 | تعليقات | تاريخ النشر | مواضيع |  | السر المصون في مغازلة العيون 1 كن أول من يقيّم
السِّر المَصُون في مُغازَلة العُيون بسمه الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذه مقامة أنشأها الأديب الأريب محمد أفندي وهبي التميمي جمل الله الوجود بوجوده سماها: السر المصون في مغازلة العيون, وهي: نشأتُ أعرف العيونَ هي المُقَل التي تنظر الخبز والماء, والأرض والسماء, والبعيد والقريب, والعدو والحبيب, إلى يوم انكشف غيمه وصحى, وحُشرت فيه الناس ضحى, وكان ذلك يوم الزينه, وقد برزت كل فرحة وحزينه, وبزغت من منازلها الكواكب, للفرجة على المواكب. فبينما أخوض غمرات القتام1, وأسبح في تيار الزحام, إذ لمحت غادة ذات نقاب, كأنها الشمس تحت السحاب, تختلس ببهجتها النفوس, وتزدهي ازدهاء الطاووس, وهي تُسِرُّ لحظات التفرس, ولمحات التجسس, فكاد البصر ينهبها, والنظر يشربها, ولما أحست بانتباهي, ورأتني غير متلاهي, وجهت نحوي فلتات العيون, ولفتات الجفون, حتى تلاقينا باللحظين, وأسرت العين للعين, فرحتُ وأنا سكران, من خمرة الأجفان, وقلت إن هذا إلا سحر مبين, وفتنة للعالمين, وتطلَّبت حل مبهم هذا الرمز, وفك طلسم ذاك الكنز, وفزعت إلى ذات خدر كنت ألوذ بها لقربها, وأعوذ بها لأدبها, كاملة حسنا وعقلا, بارعة خُبْرا ونقلا, تشتمل بالتذكير على وصف ملة إبراهيم عليه السلام, وبالتأنيث على شطر كنية إمام الإسلام2, فبعد قضاء سنن التحية وفرض السلام, تماسكنا بأهداب المقال وأردان الكلام, وخضنا في حديث المال والولد, والعين والحسد, فقلت: أللعيون فتون ? قالت: نعم كما للجنون, قلت: بالله أستعين, من شر العين, قالت: أي العيون تعني?, قلت: كل عين تضني, قالت: قصدت العين البيضاء الزرقاء الضيقة الجاحظه, قلت: أردت العين السوداء النجلاء الواسعة اللاحظه, قالت: أبِنْ لي الإضمار, فوراء قدحك نار, قلت: أعندك للضيف إكرام, قالت: نعم سوى الحرام, قلت: لا أطلب غير الاستفادة, قالت: أتستفيد من غادة?, قلت: العلم في الصدور لا في السطور, قالت: لا تخرج عن الدستور, قلت: والعافون عن الناس, قالت: إذاً لا باس, قلت: أتيتك سايلا, والسائل لا ينهر, قالت: ليس كل سائل مطهر, قلت: ما هذه المواربة في المقال, قالت: الجواب على قدر السؤال, قلت: بعزة الجمال وسر العيون, وعصر الشباب وعهد الشجون, ما الذي تقوله العين للعين, إذا اتَّحد مركز اللحظين, قالت وقد ثنتها أهواء الطرب, وحركتها نشوة الأدب: سألتني عن النبإ العظيم, والسر الكريم, فهل تصان لديك الوديعه, قلت: نعم وتحفظ عندي الصنيعه, قالت: سأنبِّئك بتأويل ما أوحته إلينا الألحاظ, لا ما روته لنا الحفاظ, فاعلم أن النفوس كامنة بها أهواء غريزية ساكنة بزواجر التكليف الديني والعقلي وهو السر اللطيف, الذي أتى لصيانته التكليف, فحرم المدام3 وأنكر على السماع4, حتى لا يبتذل فتمجه الطباع, إذ هما يتركان تعريف التكليف نكرة, ويبرزان الأهواء على أصل الفطرة, والعيون بها مستودع ذاك السر, ومنبع هذا السحر, فإذا نظرت عين ذي حسن إلى عين نفس لطيفة الروح, وسرت بينهما مراسلات اللواحظ ومغامزات البوح, تعارفا وائتلفا, وتحالفا على الوفا, وتذاكرا لذة الحديث في عالم الأرواح, وتشاكيا ألم التكليف في عالم الأشباح, وتواددا, وتواعدا, وتعاهدا على الكتمان, والتعاون عند الإمكان, وتشاكلا في الهوى نفسا وروحا, ويوحى لكل قلب من الألحاظ ما يوحى, وهذا الذي استفتيتني فيه, قد أطلعتك على خافيه. قلت: بخ بخ لكِ من بارعة في هذه الفنون, وعالمة بمسائل العيون, فقد اتضح لي وبان, مما أبديتيه من التبيان, أن العيون هي وسائل اللذات, ورسائل الذات, فيا سبحان الله ليس هذا الذي عرفناه, وعن الكتب أخذناه, فمبلغ علمنا أن لحاظ العيون, هي سهام المنون, ومن أصيب بها صار عيشه الهني نكيدا, وعاد شقيا بعد أن كان سعيدا5, فتبسمت تبسم المفيد الملاطف, في وجه مستفيدِ المعارف, وقالت هيهات ليس من تأمل وذاق, كمن نظر في الأوراق, ولا يعرف قيمة الدر إلا من غاص عليه, لا من أهدي إليه, وأنت قرأت أحرفاً مسطوره, وأسطراً مزبوره6, فأعجبتك نفاسة الكلام, وبلاغة النظام, فطرت فرحا, ومشيت مرحا, وزعمت أن ذاك هو الغزل والنسيب, وعددت نفسك أديبا أريب7, ولم تميز المقال المصنوع, من الخيال المطبوع, فكنت كالآكل من الشجرة, وهو يجهل أصل الثمرة, فليس الخُبْرُ كالخَبَر, ولا الإدراك بالسماع كالإدراك بالنظر, والعاقل الكامل من ترقَّت همته عن رتب الأخذ بالسماع إلى مقامات الكشف بالعِيان, وتلقي فنون الغزل عن عيون الحسان, وحدَّث بما رأى لا بما روى, ودخل مدينة الرقة من باب الهوى. وإن صادفه من التصانيف ما رق وراق, واستعذبت سُلافتَه الأذواق, وكان مُعرِباً للمعاني, ومطرباً كالأغاني8, بحث بفكرته عن أساس بانيه, ومدارك مبانيه, ليعثر خياله بأصل الخيال, ويذوق لذة ذاك الجِرْيال9, وأنت إن عُجت على موارد الجمال10, تكن مشغول البال, وإن طالعت في كتاب, تمرُّ مَرَّ السحاب, وهذا الذي أوهمك أن لحاظ العيون, هي سهام المنون, لأنك حفظتَ وما ذقت, وسمعت وما نظرت, وفاتك التأمل لما ورد عن عشاق العيون, وكيف تراهم يشكون و يشكرون, وإن أطالوا الشكوى من النحول والسهاد, رجعوا بالتعنيف على اللوام والحساد, وكيف حُسدوا إذا لم يكن ذاك نعيم, ومقام كريم, وإنك لتعهد, أن خير الناس من يُحسد, وأما ما تسمع من التهويل في الكلام, وتشبيه الألحاظ بالحسام, وسهام الحِمَام11, فذاك للتذكير لا للنكير, وللترغيب لا للتحذير, وإنما غالطتْ بذلك الأذكياء, ليبهموا الأمر على الأغبياء, لأنه يَجِلُّ عن أن يذقه ذليل لئيم, وقد أرشدتك فذق إنك أنت العزيز الكريم. قلت: لقد أفدت بما عز, وحللت طلسم رصد هذا الكنز, وأبنت لذة كانت خافية, وألنت فكرة كانت جافية, ومننت عليَّ بالإفاده, فلك الحسنى وأزيد الزِّياده, فهل لا ينكرن الحسان على نظر العيون إليهن, وهل لا ينفرن من ملاحظة الجفون لهن?, قالت: أتراك تريد الاطلاع, على ما وراء القناع, فأنا كاشفة لك النقاب, ورافعة عنك الحجاب, فاعلم أن لكل نفس ميلاً إلى الهوى بالطبع الغريزي ولا يردها إلا زاجر العقل أو الدين, وحظ النساء فيهما قليل كما ورد عن التنزيل وجاء عن الأمين12, فهن إليه أمْيَلُ بالطبع اللطيف, وأضْيَعُ عهداً لأمر التكليف, فأية خَوْدٍ13 رزقت نصيباً من الجمال, تميل لعرضه على أبصار الرجال, لتختبر حظَّها من صنع الله البديع, الذي لم يوجده في الجميع, فإذا برزت الحسناء من خدرها إلى مسارح اللمحات, ومرامي اللحظات, أرسلت رائد الطرف يتوسم الصُّوَر, ويتفرس نفوس البشَر, فإن نظرَتْ فظا غليظ القلب, لاهٍ عن دواعي الحب, صرَفتْ نظرها عن صورته, ومرَّتْ وتركته في غفلته, وإن لمحت متبصرا نقَّادا, ومتغزِّلا مُنقادا, وأمنت عين عُتلٍّ زنيم, وهمَّاز مشَّاء بنميم, تلطَّفت في تعريض إشارات حسنها لدقيق لمحاته الخفية, ورقيق لحظاته السرية, ومتى ما استشعرت باستحسانه المنحة, وأسَرَّ الهوى ما أسرَّ في تلك اللمحة, تغازلا, وتراسلا, واجتنيا لذَّة السِّر المصون, من مغازلة العيون, والغافلون عن ذاك المقام, إن هم إلا كالأنعام, قلت: لله درك, ما أطيب طيبك ونشرك14, فأعلميني حكمة نفور ذوي الجمال, من المشيب والإقلال15, فقد تواترت بذلك الأخبار, ونطقت به الأشعار, قالت: أهذا تجاهل عارف, قلت: بل تطلُّبُ معارف, قالت: واهاً كيف يجتمع الهوى وداعي الوقار16, والتصابي وشاغل الافتقار, ولكن ربما تشَفَّع للإقلال الجمال البديع, وأما المشيب فليس له شفيع, وإن تشَفَّع له شفيع الإضطرار, فباطن الحال إنكار, قلت: أفهل يشترط في وجود الهوى فيهن وجود الجمال, أم يوجد الهوى عندهن على أي حال?, قالت: اسمع أُخَيَّ: أما اللذة فشرط وجودها الحيوانية, والهوى شرط وجوده الإنسانية, وبقدر الاستعداد, يكون الإيجاد, والأنوثية أكبر استعداداً وأكثر, ومنها يكون الهوى أظهر, فكل أنثى تميل إلى الهوى بالطبيعه, ولكن إن وَجَدَتْ شفيعه, وشفيع الهوى الجمال, المشوب بالدَّلال, وبمقدار تمكنها من ذاك الشفيع, يكون لها الهوى مطيع, واللآئي يَئِسْنَ من الجمال, فليس لهن في الهوى آمال, إلا تعرضا لذوي الشهوات الحيوانية, واللذات الجسمانية, وربما غالطت من قبح ما فيها وملح ما يلوح, فالتمست بما لاح استرواح الروح, وهذا جواب سؤالك, فأثبته في خيالك. | 3 - يونيو - 2007 | السر المصون في مغازلة العيون |  | السر المصون في مغازلة العيون 2 كن أول من يقيّم
عندها صقلت مرآة لبي, وتتابعت الهامات قلبي, وقلت: قد فهمت ما شرحت, وعلمت ما أوضحت, وبسرك سأدرك من رقة الطبيعه, ما لا يدركه عمر بن أبي ربيعه, فلما أحست بإقبالي, وآنست استحصالي, تبسمت تبسم الحكيم إذا أصاب, والكريم إذا أثاب, وقالت دع ما فات, وتيقظ لما هو آت, وإن ضللت فسلْ بصير17, ولا ينبئك مثل خبير, فرحت ضالا في تيه الأفكار, أحاول الهداية لتلك الأسرار. ولما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود, وتشتت ما في البيوت وتبدَّد, خرجت أدور وأرود, وأتطلب موارد العيون السود, فصادفتُ غانيةً تسير, كأنها البدر المنير, فأرسلت طرفي اختلاسا, وتطلبت لحظها التماسا, وحاورت لمحات الأجفان, حتى التقى الإنسان بالإنسان18, فمكرت مكرا كبارا, وأسررت الهوى إسرارا, واغتنمنا فرصة اللذات, والناس من حولنا كالأموات, فسعيت إلى أستاذتي, لأعرض قصتي, ولما صرت خلف الستر, وتوصلت إلى الخدر, قابلتني أوانس المسرة, وقربت من تلك الحضرة, ورفعت إلى المقام الأسنى, فكنت كقاب قوسين أو أدنى, فأديت من الشكر الواجب والفرض, بلثم الأذيال وتقبيل الأرض, ولما زالت الدهشة, واستأنست الوحشة, شرعت في عرض حالي, وشرح ما جرى لي, فتهلل وجهها واستهل, وقالت سوف يكون وابل هذا الطَّل19, فخبرني ماذا رأيت في العين, عند التقاء اللحظين, قلت: رأيت أمرا جليلاً لا يكيَّف, وشيئاكميناً لا يوصف, فأريد من أفضالك, كشف ذلك, فأقبلت علي إقبال الطروب على المطرب, والأديب