", فإذا كنتم تعترضون على الخلط بين الدين والدولة, فلم وصفتم تلك الدولة بالإسلامية?, وإذا كنتم تتحدثون عن الحرية, فلم خضعتم أرغمتم أنوفكم للطبيعة اللا-أخلاقية للدولة وبنيتم حساباتكم على التسليم بهذه الطبيعة عند حديثكم عن "أدلجة المقدس"?.
قال الأب لابنه الكسول: "يا بني اذهب واشتر لأمك دواء فإنها مريضة", فما كان من الابن إلا أن قام وأغلق الباب بالمفتاح, ثم ألقى المفتاح من النافذة, وقال لأبيه: "يا أبت, كن واقعيا, ولا تأمرني بما لا أطيق, فالباب أمامك مغلق وقد حال بيني وبين الخروج, أليس هذا الباب المغلق أمرا واقعا?". إذا كان هذا الابن مذنب, ولا أعتقد أنكم تحكمون عليه بغير هذا, وإذا كان الباب المغلق ليس حجة له يبرر بها تكاسله لأنه وإن كان أمر واقع, إلا أنه صنع هذا الأمر الواقع بنفسه, فإن نقض الإسلاميين باسم الواقعية أمر مشين, لأن الطبيعة اللا-أخلاقية للدولة هو أمر فعله الإنسان ولم ينزل عليه من كوكب آخر, وعلى الإنسان, إن كان يدعي عشق الحرية, أن يتحرر من تلك الطبيعة للدولة, وأن يقيم على أنقاضها دولة عابدة لله مثله, وأن تظل عينيه متيقظة خشية أن تعود تلك الدولة إلى سيرة الدولة المقوضة, أما من قصرت إرادتهم عن فعل ذلك, فلا بأس عليهم, فلا زال هناك خير يستطيعون فعله: أن يلتزموا الصمت وألا يتحدثوا عن الحرية, فأحرى بمن لا يستطيع دفع ثمن الحرية ألا يخدع الناس بالحديث عنها.

24 - أبريل - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
نقطة نظام    كن أول من يقيّم

أعتذر للأستاذ عبد الرؤوف النويهي عن أي إساءة قد تكون صدرت مني, رغم أنني لم أكن السابق, لكن كوني مدين لاستفزازاته الأبوية بكل ما أكتب, ذلك يفرض علي الاعتذار, خاصة وأنه رجل يحب المعرفة, فوجب على الجميع احترامه.
أما العزيز هشام فلن أعتذر له الآن حتى لا أفقد كل خصومي دفعة واحدة. خاصة وأن أحد المتحاورين أفقدني خصومته بطريقة تضحكني كثيرا كلما تذكرتها, فقد ذهب مسرعا إلى الملف الخاص به (وهو من أكبر الملفات على الموقع), وأكمل وجهة نظره هناك, فلم أستطع الذهاب إليه, لقد مارس الخصومة وهو متحصن.

6 - مايو - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
مفهوم المساواة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

