البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات صبري أبوحسين أبوعبدالرحمن

 9  10  11  12  13 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
يا سلطان العروض    كن أول من يقيّم

أستاذي سليمان:
إني مُثَمِّن جهد أستاذي عمر، ولكني أقول:
*من المفتَرض أن يدرس المتعلم الأسباب والأوتاد فقط! ثم يُكَوِّن منها التفاعيل الثمانية، وليس العشرة!!![حرصًا على الإيجاز] ثم تُوَزَّع هذه التفاعيل على البحور العروضية في ذهن المتعلم، ثم يُعَلَّم ما يحدث في التفاعيل من تغييرات زحافية وعِلِّية، مع التركيز على الشائع منها، ثم بعد ذلك تكون مواجهة المتعلم للبيت الشعري بالتقطيع بمراحله التي قنَّنها ونسَّقها أستاذي عمر.
*كما ما زلت مصرًّا على رفض الإكثار من الاصطلاحات عند تيسير علم من العلوم، ولست شاذًّا في هذا الرفض لمصطلحي الفاصلة والفاضلة؛ فقد سبقني إلى ذلك عدد من العروضيين المحدثين.
* لابد في تدريس العلوم التطبيقية مثل العروض والنحو من التفريق بين المتعلم والمتخصص: المتعلم يحتاج تيسيرًا، والباحث يحتاج مزيدًا من التخصص والتعمق، ومن ثَمَّ فلكلٍّ منهما مفردات معرفية واصطلاحات علمية تناسب مؤهلاته.
  مع خالص تحياتي إلى أستاذايَ: الأمير، والسلطان.
صبري أبوحسين 
 

4 - فبراير - 2008
فن التقطيع الشعري
شكرًا سلطان العروض     كن أول من يقيّم

أقدم خالص شكري إلى الأستاذ سليمان الذي غيَّر لي معلومة حول مصطلح الفاضلة، بقوله: "أما مصطلحا الفاصلة والفاضلة فهما من المصطلحات التي وضعها الخليل كما قرر ذلك صاحب الإرشاد الشافي، وإن كان بعض العروضيين يهملهما"؛ فتلك معلومة جديدة لا يدركها إلا تراثيُّو العروض أمثال شيخنا السلطان، بارك الله في جهده، وأعانه على المزيد منه. صبري أبوحسين

4 - فبراير - 2008
فن التقطيع الشعري
مميزات طريقة أمير العروض    كن أول من يقيّم

أكرر قائلاً: لا أنكر طريقة الأمير، بل أنا معجب بها، ودليل ذلك أنني سأعدِّد مميزاتها في عدة معالم منهجية، تدل على صاحب عقل منطقي منظم بلا ريب.
وهذه المعالم تتمثل في التعبير التأليفي الواضح الذي لا تعقيد فيه  ولا إغراب ولا إبهام، على النحو الذي نجده عند المتحذلقين الحداثيين!!! والقدرة على الشرح الموضِّح - باستثناء قواعد التأصيل التي تحتاج إلى مزيد بيان- ثم الجمع بين التنظير والتطبيق، ثم القدرة على الترتيب المنطقي لمراحل التقطيع، ثم تلخيص كل مرحلة في تركيب إضافي سلس[ترميزالبيت، تأصيله، تحديد التفاعيل، تحديد البحر]، مع كون مفردات شرح المصطلحات معينة على الإفهام...إلخ
لكن ما زلت مصرًّا على أن هذه الطريقة لابد أن يسبقها مرحلة تأسيسية، تتمثل في الوحدات العروضية الأولى[الأسباب والأوتاد]، وما يتكون من هذه الوحدات وهو التفاعيل، ثم ما يتكون من التفاعيل وهو البحور العروضية، ثم القانون العام للكتابة العروضية[الاعتداد بالمنطوق لا المكتوب] ثم تكون مراحل طريقة أميرنا.  
 