على المعرب, وقالت: سأبوح لك بهذا السر المصون, الذي لاح لك في مغازلة العيون, فهذا الذي رأيته هو الذي من أجله أجالت الفحول جياد الأفكار, في ميادين الأشعار, وشببوا بليلى ولبنى, ليذوقوا لذة تلك20 المعنى, فمنهم من ذاق ومنهم من كاد, ومنهم من اهتدى ومنهم من حاد, وكم تطلبه قوم بمباشرة الأشباح, فراحت منهم الأرواح, وهو النعيم المقيم, والملك العظيم, فأرني بمقالك, مكانه من خيالك, قلت: خذي جني غرسك, وانظري ضوء شمسك, وأنشدت: مغازلة العيون ألذ طعـما و أحلى من معاطاة السُّلافه 21 وبين مراسلات اللحظ شيء كمين لا تعادله الخلافــه فقالت: أراك قد عثرت بالمقصود, ولكن إن استزدت نجود, قلت: إني أستزيد لأستفيد, فلا تحرميني من تعريفك المفيد, قالت: اعلم أنه لا فضل للإنسان على باقي الحيوان إلا بإدراكه المعنويات, فمن طلب اللذات بمباشرة المحسوسات, ألحق بعالم البهايم والسباع, وإن كان ذا قول فصل وأمر مطاع, ومن هداه الله من الحيرة, ونظر بعين البصيرة, وذاق الأمور بالذوق السليم, تلذذ بسر معنى ''لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم'', وإن سألتني التقريب, فإني أجيب: كم بين من طلب طعاما نفيسا فملأ وعاه, وشرابا لذيذا فشرب ما اشتهاه, ومحبوبا جميلا فنال مناه, ثم أزعجته التُّخَم, وأقلقه الفتور والألم, وبين فَطِنٍ لطيف, وغَزِلٍ ظريف, تتبع موارد الحسان, وغازل العيون والأجفان, ورآى من سواد العيون أبدع صبغه, صبغة الله ومن أحسن من الله صبغه, فهذا هو الموحد بلسان الخلاعه, والمخالف بنية الطاعه, والجاني ثمار اللذات وليس بجان, والمقتبس نور اللذات22 من شمس المعاني, والراتع في رياض تجليات ذاك السر المصون, وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون, وها قد أنبأتك بما لم تحط به خبرا, وأريد أعلم قدر إدراكك له شعرا, قلت: إي وأبيك, اسمعي ما يرضيك, وأنشدت: مغازلة العيون هي النـــعيم يراها من له ذوق سـليم و من يطلب وصال الغيد صرفا بلا غزل فذاك هو البهيم فقالت: بأبي من راح يرق فذاب, وأرشدناه فسبق إلى الباب, فانح نحو هذه المسالك, فأنت أهلا لذلك, فشكرت رب البيت, وأُبت من حيث أتيت. واقتفيت الأثر, ففاق الخُبرُ الخَبَر, وبدت لي سرائر السر المرموز, وذخائر تلك الكنوز, ليوم كنت بحانوت عطار, إذ مرت بي ذات إزار, فغازلتها فأبدت شواهد الإنكار, فرابني ذاك الإضمار, وأمعنت النظر زياده, فإذا هي أستاذتي الغاده, فلحقني من الخجل والوجل ما لحق إخوة يوسف عند لقياه, وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله, فلما أبصرت شاني, وما علاني, أقبلت نحوي وقالت: لا تثريب عليك اليوم, وحاشاك الذم واللوم, فنحن أدرى بحالك, وبمذهبك وانتحالك, فزرنا في الظلام, وذرنا والاحتشام, فشكرت ومدحت, ورحت حين حان الوقت, ولما لبيت مناديها, وحللت ناديها, أجملت التحية قولا وفعلا, وجعلت المقام أهلا وسهلا, ورفعتني مكان الأعزة الأحباب, فتواضعت تواضع الروض للسحاب, وتجاذبنا بأطواق المحاورة, في المسامرة, فقالت: قد شاهدت منك اليوم ما أوجبني الاستقصا, عن مقامك الأقصى, فهل ذاك منك فكاهة الأذواق, أم عربدة الأسواق, قلت: حاشا لمن منك يستفيد, أن يكون عربيد, بل ما نظرتيه, فهو الذي غرستيه, قالت: نِعْمَ ذاك, فعرِّفني هل سبرت شيئا من أحوال ذوي الجمال, قلت: إي وقلت في ذلك مقال, وأنشدت: ومن لم تستند من الغواني إلى رسل اللواحظ و الفراسه تكون بليدة أو ذات عيب خفـي أو تميل إلى الخساسه قالت: أراك تفقهت في هذا الدين, واجتهدت حتى حكمت عن يقين, فأفديك من فتى أفتى ومالك في المدينه, وقضى على المِلاَحِ بلبس الزينه, فوحق أحمد وابن إدريس, لقد أصبحت إمام هذا المذهب النفيس, قلت: بأبي حنيفة التي وجدتني ضالا فهدت, وأهلا فاعتنت, قالت: على اعترافك قد شكرناك, ولكن أنى لك ذاك, قلت: اسمعي أبياتي, تعلمي آياتي, وأنشدت: وكل مليحة بالطبع تهــوى و يعجبها مغازلة العيـــون أنا أدرى بهن من المربِّي إذا ما جئت من قبل الجفون فمن ربَّى يرى ما كان باد ويُكشَفُ لي عن السر المصون فقالت: لا فض فوك, ورُحم أمك وأبوك, قد أبدعت إذ أنشدت, وأقنعت إذ أسندت, فبأي سير سرت حتى اهتديت, قلت: بهذا اهتديت, وأنشدت: إذا الحسناء ذات الدل مرت تغازل بالحواجب و اللواحـظ بعثتُ لخُبْرِها جاسوس لحـظي يَرودُ حمى لواحظها اليواقظ فيأتي مخبرا عن كل ســـر ولكن للوفا والعهد حافــظ قالت: لقد علمت من أين توكل الكتف, وكيف تجني وتقتطف, وأريد أعرف قوى ذوقك لتلك اللذات, ودرجة ما بلغت في هذه المقامات, قلت: قري عينا واسمعي, تعرفي ما معي, وأنشدت: و يوم لا تغازلني عيــون و لم أنظر مراسـلة أموت كأن سهام ألحاظ الغواني ذوات الدل للأرواح قوت فاستخفها الطرب, وصاحت ياللأدب, وقبلت راسي,{....