وضع الإنسان على ميزان القيمة له عدة منظورات, كل منها متميز عن الآخر, وينبغي مراعاة هذا التمييز حتى لا تختلط الأمور في أذهاننا.
المنظور الأعم الأول: هو الإنسان منسوبا إلى أصله, أي إلى التراب, من هذا المنظور تتساوى قيمة كل إنسان أمام الإنسان الآخر, ومع هذا التساوي تنحط قيمة الإنسانية في ذاتها, وتختفي كل دعاوى الحق الإنساني إذ لا حق ينشأ عن الانتساب إلى التراب, "كلكم لآدم وآدم من تراب".
المنظور الأعم الثاني: هو الإنسان من حيث هو موضع التكريم الإلهي باختياره خليفة وتكليفه بشهود الحقيقة, من هذا المنظور يظل التساوي بين أفراد النوع الإنساني قائما, إلا أن قيمة الإنسان ترتفع إزاء سائر المخلوقات بحكم التخصيص الإلهي له. وهنا يظهر الحق الإنساني منسوبا إلى المخلوقات, وهذا الحق يتمثل في شرعية النظر إليها كشيء مسخر للإنسان, "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا". رغم ظهور قيمة الإنسان من هذا المنظور إلا أنه يظل "منظورا أعم" إذ لم يتميز إنسان عن آخر بعد, كل ما حدث هو أن الإنسان كنوع أصبحت له قيمة مقارنة بغيره من المخلوقات.
المنظور الأقل عمومية: هو المنظور العرقي, وهنا ترتفع قيمة العرب على من سواهم, بحكم اختيار الله لهم لحمل رسالة الإسلام, وهو الدين الذي يشهد من خلاله الإنسان الحقيقة في الخلق, وهذا الشهود هو مناط التكريم الإلهي للإنسان في المنظور الأعم الثاني, وهذا المنظور هرمي يتضمن أفضلية العرب على العالمين, ثم أفضلية بني هاشم على العرب, ثم أفضلية محمد على بني هاشم. "إن الله اصطفى العرب على العالمين, واصطفى بني هاشم على العرب, واصطفاني من بني هاشم, فأنا خيار من خيار من خيار". وهذا المنظور أيضا يشبه المنظور الأعم الثاني, من حيث هو منسوبا, لا إلى فعل, بل إلى الاختيار الإلهي للفعل, والاستعداد له, لكن من هذا المنظور أيضا يبدأ التمايز بين أفراد النوع الإنساني, وتبدأ فكرة المساواة في التراجع, ومن هذا المنظور يجب أن يختفي لدينا أي معيار آخر, مثل التقدم التقني, أو التفوق العسكري, فكل هذا لا يخرج عن إطار "الأدوات" بالنسبة للإنسان, والإنسان لا يكتسب قيمته من أداته لأنه هو خالق أداته, في حين أن القيمة هي ارتفاع شأن, وهذا الارتفاع لا يكون إلا من مصدر أعلى شأنا من الإنسان, والأدوات (التقنية) ليست أعلى شأنا من الإنسان لأنه صانعها وهي أداته.
المنظور الخاص: وهو منظور الإنسان المتعين, أي الإنسان الفرد, وليس الإنسان النوع أو الإنسان العرق, وفي هذا المنظور تُعلق كل القيم المنسوبة إلى الاستعداد للفعل, وتظهر قيمة الإنسان منسوبا إلى فعله المتحقق, حيث يبرز معيار واحد لا ثاني له, هو "التقوى", ومن هذا المنظور فالمسلمون هم خير البشر باعتبار الفعل كما أن العرب هو خير الأجناس باعتبار الاستعداد للفعل و الوقوع تحت الاختيار له والتكليف به, فلا معنى للتقوى خارج إطار التبعية لصاحب العصمة محمد عليه الصلاة والسلام, فلا يطلق على أي اهتمام ديني غير إسلامي لفظ التقوى. "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" , "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
والسؤال الأهم, والذي تنبثق إجابته من هذا العرض هو:
في هذا الصراع الدائر بين البشر.. على أي أساس نحكم نظرتنا إلى أنفسنا وإلى الآخرين, هل على الأساس الإنساني العام, أم على الأساس العرقي, أم على الأساس الأخلاقي الذي يختلف فيه كل فرد عن الآخر أيا كان العرق الذي ينتمي إليه?
الإجابة بسيطة في ضوء العرض السابق, لكن المشكلة هي في الخلط بين الأمور, فعندما نقارن أنفسنا بغيرنا لا يجب أن نتحدث عن "الإنسانية" الواحدة, لأن تلك "الإنسانية" مجالها هو المقارنة بين الإنسان وسائر المخلوقات, وليس المقارنة بين إنسان وآخر. سبب آخر لاضطراب الرؤية, هو أننا بعد أن نتفق على أفضلية جنس على آخر, يغيب عنا تماما أساس الأفضلية, حيث نبدأ في وضع "التقنية" محل "التقوى", و هذا مع كونه خطأ لما ذكرناه من أن التقنية لا تمنح للإنسان قيمة, فهو خداع, فمعظم المتحدثين عن التقنية في الحقيقة ليسوا معجبين لها, ليسوا حريصين عليها, لم يفعوا شيئا لامتلاكها, كسالى محدودي الثقافة الخاصة بالتقنية, غير متفوقين في دراستهم, وما استبدالهم "التقنية" بـ"التقوى" إلا قناع يسترون به إعجابهم بالقوة الغربية, وهي حالة تحدث عنها "ابن خلدون" وأسماها "الإقتداء بالغالب" وأسماها المحدثون: "التوحد بالمعتدي".
غير مقبول إطلاقا وصف العرب بأنهم أدنى من أي جنس آخر, بل غير مقبول أطلاقا وصف العرب بأنهم متساوون مع غيرهم, ومن لا يعتقد أن العرب هم الجنس الأعلى, فقد منحته العروبة أكثر مما يستحق.