4 - فبراير - 2008
فن التقطيع الشعري
الحياة الاجتماعية في مرآة الشعر    كن أول من يقيّم

ملامح الحياة الاجتماعية في أدب العصر المملوكي([1])
        يتضح لنا مما سبق اتساع رقعة المساحة التي حكمها المماليك وامتدادها لتشمل أجزاء واسعة من مساحة الوطن العربي ابتداءً من مصر وجنوبها في السودان غربًا، والشام بمدنها الهامة شمالاً، مرورًا بأرض الجزيرة العربية حتى نصل إلى صنعاء وعدن جنوبًا .
 ومع هذا الاتساع المكاني الذي تتعدد فيه البيئات، وتتباين فيه المجتمعات العربية تحت حكم هؤلاء المماليك، لم يوجد ثمَّةَ فارق كبير في طبيعة الحياة الاجتماعية يمَيِّز كل مدينة عن مدينة أخرى، أو يفضل مجتمعًا على مجتمع آخر؛ وذلك لأن الظروف والمؤثرات التي كان تحكم هذه الشعوب وتتحكم فيها كانت واحدة في معظم الأوقات .
فالمجتمع في عصر المماليك كان يموج بتيارات متباينة، ويضطرب بصراعات شتى، ولكي نقف على حقيقة هذا المجتمع، ونتمثل هذه الصراعات وأبعادها، يجب أن نقف أولاً على العناصر التي كان يتألف منها هذا المجتمع وأجناسه المتباينة، وعلاقة كل عنصر بالآخر .
المقريزي  شاهد على العصر:
        يقسم المقريزي المجتمع في عصر المماليك سبع طبقات، فيقول: " اعلم ـ حرسك الله بعينه التي لا تنام ـ أن الناس بإقليم مصر في الجملة على سبعة أقسام : القسم الأول: أهل الدولة، والقسم الثاني:  أهل اليسار من التجار وأولي النعمة من ذوي الرفاهية، والقسم الثالث: الباعة، وهم متوسطو الحال من التجار، يقال لهم أصحاب البز، ويلحق بهم أصحاب المعايش وهم السوقة، والقسم الرابع:  أهل الفلْح وهم أهل الزراعات والحرث وسكان القرى والريف، والقسم الخامس: الفقراء وهم جلُّ الفقهاء وطلاب العلم، والكثير من أجناد الحلقة ونحوهم، والقسم السادس:  أرباب الصنائع والأجراء، وأصحاب المهن، والقسم السابع:  ذوو الحاجة .
أولاً: الطبقة الحاكمة "المماليك":
        وهم أهل الدولة الذين وضعهم المقريزي على رأس الطبقات الاجتماعية السبعة، وهم سلاطين المماليك والأمراء وأتباعهم من جند المماليك، والوزراء والكتاب، وأرباب السلطة . ومن المعروف أن طبقة المماليك طبقة غريبة دخيلة تتشكل من جنسيات مختلفة، وإن كان يغلب عليها اسم " الترك " لكثرة من ينتمي إلى هذا الجنس بينهم، وقد عاش هؤلاء المماليك في صراع دائم فيما بينهم، كل منهم يعِدُّ العدة ليوم يكون فيه السيد الحاكم .
وقد قام ملك هؤلاء المماليك على أساس القوة لا العدل، فالقوة لديهم أساس الملك، فمتى ملك أحدهم القوة استطاع أن يثِب إلى الملك، ويقضي على السلطان القائم، واستطاع أن يكسب كل القوى الأخرى من الأمراء ورجال القضاء والدين بقوة السيف والسلطان .
        ومتى تولى أحدهم السلطة يصبح في وُسْعه أن يمارس كل أنواع البطش والظلم ضد الآخرين ليفرض سلطانه ويحقق رغباته وأهوائه، ويصبح من حقه فرص الضرائب والإتاوات التي تمكنه من تحقيق أطماعه وطموحاته .
         وهكذا فاز أبناء الطبقة الحاكمة بكل شيء، وشاركهم التجار وأثرياء الناس، ولم يدعوا لغيرهم من سائر الناس سوى ما يتصدقون به عليهم أو ما يكسبونه بعرق جبينهم. وتظهر في هذا المجتمع سمات الإقطاع العسكري بأجلى مظاهره، فالحق كل الحق في خيرات البلاد وأموالها للعسكر من المماليك و ليس لأحدهم حق في شيء إلا ما يتفضلون به عليه على سبيل الإحسان والبر، فالمماليك هم أصحاب السيف والسلطة والثروة .