}23, وقالت: قد أطربت بالمثالث والمثاني, وأنعشت بسَلْسَل تلك المعاني, وإنما لو أنت كاف كأنَّ لام24, لكانت أجمل تجريدا وأرقى مقام24, ولكن قد سلكت الطريق وبقيت عقبة ستهون, وتحظى بنتايج ذاك السر المصون, فقلت: باتجاه قلبك, و إمداد أسرارك, نحظى إن شاء الله ويهون علينا ذلك, قالت: أنا متوجهة إليك بكليتي ومقبلة عليك, ومخلصة لك فيما ألقيه إليك, فأحْسِن الاقتفا والاتباع, تكن تميميَّ النسب والطباع, فدام لك شكري ما دامت الأيام, ونسأل الله تعالى حسن الختام, ثم قمت وقامت وطوينا ذاك البساط, وقد علانا ما علانا من الأنس والنشاط, وتعاهدنا على حفظ الوفا والعهد, وودعتها بتقبيل ظهر اليد, ورحت أسأل الله التوفيق وأرجوه, وألتمس الخير من حسان الوجوه, انتهى, وقال مؤرخا إنشاءها: مقامة إنشاءها تاريخه تمت وتم 1286 . | 3 - يونيو - 2007 | السر المصون في مغازلة العيون |  | الحاشية     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الحاشية: ـــــــــــــ 1- القتام: الغبار 2- قال شاعرنا الأستاذ زهير ظاظا وهو الفطن اللقن: حنيفة هو اسم الفتاة التي يحاورها التميمي في المقامة, وقد ضمَّنه في لغز, وهو قوله: كاملة حسنا وعقلا, بارعة خبرا ونقلا, تشتمل بالتذكير على وصف ملة إبراهيم عليه السلام, وبالتأنيث على شطر كنية إمام الإسلام. اهـ قلت: وقد وجدت مصادق هذا في قول التميمي في آخر المقامة مخاطبا هذه المرأة مقسما بأبيها:''..قلت: بأبي حنيفة التي وجدتني ضالا فهدت..'' 3- المُدام: الخمر 4- لعلها : وأنكر على {أهل} السماع. 5- وذلك كقول الشاعر وهو محق: كلُّ الحوادث مبداها من الــــنظر ومعظم النار من مستصغر الشّـَرر كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتــــــر والعبد ما دام ذا عين يقلــــــبها في أعين الغيد موقوف على خطر يسرُّ ناظرَه ما ضرَّ خاطــــــــره لا مرحبا بسرور عاد بالضّـــــَرر 6- مزبورة: مكتوبة 7- كذا بالأصل 8- فيه تورية وهو يريد كتاب الأغاني للأصبهاني 9- الجريال: الخَمرُ الشديدة الحُمْرة 10- عاج على المكان: عطف عليه 11- الحِمام: الموت 12- يشير إلى شهادة المرأة في القرآن, وحديث مسلم في صحيحه. 13- الخَوْدُ: الجارية الناعمة, والفتاة الحسنةُ الخلقة. 14- النشر: الريح الطيبة 15- الإقلال: الفقر 16- تريد الشيب 17- كذا بالأصل 18- الإنسان هنا هو إنسان العين وهو المثال الذي يرى في السواد 19- الطل: أخف المطر والوابل المطر الشديد, ولعل الصواب أن يقال: وسوف يكون وابلاً هذا الطَّلُّ . 20- كذا بالأصل 21- السُّلافة: الخمر 22- كرَّر لفظة اللذات مرتين, ولو استعمل مرادفا غيرها كان أليق بالمقامة وأجود. 23- لم أهتد إلى الكلمة بالأصل المخطوط 24- كذا بالأصل,لام, ومقام. وصف المخطوطة: اعتمدت نسخة المكتبة الأزهرية الشريفة, وهي من إحدى عشرة ورقة تنتهي المقامة في الورقة الخامسة عليها بعض التعليقات القصيرة على هوامشها في شرح بعض الغريب, وبعدها قُيد موشح أندلسي نظمه '' الأديب البارع الشهير الشيخ عثمان مدوخ مدرس النحو بالمدارس المصرية تهنئة بعيد الأضحى لسدة الدولة التوفيقية السنية'' وبعده قصيدة أخرى له في مدح منصور باشا ناظر الأوقاف والمعارف لذلك العهد, وتهنئته بالعيد, وبعده ثلاثة تقاريظ لثلاثة فضلاء من البلاد المصرية يثنون فيها على الشيخ عثمان مدوخ هذا وتهنئته التعييدية, ويختتم المخطوط بنقل فصل في صفة الشهود ومن لا يجوز الحكم بشهادته من كتاب كشف الغمة. وقد نقل لنا شاعرنا أبو الفداء وصف المخطوطة كما ورد في الملحق الخامس من ملحقات فهارس المكتبة الأزهرية, هذا نصه:السر المصون في مغازلة العيون، وهي مقامة أدبية للأديب محمد أفندي وهبي التميمي، من رجال أوائل القرن الرابع عشر الهجري، أولها بعد الديباجة: نشأت أعرف العيون هي المقل التي تنظر الخبز والماء والأرض والسماء.... فرغ من إنشائها سنة 1286هـ: نسخة في مجلد بقلم معتاد، بآخرها قصيدة للشيخ عثمان مدوخ مدرس اللغة العربية بالمدارس بالقاهرة سنة 1293هـ نظمها في تهنئة منصور باشا ناظر الأوقاف والمعارف المصرية سابقا بالعيد، وتقاريظ ، في عشر ورقات، ومسطرتها مختلفة " 25 سم" ورقمها (5822) 62441 | 3 - يونيو - 2007 | السر المصون في مغازلة العيون |  | إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود كن أول من يقيّم
شاعرنا الكبير أبقاه الله: أرى أن الأستاذ عبد الحفيظ- أدام الله أيامه- إنما أراد إهداء هذه الصورة للسيدة بريجيت ولم يقصد-والله أعلم- أنها صورة بريجيت كما يوهمه عنوان التعليق. والصورة -كما فهمت من التعليق- لنسوة من يهود المغرب, وهي صورة دالة على ما بين أهل الملتين -لذلك العهد- من التشابه والتماثل في السمة, والطبع, ومظاهر الاجتماع, حتى لا تكاد تميز بين هؤلاء وهؤلاء إلا في خاصة شؤونهم. فكأن الزمان عركهم عركا فخلط الأقل في الأغلب فحواه, وماج بعضهم في بعض وتداخلوا حتى إن عينك لتأخذ بعضهم على طُرُق السَّابِلة فلا تدري أمن أتباع محمد أم من أتباع موسى إلا أن تشق على قلبه. وكيفما دار الأمر فنحن في انتظار جواب الأستاذ عبد الحفيظ. | 10 - يونيو - 2007 | رسالة بريجيت |  | غرائب التفسير والعدد سبعة كن أول من يقيّم