7 - مايو - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
مفهوم الاستعلاء    كن أول من يقيّم

مفهوم "الواقعية" مرة أخرى.. هذه المرة يحول دون قبول مفهوم "التعالي" كما وقف دون قبول مفهوم "الحرية", ومرة أخرى يأتي إلينا ذلك المفهوم بمتناقضاته, فكما رأينا كيف أن القائلين بالواقعية هم القائلين بالحرية رغم تعارض المفهومين (الحقيقة أن هذا التعارض غير حقيقي ومحصور داخل إطار الفكر غير الإسلامي), ها نحن نرى كيف أن القائلين بالمساواة بين بني الإنسان هم من يلمحون بأن اللامساواة هي واقع البشر, نفس المقولة التي نعتقدها لكن في الاتجاه المعاكس:
"أنظر حولك وستجد أنك الأقل بحكم الواقع"
إذا كان مفهوم التعالي مرفوض باسم الواقع, فلم الحديث عن المساواة رغم تباينها مع الواقع?. "التعالي" أمر غير متحقق في الواقع, و"الإنسانية الواحدة" غير متحققة في الواقع أيضا, فلم نرفض الأولى باسم الواقع وننادي بالثانية متجاهلين "الواقع"?! لكن دعنا من منطق الارتكاز على متناقضات الخصوم, ولنتجه إلى منطق أكثر أصالة, لنتحدث وكأنه ليس هناك خصوم ولنحل المشكلة. (وهذا ما لم نفعله بعد بصدد الواقعية والحرية).
لقد ميزت بين عدة منظورات للإنسان على ميزان القيمة, وحذرت من الخلط بين أحدهما والآخر, ورغم ذلك حدث الخلط, لقد ميزت بين العرب كنوع, وبين العرب كأفراد متعينين بالفعل في أرض الواقع, كما ميزت بين الإنسان كنوع, وبين أفراد النوع الإنساني, ورغم ذلك تم الخلط بين العرب كنوع, وبين العرب في الواقع, فتم رفض فكرة علو الجنس العربي استنادا إلى واقع العرب المتحققين في الواقع, وذكرنا أن العلو العربي كجنس يستند لا إلى الواقع بل إلى المشيئة الإلهية السابقة على تحقق العرب في الواقع, وذكرنا أن هذا العلو هو "ما ينبغي أن يكون", لا "ما هو كائن" , وسنشرح ذلك الأمر من زاوية كل الأطراف متفقة عليها: الإنسان مكرم عند الله (هذا ما ينبغي أن يكون), لكن في الواقع بعض بني الإنسان يقومون مثلا بزنا المحارم (هذا ما هو كائن) , والسؤال الآن: هل هذا الواقع ينفي التكريم الأول الذي كان يفترض ويجب على الإنسان تحقيقه في الواقع? في الحقيقة هو لا ينفيه , بل يبقيه كما هو ويدين الإنسان بجريمة عدم تمثل هذا التكريم في الواقع.
سنشرح هذا الأمر بطريقة أخرى: "قال الأخ الأصغر لأخيه الطبيب: يا أخي: أنت طبيب, ولا يليق بك أن تتعاطى المخدرات" . والسؤال الآن: هل هذا الفعل المشين ينفي عن الأخ الأكبر الصفة الأولى والمبدئية له وأنه "طبيب" و"أخ أكبر", أم أن هذه الصفة الأولى قائمة تدين كل تصرفاته المشينة?
أفضلية العرب على العالمين هي واقعة أولى, لا ينفيها الواقع العربي, بل تظل قائمة تدينه. وهذا أمر مفهوم ولم أكن أنتظر تعليقا يتضمن خلطا قد حذرت منه القارئ الكريم, وكان الأولى, ليكون التعليق أكثر وجاهة, أن يكون كالآتي:
إذا كان الإنسان يتعامل بالفعل مع الواقع وليس مع النوع, مع ما هو كائن وليس مع ما ينبغي أن يكون, فلم الحديث عن تلك الواقعة الأولى التي مضى عهدها, والتي هي اختيار الله العرب لحمل رسالة الإسلام للعالمين, ذلك الاختيار الذي, وإن كان يتضمن تفضيلا للعرب, إلا أنه, ولسوء الحظ, ليس من الواقع في شيئ"
لو كان هذا هو التعليق, فربما كنت أرتبك, وأتنازل عن كل أفكاري المتعلقة بـ"الآخر", وأرتدي "تي-شيرت" مكتوبا عليه :
"I Love Al Aakhar"

8 - مايو - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
جولد تسيهر    كن أول من يقيّم

شيئ يدعو للتقزز أن يُعرِّفنا جولد تسيهر بأنفسنا, من وصفهم بالتشدد والتزمت هم (فقط) من سبقوا الغرب في الاعتراض على أرسطو, أما من وصفهم بالعقلانيين فهم "مطاريد" الحضارة الإسلامية و"حرافيشها", المعروفين بـ"الفلاسفة المشائين", السائرين على نهج أرسطو, ذلك الرجل الذي كان الهجوم عليه هو "موضة" عصر النهضة.
كتبت قبل ذلك عن الغاية الخبيثة للمستشرقين في ترجيح كفة المتأرسطين العرب على أهل السنة أثناء تدوينهم للتاريخ الإسلامي.
 
 
 

11 - مايو - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
 9  10  11  12