سيرة حياة (8) المقالات السودانية {3} كن أول من يقيّم
أنا لا أحاول أن أقول إننا يجب أن لا نألم إذا سمعناهم يلحون فى إنتقادنا ، فشىء طبيعى أن يألم كل إنسان حين يذكر له نقصه ، ولكنى أريد أن أقول إنه يجب أن نتمالك غيظنا وسخطنا ، وألا نصيب هؤلاء المصلحين ، بالأذى القولى ووالمادى ، ثم لاندرك خطأنا ولانتبين حرصهم الصادق على ما فيه خيرنا إلا بعد موتهم ، فننصب لهم التماثيل الصماء ونقيم لهم حفلات الذكرى ونتحسر على ما قدمنا لهم من إساءة ، ولات حين ندم 0
فى الشهر الماضى ألقيت محاضرة بدار الثقافة ، أسميتها (الثقافة العربية بين المقلدين والمجددين) 0وضمنتها إحدى هذه الحقائق المؤلمة ، وهى أن ثقافتنا المعاصرة على غاية من الفقر 0وذكرت لهذا الثقافى الشديد سببين جوهريين 0أولهما أننا أهملنا تراثنا من الثقافة العربية ، فلم نعد ندرسه ، ولم نعد نهتم به حقا ، إنما اكتفينا بالتشدق بهذا التراث ،والتغنى بما كان لأجدادنا من ثقافة ، دون أن نعرف من هذه الثقافة شيئا 0والسبب الثانى أننا لم نطلع من ثقافة الغرب إلا على أحطها واتفهها ، وأشدها مياعة وهزالا ، ولم ندرس ما للغرب من ثقافة حقة متينة ، علمية وأدبية 0
أنا أعجب أشد العجب ، كيف يستطيع إنسان أن ينكر هذه الحقيقة ، أن ينكر أننا جهلاء شديدو الجهل ، جهلاء بثقافة الغرب الصحيحة ، جهلاء بالثقافة العربية البديعة 0
كم منا درس الكندى ، والفارابى ، وابن سينا ، وابن رشد ??
كم منا درس البيرونى ، والرازى ، وابن خلدون ???
هؤلاء الذين يحتفل بهم المستشرقون احتفالا ، ويتقنون كتبهم إتقانا ، ويطبعونها طبعات هى آية فى العناية المدققة وفى الجهد السخى وفى الأمانة 0
كم منا حاول أن يقرأ ديوان زهير بن أبى سلمى ، أو ديوان عمر بن أبى ربيعة ، أو ديوان أبى نواس ، أو لزوميات أبى العلاء ، ولم يكتف بقطعهم المشهورة التى توجد فى الكتب المدرسية ??
بل ، كم منا ، نحن الذين ندعى أننا مسلمون ، اهتم بدراسة القرآن دراسة جدية ، فلم يكتف بتلاوته تلاوة لا تفهم فيها ، بل توقف عند معانى الألفاظ ، وأسباب النزول ، والملابسات التاريخية التى أحاطت بتعدد سوره وآياته ، والتى بدونها لا يمكن أن يفهم حق الفهم ???
فإذا كنا أهملنا تقافتنا القديمة إلى هذا الحد ، فكيف يحق لنا أن نتباهى بأجدادنا دون أ ن تكون لنا ثقافة حديثة إذا لم تبن على أساس من ثقافتنا القديمة ???
وكيف تكون هذه الثقافة الحديثة إذا اكتفينا من هذه الثقافة الغربية العظيمة بهذه السخافات الحقيرة التى يفردها بالترجمة أكثر مترجمينا ، وبهذه القصص الشهوانية التى ما هى من الأدب الصحيح فى شىء ، |