إلى مولانا الحسن بلنفقيه أبقاه الله: قال الحق عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ 12 ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ 13 ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ قال لسانُ العربية مصطفى صادق الرافعي (طيب الله ثراه): وأنت لو عرضتَ ألفاظ هذه الآية على ما انتهى إليه علماء تكوّن الأجنة وعلماء التشريح وعلماء الوراثة النفسيّة، لرأيت فيها دقائق علومهم، كأنّ هذه الألفاظ إنمّا خرجت من هذه العلوم نفسها، وكأن كلّ علم وضع في الآية كلمته الصادقة، فلا تملك بعد هذا أن تجد ختام الآية إلاّ ما ختمت هي به من هذا التسبيح العظيم فتبارك الله.اهـ وهذا تفسير لهذه الآية ساقه الرافعي في كتابه إعجاز القرآن والبلاغة النبوية للعلامة المفسر داود الأنطاكي من رجال القرن العاشر الهجري فتح عليه به وهو في أضعف الأزمنة وأشدها انحطاطا وفقرا من الوسائل العلمية , وجاء منه بكلام معدود في غرائب التفسير. وأشير إلى أن المفسر يرى أن أطوار الخلق في الآية سبعة تقابل الكواكب السبعة السيارة. وهذا نص التفسير: ((قال جلّ من قائل: ولقد خلقنَا الإنسانَ: يعني إيجاداً واختراعاً، لعدم سبق المادة الأصليّة ((من سلالة)) هي خلاصة المختارة من الكيفيات الأصلية بعد الامتزاج بالتفعيل الثاني ممّا ركب منها بعد امتزاج القوى والصور، والتنويه باسمه إمّا للصورة والرطوبات الحسيّة، أو لأنّه السبب الأقوى في تحجّر الطين وانقلابه وكسر سَوْرة الحرارة وإحياء النبات والحيوان اللذين هما الغذاء الكائنة عنه النّطف، وهذا الماء هو المرتبة الأولى والطور الأول، وقوله ((من سلالة)) يشير إلى أنّ المواليد كلّها أصول للإنسان وإنّه المقصود بالذات الجامع لطباعها، ثمّ جعله نطفة بالإنضاج والتخليص الصادر عن القوى المعدّة لذلك، ففي قوله ثمّ جعلناه نطفةً تحقيق لما صار إليه الماء من خلع الصور البعيدة؛ والضمير إمّا للماء حقيقة أو للإنسان بالمجاز الأولى. وقوله: في قرارٍ مّكينٍ يعني الرّحم، وهذا هو الطور الثاني، ثمّ قال مشيراً إلى الطور الثالث: ثمّ خلقناَ النطفةَ علقةً أي صيرناها دماً قابلاً للتمدّد والتخلّق باللزوجة والتماسك، ولمّا كان بين هذه المراتب من المهلة والبعد ما سنقّرره، عطفها ب(ثم) المقتضية للمهلة _ كما بيّن أدوار كواكبها، فإنّ زحل يلي أيام السلالة المائية لبردها، والمشتري يلي النطفة لرطوبتها، والمريخ يلي العلقة لحرارتها وهذه الثلاثة هي أصحاب الأدوار الطوال. ثمّ شرع في المراتب القريبة التحويل والانقلاب التي يليها الكواكب المتقاربة في الدورة وهي ثلاثة: أحدها ما أشار إليه بقوله فخلقناَ العلقةَ مضغةً أي حولنا الدم جسماً صلباً قابلاً للتفصيل والتخليط والتصوير والحفظ وجعل مرتبة المضغة في الوسط، وقبلها ثلاث حالات وبعدها كذلك. لأنّها الواسطة بين الرطوبة السيالة والجسم الحافظ للصور؛ وقابلها بالشمس، لأنّها بين العلوي والسفليّ كذلك، وجعل التي قبلها علوية، لأنّ الطور الإنسانيّ فيها لا حركة له ولا اختيار، فكأنّه هو المتولِّيهِ أصالةً وإن كان في الحالات كلّها كذلك لكن هو أظهر، فانظر إلى دقائق مطاوي هذا الكتاب المعجز وتحويله العلقة إلى المضغة يقع في دون الأسبوع. وثانيها: مرتبة العظام المشار إليها بقوله: فخلقنَا المضغةَ عظاماً أي صلّبنا تلك الأجسام بالحرارة الإلهيّة حتى اشتدّت وقبلت التوثيق والربط والإحكام والضبط، وهذه مرتبة الزّهرة، وفيها تتخلّق الأعضاء المنوية المشاكلة للعظام أيضاً ويتحوّل دم الحيض غاذياً كما هو شأن الزهرة في أحوال النساء. وقوله: فكسوناَ العظامَ لحماً أي حال تحويل الدم غاذياً للعظام لا يكون عنه إلا اللحم والشحم وكلّ ما يزيد وينقص، وهذا شأن عطارد، تارة يتقدّم وتارة يتأخّر ويعتدل، وكذا في اللحم البدن، وهذه المرتبة هي المرتبة هي التي يكون فيها الإنسان كالنبات، ثمّ يطول الأمر حتى يشتدّ، ثمّ يتمّ إنساناً يفيض الحياة والحركة بنفخ الروح، فلذلك قال معلماً للتعجب والتنزيه عند مشاهدة دقيق هذه الصناعة ثمّ أنشأناه خلقاً أخرَ فتباركَ الله أحسن الخالقينَ وهذا هو الطور السابع الواقع قي حيّز القمر. وفي هذه الآية دقائق: الأولى: عّبر في الأول بخلقنا، لصدقه على الاختراع، وفي الثاني بجعلنا لصدقه على تحويل المادة، ثمّ عبر في الثالثة وما بعدها كالأول لأنّه أيضاً إيجاد ما لم يسبق. الثانية: مطابقة هذه المراتب لأيام الكواكب المذكورة ومقتضياتها للمناسبة الظاهرة وحكمة الربط الواقع بين العوالم. الثالثة: قوله فكسونا؛ وهي إشارة إلى أنّ اللحم ليس من أصل الخلقة اللازمة للصورة، بل كالثياب المتّخذة للزينة وللجمال؛ وأنّ الاعتماد على الأعضاء والنفس خاصّة. الرابعة: قوله تعالى: ثمّ أنشأناه سمّاه بعد نفخ الروح إنشاء لأنّه حينئذ قد تحقّق بالصورة الجامعة.