([1]) أعد هذه المادة العلمية أخي الأكبر –بارك الله فيه- الدكتور عبدالفتاح منصور. ولي فقط دور المراجعة اللغوية والتنسيق.

4 - فبراير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
تصوير سوء طبقة المماليك    كن أول من يقيّم

            وقد التفت الشاعر المصري جمال الدين بن مطروح إلى ما تنطوي عليه طبقة هؤلاء المماليك وأخلاقهم من غدر وخيانة واغتصاب، فنراه يحن إلى أيام الأيوبيين وعهدهم فيرثي آخر سلاطينهم " توران شاه" الذي قتل غدرا بسيوف المماليك، فيقول:
يا بعيد الليل من سحــرهْ               دائمًا يبكي على قمــرهْ
خـلِّ ذا وانـدبْ معي ملكًا               ولَّت الدنـيا عـلى أثـرهْ
كانت الدنـيا تطـيب لنـا                بـين بـاديه و محتضرهْ
سلـبتْه المُلْـك أسـرتُُـهُ                واستووْا غدرًا على سُرُرِهْ
حسـدوه حـين فـاتهـمُ                في الشباب الغضِّ من عمرهْ
ويرى فريق آخر من الشعراء ألا فرق بين المماليك وسابقيهم في الظلم والغدر، فبينما كانوا يعيشون أيام الأيوبيين يترقبون يوم الخلاص منهم، حتى جاء المماليك فشعروا بخيبة الأمل، ورأوا أنهم ما تخلصوا من شر إلا ليواجهوا شرًّا آخر، وفي ذلك المعنى يقول الشاعر البهاء زهير:
دولةٌ كـم قـد سألـنا        ربـنا التعـويضَ عنها
وفـرِحْنـا حين زالـتْ        جاءنا أنحسُ منـــها
 

4 - فبراير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
الطبقات الأخرى     كن أول من يقيّم

ثانيًا: طوائف الشعب:
        وتشمل -في حصر المقريزي- بقية الطبقات الأخرى، بدايةً من الطبقة الثانية، وهم أهل اليسار من أعيان الناس وأولي النعمة وكبار التجَّار الذين تشبَّهوا كثيرًا بأهل الدولة وشاركوهم تجارتهم، ثم الطبقة الثالثة وهم الباعة ومتوسطو الحال من التجار والحِرَفِيُّون والعطَّارون، والرابعة: وهم الفلاحون وسكان القرى والريف، والخامسة وهم أكثر الفقهاء وطلاب العلم، والسادسة وهم أرباب الصنائع والأجراء، والطبقة السابعة والأخيرة: وهم أهل المسكنة وذوو الحاجة والحرافيش و الحرامية... إلى آخر عناصر الطبقة الدنيا من عامة الشعب .
 