الخامسة: قوله خلقاً ولم يقل إنساناً ولا آدمياً ولا بشراً لأنّ النظر فيه حينئذ لما سيفاض عليه من خلع الأسرار الإلهيّة، فقد آن خروجه من السجن وإلباسه المواهب، فقد يتخلّق بالملكيات فيكون خلقاً ملكيّاً قدسيّاً، أو بالبهيميّة فيكون كذلك، أو بالحجريّة إلى غير ذلك؛ فلذلك أبهم الأمرَ وأحاله على اختياره وأمر بتنزيهه على الأمر الذي لا يشاركه فيه غيره. وفي الآية من العجائب ما لا يمكن بسطه هنا، وكذلك سائر آيات هذا الكتاب الأقدس: ينبغي أن تفهم على هذا النمط. انتهى كلام الحكيم المفسّر.
| 17 - يونيو - 2007 | نوادر الأقوال وغرائب الأحوال |  | نعي الملائكة     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
قرأت الساعة على موقع الجزيرة نعي الأديبة العراقية نازك الملائكة رحمها الله وهذا نصه | رائدة الشعر الحر نازك الملائكة في ذمة الله | | | |  | قصائد نازك الملائكة فتحت باب الشعر الحر على مصراعيه (الجزيرة نت) | توفيت رائدة الشعر الحر الشاعرة العراقية نازك الملائكة في القاهرة عن عمر ناهز 85 عاما بعد صراع طويل مع مرض السرطان. وأعلنت عائلة الشاعرة الراحلة وفاتها مساء الأربعاء. وقال المصدر في اتحاد الكتاب المصريين إن الشاعرة العراقية توفيت في منزلها بالعاصمة المصرية، وإن موعد الجنازة سيعلن لاحقاً. ودشنت الشاعرة العراقية عام 1947 بقصيدتها "الكوليرا" ما عرف بالشعر الحر في الأدب العربي، ولكن في الطبعة الخامسة من كتابها قضايا الشعر المعاصر أقرت بأن قصيدتها لم تكن قصيدة الشعر الحر الأولى بل سبقتها قصائد نشرت منذ عام 1932. ويرجح بعض مؤرخي الأدب العربي أن تكون هي الرائدة الأولى لهذا النوع من الشعر العربي بعدما كتبت قصيدتها الشهيرة "اللاجئ" عن اللاجئين الفلسطينيين عام 1948، بينما يرجح البعض الأخر أن يكون مواطنها العراقي بدر شاكر السياب الذي رحل في الستينيات من القرن الماضي أول من كتب هذا النوع من الشعر. وولدت نازك الملائكة ببغداد في بيئة ثقافية وتخرجت في دار المعلمين العالية عام 1942، والتحقت بمعهد الفنون الجميلة وتخرجت في قسم الموسيقى عام 1949، وفي عام 1959 حصلت على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونسن بالولايات المتحدة، وعينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم جامعة الكويت. وذهبت الملائكة لتعيش في عزلة اختيارية في القاهرة منذ عام 1990. أهم مجموعاتها الشعرية، عاشقة الليل 1947، قرار الموجة 1957، شجرة القمر 1968، يغير ألوانه البحر1977، للصلاة والثورة 1978. ومن مؤلفاتها: قضايا الشعر المعاصر، والتجزيئية في المجتمع العربي، والصومعة والشرفة الحمراء، وسيكولوجية الشعر. ويبقى لنازك الملائكة ريادتها على صعيد المرأة العراقية بشكل خاص والعربية عموما، حيث كانت أحد المؤثرين في الثقافة والحركة الشعرية العربية. | | 21 - يونيو - 2007 | نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0 |  | النشيد الطلياني في التحريض على قتال المسلمين ومحو القرآن لسنة 1930م     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
هذا النشيد سللتُه من ضغائن التاريخ, بَعُد مداه في النفس كما بَعُد في الأجواء سهم المِرِّيخ, وهو بثرةٌ من البثور التي خرجت في وجه الغرب فما على المرء إلا أن يفضخها ليخرج قيحها, إذ لا تخفيها الدهون, وإذا رأيت فُشُوَّ العُرِّ بوجه قبيح فاعركه, إذ لا تُجمِّل القُبحَ صنائع (إيف سان لُرُون) قال السيد محمد رشيد رضا في حاشيته على الرسالة الجليلة التي أنشأها الأمير شكيب أرسلان (لماذا تأخر المسلمون) ص 57-58 ما نصه: فحسب المسلم الذي لم يفسده التفرنج والإلحاد أن يقرأ النشيد الطلياني الذي ننقل ترجمته عن جريدة الفتح نقلا عن جريدة الشرق عدد 543 وهو : النشيد الطلياني في التحريض على قتال المسلمين ومحو القرآن: إن من أعظم الآلام لشاب في العشرين من عمره أن لا يحارب في سبيل وطنه مع دوام القتال في طرابلس, والراية المثلثة الألوان والموسيقى الحربية تنبهان النفس المقدامة. يا أماه أتمنى صلاتك ولا تبكي, بل اضحكي وتأملي, ألا تعلمين أن إيطالية تدعوني وأنا ذاهب إلى (طرابلس) فرحا مسروراً لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة (كذا) ولأحارب الديانة الإسلامية التي تجيز البنات الأبكار للسلطان. (قلت (طه): أقْبَحَ الأوباش وحُرمةِ الإسلام, فالملة السمحة لا تجيز للسلطان إلا ما تجيزه لغيره من الرعية, وهو تزوج البكر والثيب, ولكنَّ رعاديد الفرنجة قِباحُ الطِّباع, عراض الدعاوى, تبيح لهم عنجهيتهم التنكيل بالمسلمين, وتبيح لهم مدنيتهم الزنا حتى أفسدوا كل قطر دخلوه من هذا الشرق الشائخ من هلمند إلى الأنبار). سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن (كذا). ليس بأهل للمجد من لم يمت إيطالياً حقاً. تحمَّسي أيتها الوالدة, تذكَّري (كاروني) التي جادت بأولادها في سبيل وطنها. يا أماه أنا مسافر. ألا تعلمين أن على الأمواج الزرقاء الصافية من بحرنا ستلقي سفائننا المراسي? أنا ذاهبٌ إلى طرابلس مسروراً, لأن رايتنا المثلثة الألوان تدعوني. وذلك القطر تحت ظلها. لا تموتي لأننا في طريق الحياة, وإن لم أرجع فلا تبكي على ولدك ولكن اذهبي في كل مساء وزوري المقبرة, ونسائم الأصيل تحمل إلى طرابلس وداعك الذي لا يأبى الحداد على قبره فلذة كبدك, وإن سألك أحد عن عدم حدادك علي فأجيبيه: إنه مات في محاربة الإسلام. الطبل يقرع يا أماه, أنا ذاهبٌ أيضاً, ألا تسمعين هزج الحرب, دعيني أعانقك وأذهب. | 22 - يونيو - 2007 | نوادر الأقوال وغرائب الأحوال |  | مرحلة بين المرحلتين: وداع موقوت كن أول من يقيّم
سيدتي الأستاذة ضياء سليم أدام الله أيامك, إخواني إخوان الصفا سراة الوراق وأهله, سلام عليكم وبعد: كنت أيام طلبي علم مصطلح الحديث قرأت فصلا ًللعالم الحجة الخطيب البغدادي في صدر كتابه (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) ترجمه بإيثار العزوبة للطالب وتركه التزويج, أوقع فيه سبعة عشر أثراً, وهذه بعضها محذوفة الأسانيد استخفافاً: - عن حذيفة يرفعه: خيركم في المائتين كل خفيف الحاذ, قالوا: يا رسول الله, وما خفيف الحاذ? قال: الذي لا أهل له ولا ولد. - عن بشر بن الحارث ( عابد بغداد) موقوفا عليه: لا تؤثروا على حذف العلائق شيئا, فإني لو كلفت أن أعول دجاجة لخفت أن أصير شُرَطيا في الجسر. ومن لم يحتج إلى النساء فليتق الله (..)'. - عن ابن نمير قال: قال لي سفيان: تزوجت? قلت: لا. قال: ما تدري ما أنت فيه من العافية. -وعن سفيان الثوري أيضا: إذا تزوج الرجل ركب البحر, فإذا ولد له كسر به. - وقيل لأعرابي: لم لم تزوج? قال: إني وجدت مداراة العفة أيسر من الاحتيال لمصلحة النساء. - وعن مولانا الإمام الشافعي: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس. - ولمحمد بن هارون الدمشقي هذه الأبيات: لمحبرة تجالسني نهــــاري أحب إلي من أنس الصـديق ورزمة كاغد في البيت عندي أحب إلي من عدل الدقـيق ولطمة عالم في الخد مــني ألذ لدي من شرب الرحيق اهـــــــــــــــــــــــــ وكنت أريد النفس على هذا المذهب, لكن ما منا من أحد إلا تنسخ التقادير أمانيه و رغائبه, ولا يزال صرير القلم الأول يمحو تدبير النفس ويثبت عليها مصادقه ووقائعه, وما أقربني إلى الجبر وإن كنت من شأنه لا في العير ولا في النفير, وما أقدمت إلا عن تخيير وأعلم أن الله على ما يشاء قدير. إخواني سراة الوراق جمل الله الوجود بوجودكم: أقفلت أمسِ من خطبة شابة من بلاد فلسطين من أرض الخليل, وهذا يدفع بي إلى زيادة في العمل والجهد, وبذل الطاقة واستفراغ الوسع واستغراق عظم الوقت للاحتراف والتكسب, فيتضايق الزمن على المرء وتقل فسحته, وتطوى منحة العزوبة وتنشر للإملاك رايته ومحنته, وقد لبتث فيكم أياما ًوليالي ليس همي إلا منظوم زهير ومناقلات النويهي, وشهد الحسن ومباحثات الهرغي, وأشجان ضياء وأمالي الرفاعي, وبيادق هشامِ وتذكارات السعدي, وتعليقات حفيظ ونشر الميداني, والدمنهوري بالمثالث والمثاني, ومصكوكات زياد ودرر الغواص في الخلجان. وكان في نيتي قبل اليوم فتح ملف للمدنية الاسلامية وقد اجتمعت لدي مادة عظيمة من المقالات والردود لكبار علماء الاسلام في شأن التمدن الذي قام مع الشريعة الاسلامية, والحضارة التي رفع الدين أوتادها وأعمادها, فإذا غلبت الزواج كان لي ما أملت من هذه الأمنيات, وإذا غلبني فحسبي أن الأعمال بالنيات. إخوان الصفا: هذا ما كان من أمري أطلعتكم عليه, وجعلتكم شركاء فيه, وذي أحدوثتي أدرجها في أحاديث الوطن و الزمن المتحول, فإن طالت غيبتي وتباطأت مقالتي, فاعذروني والعذر عند الكرام مقبول, فمؤنة الزواج تكسر القلم وتستنزف الفكر أمدا من الدهر يطول. وإني أكتب إليكم وفي عقلي قامت معارك استحر في أهلها القتل, لكنني أمضيت العزيمة ولا أريد أن أكون كالغوازل ينقضن من بعد قوة الغزل, والله يعوضنا ما يفوت من العلم في عهد الحداثة, وثنائي عليكم جميعا أهل الأخلاق الواسعة والدماثة. وأقول لحبيبنا وأستاذنا أبي الفداء زهير: إني والله أحبك في الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته | 1 - يوليو - 2007 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |  | من لانت كلمته وجبت محبته كن أول من يقيّم
شكر الله لمولانا بنلفقيه-أكرمه الله- هذا المشموم من الأمثال والفرائد من الأقوال وهي كالعين التي يشرب منها الناس, وإنها لتأخذ بالهمة رفعا إلى السماء, كما تسبح السابحات صُعدا في الأجواء. فدعني أقبس من لباب هذه الحكم التي لا تبطل على تطاول الأيام ولا تخلق على مرور الزمن. والشكر للأستاذة العزيزة علينا ضياء- حفظها الله- على كلماتها الرقيقة الممشوقة, وألفاظها الأنيقة المختارة, ولقد أشبه كلامها بكوراة النحل فيها لذيذ العسل, ونفيس الشهد. أما قصيدة شاعرنا زهير الأخيرة- جعلت فداه- فقد كنا نرقبها في الليالي الطوال, ونتوقع بزوغها بالغدو والآصال, فلما وقعت إلينا كان وقعها في نفوسنا كوقع المطر بالأرض الماحلة, والمفازة القاحلة, وإني رأيته أنفق فيها المعاني على وجهها, وسبك الألفاظ في قوالبها, حتى إنك لترى البيت يهش إلى أخيه هشا, فيضحك الحسن في وجه سعيد, ويتراءى خيال عبد الحفيظ من قطرات الندى ورونق براقها القافز الوثاب, ثم وهو منصرفة قواه إلى دقة وصف غوائل تموز وفجائع آلامه, وامتلاء حسه بعظائم بلاياه ووقائعه, فإنك -كما هي عادته في قصائده وسنته في فرائده- تتلمح خيال ضياء يفيض على المعاني والقوافي من أول القصيدة إلى آخرها, وكأنها هيكل يرفعه أولاً, أو بناء يشيده, فإذا قام في نفسه مقام البناء الأشم, وانتشر في نفسه انتشار الضياء في التياث الظلم, خلع نعليه ودخل يبث فيه الرثاء والشكوى ووصف الفجيعة. وللكلام على شعر شاعرنا مقام آخر غير هذا, ونَفَساً مطمئنا ومزاجا معتدلا, حتى يوفى حقه من الاستقصاء, وينزل به في المنازل اللائقة بعبقريته, استجلاء لسره, واستنطاقا لنبوغه, ولست أرضى حتى ينال شعره الغاية التي يستحقها. وإنه لمن معايب الزمان وأمارة الوهدة والسقوط عليه: أن الحذق والنبوغ والشهرة والألقاب والأوصاف..