ثالثًا: طبقة الأعراب:
        وتتمثل هذه الطبقة في القبائل العربية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى سائر البلاد التي فتحها المسلمون واتخذت لنفسها نمطًا حياتيًّا خاصًّا بها. وانتشرت في بلاد الشام ومصر، وقد نَعِمَتْ هذه القبائل ـ إلى حدٍّ كبير ـ بما يشبه الاستقلال الذاتي في نظامها الداخلي، وطرائق معاشها، تولى السلطة حينًا في القاهرة أو دمشق، وتثور عليها أحيانًا أخرى حيث كانت تعتقد أنها الأولى بالسلطة، وأن المماليك ـ كالأيوبيين ـ مغتصبون للحكم .
        وإذا كانت الطبقة الأولى من المماليك قد استأثروا بكل شيء بالسلطة والمال والقوة، فإن طبقات الشعب العربي المختلفة ظلت ترقب الصراع الدائر حولهم في صبر وأناة وفي تحمل عجيب لكل صنوف القوة والظلم .
ومع أن بعض طبقات الشعب نَعِمت أحيانًا بالثراء، غير أنها انتكست فيما بعدُ لكثرة ما فُرِض عليهم من الأموال والضرائب، أو المصادرات وتعنُّت الحياة، بالإضافة إلى المِحَن الطبيعية من الجفاف و القحط والمجاعات...وغير ذلك .
      والظاهرة الأكثر بروزًا في تصنيف المقريزي هي جعلُه جُلَّ الفقهاء وطلاب العلم في الطبقة الخامسة بعد طبقة الفلاحين، وربما بدا ذلك غريبًا، لكنه ليس مستغربًا في دولة يقوم نظامها على العسكرية. دولة تعطي كل اهتماماتها للإعداد للحروب والفروسية والقتال، ومن ثَمَّ كان تقديم معظم طبقات المجتمع على الفقهاء وطلاب العلم، مما يدل على انقلاب القيم والموازين في المجتمع العربي في ظل حكم المماليك العسكري!!!

4 - فبراير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
فساد الموظفين    كن أول من يقيّم

مجتمع العصر المملوكي في مرآة الشعراء
        لعل أبرز تطور للأدب في هذا العصر هو أن الأدب أصبح قريبًا إلى الشعب، ملتصقًا به، معبرًا عن همومه وأحزانه، فلم يعد للأدباء صلات وثيقة بالسلاطين والأمراء؛ لأنهم كانوا أعاجم لا يتذوقون العربية ولا أشعارها من ناحية، ومن ناحية أخرى انصراف هؤلاء المماليك إلى صراعاتهم المستمرة على الحكم وتحقيق مصالحهم الخاصة، مما دفع بالشعراء إلى الالتحام بطبقات الشعب، والتعبير عن قضاياه وأحواله، فقصدوا الشعب بفنهم الشعري، وجعلوه منهم وإليهم. يستمدون من حياة الشعب مادة أدبهم، ومن ثم يمكننا تعليل اختلاط العامية بالفصحى في اللغة الشعرية في هذه المرحلة، واقتراب لغة الشعر من لغة الحياة اليومية.
فنرى أحد شعراء هذا العصر، وهو القاضي شهبة المؤرخ الشافعي يصور الدواهي التي أصابت المجتمع العربي تحت حكم هؤلاء المماليك القُساة الذين تمكنوا من استنزاف طاقات الشعب وتسخيره، وتركوه يشقى بتلك الدواهي حيث يقول:
رمتنا صروفُ الدهر منها بسبعة        فما أحد منَّا عن السبع سالمُ:
غلاءٌ وغازانٌ وغزوٌ و غــارةٌ        وغـدرٌ و إغبانٌ وغمٌّ ملازمُ
 
وفي البيتين تصوير للأمراض والشدائد الاجتماعية التي يعاني من جرائها المجتمع العربي في الشام ومصر على السواء، إذ لا فرق لديهم بين الغلاء والغزو وحكم "غازان السلطان الذي كان يحكمهم، فمنه الغدر، والغبن، والغم، والإحباط، والفشل .
ويرصد الإمام البوصيري بعض عيوب المجتمع وبخاصة فئات الموظفين أو المستخدمين كما كان يطلق عليهم ـ وقتئذ ـ كاشفًا مخازيهم، معريًّا أساليبهم في نهب الأموال، وفي ديوانه قصائد عدة يتناول فيها هذه الظاهرة، ونكتفي بقصيدته النونية التي تصور أخلاق المستخدمين وجناياتهم على الناس، يقول البوصيري:
ثكِلْتُ طوائفَ المستخدِمينا      فـلم أر فـيهمُ رجـلاً أميـنا
فخذْ أخبارهم مني شفاهـا      وأَنْـظرني لأخبرك اليقــينا
فقد عاشرتُهم ولبثتُ فيهم      مع التجريبِ من عمري سنينا
 
ثم يمضي البوصيري فيحدثنا عن تلك الطائفة التي حوتها  " بلبيس "، ويصفهم بأنهم بلغوا درجة عالية في اللصوصية والإجرام، ويعدد من أسمائهم فريجيا، والصفي، وأبا يقطون، والنشو، والتي منها نعرف أنها أسماء المستخدمين من المماليك، فيقول:
حوتْ بلْبَيْسُ طائفة لصوصًا        عـدلت  بواحدٍ منهم مئـيـنا
فريجي والصفي وصاحبيه         أبا يقـطون والنشو الـسمـينا
فكتاب الشمالِ همُ جميعـًا         فلا صحبت شـمالهمُ اليـميـنا
 
 
ويصور البوصيري كيف يستحيل هذا المال المنهوب إلى ثياب حريرية وخمور جيدة ومردان ملاح، فيقول:
وجُلُّ النـاس خوَّان ولكـن         أناس منهمُ لا يستـــرونا
ولولا ذاك ما لبسوا حريرًا           ولا شربوا خمور  الأندرينا
ولا ربوا من المردانِ قومًـا         كأغصان يقُمْنَ و ينحنيـنا
 
 
وبين البوصيري كيف أن هؤلاء العمال سدوا على الأحرار  السبيل  لتحصيل أموال إقطاعاتهم، بحيث صار صاحب الإقطاع يبيع إقطاعه لهم بالربع، ولا يجديه ما يقدمه لهم من برطيل ورشوة:
                         ولم ينفعهم البرطيل شيــئا       وما ازدادوا به إلا ديونا
كأنهمُ نساءٌ مات بعــلٌ      له ولد فورثـَّن الثميــنا
وقد تَعِبَتْ خيولُ القوم ممَّا     يطوفون البلاد ويرجعـونا
عذرتهمُ إذا باعوا حـوالا       تهمْ بالربع للمستخدميـنا
وأعطوْهم بها عوضًا فكانوا     لنصف الربع فيه خاسرينا
 
 

4 - فبراير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
أدواء المجتمع    كن أول من يقيّم

وفي المجتمع المتداعي المأزوم مثل مجتمع عصر المماليك تصبح الرشوة عرفًا سائدًا، وقانونًا لازمًا، ولا غرابة في ذلك مادام المال هو المطلب الأسمى، والقيمة العليا، ويصير الدرهم شفيعًا لا يمكن رده، وبلسمًا شافيًا لكل جرح، على حد تعبير أحد شعراء هذا العصر، وهو أثير الدين أبوحيان، حيث يقول :
أتى بشفيـع ليـس يمكـن ردُّه         دراهـمَ بِيضٍ للجروحِ مراهـمُ
تصيِّر صعبَ الأمرِ أهـونَ ما ترى      وتَقـضي لُبانات الفتى وهو نائم
 
كما أصبح الدرهم الطريق الأمثل والأسرع إلى قلوب الأمراء وإلى أبوابهم، وانظر إلى هذه السخرية المرة لسراج الدين الوراق، وقد أراد الدخول على أحد الأمراء:
قلـت لبـوَّاب علـى بـابـه          مُـشَوَّه الخِلْـقـةِ والـشكـلِ:
خذ لي عليه الإذن قال: استرح          ذا بابُ "خُذْ منِّي" و لا "خذ لي"
 