كل ذلك (تأدلج), وأنا أوشك أن أجزم لو أن زهيرا نظم قصائده في هدم مبادئ الدين وحشاها بديناميت اللائكية لتواقعت عليه أصناف من هؤلاء الغوغاء المستوفزين للفتنة, والمستشرفين للفساد, ولأخرجوه من مكان إلى مكان, وطرحوه من شبه غمرة إلى تمام شهرة, لأنه حينئذ يكون جمع نبوغ الفكر إلى سوء القصد, وتمام المنة إلى فساد المعتقد. وإذا توخيت لذلك مثلا لن تجد خيرا من قول ابن المقفع في كليلة ودمنة: إن الرجل الأديب الرفيق لوشاء أن يبطل حقا أو يحق باطلا لفعل, كالمصور الماهر الذي يصور في الحيطان صورا كأنها خارجة وليست كذلك, وأخرى داخلة وليست بداخلة. فكان شاعرنا ذلك الأديب الرفيق الذي أراه الله الحق حقا والباطل باطلا, وأراهم هو غباره ومضى متقدما مستغنيا, فليرجعوا ليغسلوا أعينهم, والعاقبة للمتقين. | 3 - يوليو - 2007 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |  | المختار من الطبائع1 كن أول من يقيّم
صرخةُ الكواكبي: 
هذه باكورة فقر مختارة بعناية من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعبداد لغطريف الشام وثائر العرب الإمام العلم السيد عبد الرحمن الكواكبي طيب الله ثراه:
نعم, لولا حلم الله لخسف الأرض بالعرب, حيث أرسل لهم رسولا من أنفسهم أسّس لهم أفضل حكومة أسست في الناس, جعل قاعدتها قوله: كلكلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) أي كل منكم سلطان عام ومسؤول عن الأمة. وهذه الجملة التي هي أسمى وأبلغ ما قاله مشرع سياسي من الأولين والآخرين, فجاء من المنافقين من حرّف المعنى عن ظاهره وعموميته, إلى أن المسلم راع على عائلته ومسؤول عنها فقط, كما حرَّفوا معنى الآية: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) إلى ولاية الشهادة دون الولاية العامة. وهكذا غيروا مفهوم اللغة, وبدَّلوا الدين, وطمسوا على العقول حتى جعلوا الناس ينسون لذة الاستقلال, وعزة الحرية, بل جعلوهم لا يعقلون كيف تحكم أمة نفسها بنفسها دون سلطان قاهر.
وكأن المسلمين لم يسمعوا بقول النبي عليه السلام: الناس سواسية كأسنان المشط, لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى), وهذا الحديث من أصح الأحاديث لمطابقته للحكمة ومجيئه مفسرا الآية: إن أكرمكم عند الله أتقاكم), فإن الله جلَّ شأنه ساوى بين عباده مؤمنين وكافرين في المكرمة بقوله: ولقد كرّمنا بني آدم) ثم جعل الأفضلية في الكرامة للمتقين فقط. ومعنى التقوى, لغة ليس كثرة العبادة كما صار ذلك حقيقة عرفية غرسها علماء الاستبداد القائلين في تفسير (عند الله) أي في الآخرة دون الدنيا, بل التقوى, لغة, هي الاتقاء أي الابتعاد عن رذائل الأعمال احترازاً من عقوبة الله, فقوله: إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم) كقوله إن أفضل الناس أكثرهم ابتعادا عن الآثام وسوء عواقبها.
وقد ظهر مما تقدم أن الإسلامية مؤسسة على أصول الحرية برفعها كل سيطرة وتحكُّم, بأمرها العدل والمساواة والقسط والإخاء, وبحضها على الإحسان والتحابب, وقد جعلت أصول حكومتها: الشورى الأريستوقراطية, أي شورى أهل الحل والعقد, في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم, وجعل أصول إدارة الأمة: التشريع الديمقراطي أي الاشتراكي( قلت طه:يعني بالمشاركة وليس الاشتراكية المذهب الاجتماعي المعروف) حسبما يأتي فيما بعد, وقد مضى عهد النبي عليه السلام وعهد الخلفاء الراشدين على هذه الأصول بأتم وأكمل صورها. ومن المعلوم أنه لا يوجد في الإسلامية نفوذ ديني مطلق في غير مسائل إقامة شعائر الدين, ومنها القواعد العامة التشريعية التي لا تبلغ مائة قاعدة وحكم, كلها من أجلِّ وأحسن ما اهتدى إليه المشرعون من قبل ومن بعد.
ولكن واأسفاه على هذا الدين الحُرّ, الحكيم, السهل, السمح, الظاهرة فيه آثار الرقي على غيره من سوابقه, الدين الذي رفع الإصر والأغلال, وأباد الميزة, والاستبداد, الدين الذي ظلمه الجاهلون فهجروا حكمة القرآن ودفنوها في قبور الهوان, الدين الذي فقد الأنصار الأبرار, والحكماء الأخيار, فسطا عليه المستبدون والمترشحون للاستبداد, واتخذوه وسيلة لتفريق الكلمة وتقسيم الأمة شيعا, وجعلوه آلة لأهوائهم السياسية فضيَّعوا مزاياه وحيَّروا أهله بالتفريع والتوسيع, والتشديد والتشويش, وإدخال ما ليس منه فيه كما فعل قبلهم أصحاب الأديان السائرة, حتى جعلوه ديناً حرجاً يتوهم الناس فيه أن كل ما دونه المتفننون بين دفتي كتاب ينسب لاسم إسلامي هو من الدين, وبمقتضاها لا يقوى على القيام بواجباته وآدابه ومزيداته, إلا من لا علاقة له بالحياة الدنيا, بل أصبحت بمقتضاها حياة الإنسان الطويل العمر, العاطل عن كل عمل, لا تفي بتعلم ما هي الإسلامية عجزا عن تمييز الصحيح من الباطل من تلك الآراء المتشعبة التي أطال أهلها فيها الجدال والمناظرة, وما افترقوا إلا وكل منهم في موقفه الأول يظهر أنه ألزم خصمه الحجة وأسكته بالبرهان, والحقيقة أن كلاًّ منهم قد سكت تعبا وكلالاً من المشاغبة. | 16 - يوليو - 2007 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
|