وأمر طبيعي أن تنهار كل القيم  والحال على ذلك، فيعتلي المناصب مَن لا يستحقها، ويصبح الناس في سباق محموم يأكل بعضهم لحم بعض، وكل يريد أن يهدم الآخر ليعلو هو فلا وازع من الدين يمنع، ولا تورع عن الحرام يروع، ولعلنا نحس بأصداء هذه المحنة الأخلاقية في قول ابن دقيق العيد:
قـد جـرحـتنا يـد أيامـنا         وليس غير الله من آســــي
فلا ترج الخلق في حاجــة          ليسـوا بأهـل لسـوى اليـاس
ولا تـزد شكوى إليهم فـمـا          معـنى لشكـواك إلى قــاسي
فإن تخـالط منهمُ معشــرًا         هـويـتَ فـي الديـن على الراس
يـأكل بعضهم لحم بعض ولا          يـحسب فـي الغِـيبة من بــاس
لا ورعٌ فـي الدين يحميهـمُ          عـنـها ولا حـشمـة جـــلَّاس
لا يعـدم الآتـي إلى بابهـم          مـن ذلـة الكـلب سـوى الخـاس
فاهربْ من الناس إلى ربـهم         لا خـيـر فـي الخُـلْطـة بالنـاس
 
وفي أبيات أخرى له نحس بآثار هذه المحنة، وكيف استشرى أمرها فاضطربت المعايير، وأصبح لا يُقدَّم إلا صاحب المال، أما أهل العلم فلا مكان لهم في الساحة، يقول:
يقولون لي: هلا نهضت إلى العلا     فـما لـذَّ عيش الصـابر المتقنـِّعِ
وهلا شددتَ العيس حتى تحلَّـها      بمصـرَ إلى ظـلِّ الجناب المـرفَّع
ففيها من الأعيان من فيض  كفه      إذا شـاء روِّى سـيلُه كـلَّ بلقـعِ
وفيها قضاة ليس يخفى عليـهمُ        تعيُّـنُ كـون العلم غيرَ  مضـيَّع
وفيها شيوخ الدين والفضل و الألى     يشـير إليهـم بالعُلا كـلُّ إصـبع
وفيها، وفيـها، والمهـانة  ذلَّـةٌ      فقمْ واسعَ واقصدْ بابَ رزقِك واقرعِ
 فقلت: نعـمْ أسعى إذا شئتُ أن أُرى    ذلـيلًا مُهـانًا مُستَخـفًّا بموضـعي
 وأسعى إذا ما لذَّ ليْ طولُ موقفـي     عـلى بـاب محجوب اللقاء مُمَنَّـعِ
 وأسعى إذا كان النفـاق طريقتـي      أروح وأغـدو في ثيـاب التصنُّـع
وأسعـى إذا لـم يبـقَ فيَّ بقيـَّةٌ       أراعي بهـا حق التُّقَى والتـورُّعِ
      
 أرأيت هذا الانهيار الأخلاقي الذي يتحدث عنه الشاعر ابن دقيق العيد، الذي جسد لنا كيف يكون الاستخفاف بالعلم وأهله، وكيف يكون النفاق والرياء، وتحلل الدين وانفصام عُراه، وما كان كل ذلك إلا لأن المال وُضع على الرأس في قائمة القيم وشغل الناس بالدنيا، وألهتهم المادة يحصلونها بأي وسيلة ومن أي طريق .
ولا نترك ابن دقيق العيد دون أن نورد له هذه الأبيات التي تصور انقلاب الموازين، وتشعرنا بما كان يعانيه الرجل من ألم يحاول أن يتعزى عنه:
أهل المناصب في الدنيا ورفعتها       أهل الفضائل مرذولون بينـــهم
قـد أنـزلونا لأنَّا غير جنسهـم      منازلَ الوحش في الإهمال عنـدهمُ
فـما لهم في تَوَقِّي ضرنا نظـرٌ       ولا لهم في ترقِّي قـدرنـا همـمُ
فليتنا لو قـدرنا أن نـعرِّفَـهـم      مقدارَهم عندنا أو لــو دَرَوْه هُمُ
لهم مريحانِ من جهل وفرط غنًـى      وعنـدنا المتـعبان: العلم والعـدم

وهكذا نرى الألم يعصف بنفس الشاعر، و هو يرى ضياع قيمة العلم ومكانة العلماء، بينما يتقدم الجهلاء ويفوزون برغد العيش .

4 - فبراير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
شكوى شاعر     كن أول من يقيّم

وتتردد هذه المعاني ومشاعر الأسى واليأس لدى شاعر آخر هو أبوالحسين الجزار، ولكنه يصوغها في سخرية دامعة وإحساس بمرارة الضياع حينما يرى أنه سلك سبيل العلم، فأضاع عمره، ولم يجن من ذلك إلا الخمول وإهمال الذكر:
قرأت النحو تبيانًا وفهـــمًا       إلى أن كِعْتُ منه وضاق صدري
فما استنبطت منه سوى محالٍ       يـحال بـه على زيـد وعمـرو
فكان النصب فيه علي نصبًا        وكـان الرفـع فيـه لغير قـدري
وكان الخفض فيه جُلَّ حظي        وكـان الجـزم فيه لقطع ذكـري
 
تعليق ختامي
وهكذا استحال الشعر أدبًا ملتحمًا بهموم الإنسان العادي وما يعانيه في حياته من كُرُبات ومشاكل، متخذًا أسلوبًا سهلاً، ولغة واضحة قريبة من اللغة المستعملة العامية، وذلك لأن الشعراء ـ وقتئذ ـ راحوا يخاطبون الجمهور من عامة الشعب، أو يخاطبون ذوات أنفسهم يبثُّون أشعارَهم همومهم وآلامهم، عندما يئسوا من الوصول إلى السلاطين والأمراء، إما لأن الأبواب موصدة أمامهم، وإما لانصراف هؤلاء المماليك عن الشعر والشعراء لانشغالهم بالصراعات المستمرة فيما بينهم، أو كان السبب في ذلك عجمة في ألسنتهم لا تمكِّنهم من تذوق الشعر أو فهمه .
وهكذا صار الأدب في هذه المرحلة أدب العامة بعد أن كان في الماضي أدب الخاصة، ولم يعد حبيس الدور والقصور، وإنما خرج من دائرة الخلفاء والسلاطين والوزراء، ومن نطاق البيئة الأرستقراطية التي كان شعراء الماضي يدورون في فلكها إلى نطاق البيئة الشعبية البرجوازية، المختلفة الثقافات والأهواء .

4 - فبراير - 2008
معالم الأدب العربي في العصر المملوكي
قصيدة(غروب)    كن أول من يقيّم

قال طالبي الشاعرحسن النجار:
ودعتـنا فاستيقـظت أحـزانُ        وتزاحمت في أفقنا الأشجـانُ
هي رحلة الدنيا تمر كومضة      عـجلى وشمعةُ عـمرنا ذوَبان
ما أوهن الإنسان كيف مصيره     في ساعةٍ ما يصمت الخـفَقان
لملمت فـيض الذكريات أضمها    وأعـدُّهـا و الذكـريـات حـنان
فأحاول استرجاع كل دقيقة         مـن عمـره فـيذيبني الوجـدان
قبل الغروب غربت عنا صامتًا    فـاحلـولـكت برحـيلك الألحـان
إني أحسك في عيوني ساكنًا       لـن يـعـتـريْ أهـدابَـها النسيـان
وأرى خيالك في مرايا خافقي      فـأشـمُّ شــوقـًا بـوحُـه التـَّحنْـان
ورنين صوتك سـُكَّرٌ وعُـذوبـة       وحـلاوة  تـشـتـاقـهـا  الآذان
ما أعذب الذكرى وأقساها معًا      كـالـورد فيه الشـوك والريحان
أأبوح بالذكرى ونزف مشاعري     أم يـكـتـفي بـعـذابـيَ الكتـمان
مرَّ وداعـك يا أبي فدفاتري        وجع وملْْء  سطـورها أحزان 
ضبط د/صبري أبوحسين، من ديوان الشاعر المخطوط ص1،2. 

4 - فبراير - 2008
النشاط الطلابي الجامعي
 9  10  11  12  13