البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات وحيد الفقيهي

 1  2  3 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
مشكلة الغزالي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

قرأت بإمعان ما كتبته الأخت شادية حول العقل العربي. وما أثارني حقا دفاعها المستميت عن أبي حامد الغزالي...وردوده على الفلاسفة ـ تكفيرهم وتبديعهم في قضايا عديدة لا مجال لذكرها في هذا المقام. أعتقد أن أبا حامد في سياقه التاريخي شكل علامة في خريطة ما سماه الدكتور محمد عابد الجابري بالعقل المستقيل الذي مازال يخيم بظلاله على كثير من أنماط فكرنا ومسلكياتنا. وبالرغم من ردود ابن رشد في كتابه ( تهافت التهافت) على الغزالي فإن لحظة ابن رشد ـ أي لحظة التنوير والعقلانية ـ اختنقت في مهدها في ديار الأندلس؛ في الوقت الذي استمرت فيه لحظة الغزالي بكل ما تنطوي عليه من غنوص وعرفانية بقدر ما تهاجم العقل تعانق اللاعقل متجليا في سلبية التصوف. وهو ما تجلى في مسار حياة الغزالي نفسه. أعتقد أننا في حاجة إلى استعادة اللحظات المشرقة في تاريخنا الفلسفي. وتمثل لحظة ابن رشد أبرز إشراقة في خريطة الفكر العربي. إنها تقابل لحظة أرسطو في الفكر اليوناني. مع فارق كان التاريخ فيه ماكرا.

نحن أحوج ياسيدتي إلى نمط من التفكير بقدر ما يجعل الحداثة تترسخ في مسلكياتنا يخلصنا مما علق بتراثنا من شوائب ورواسب تبرأ منها أصول هذا التراث. وللحديث بقية وللقلب سعة لتلقي الرد.

الفقيهي 23 يناير 2006. fakihi64@hotmail.com 

23 - يناير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
بين الغزالي وابن رشد    كن أول من يقيّم

 

مع الانتشار النسبي للتعليم, وأمام متغيرات الواقع, كان من الطبيعي أن يسأل المسلمون عن قضايا الدين ومعاني النص. ولم يكن كل الصحابة ـ كما يقول ابن خلدون ـ مؤهلين لإصدار الفتوى وإعطاء التفسير, والتمييز بين الناسخ والمنسوخ, والمحكم والمتشابه, بل كان الأمر يقتصر على فئة معينة هي التي سميت بـ "القراء" باعتبارهم حفظة القرآن, قراءة وجمعا, وحملة العلم الإسلامي الأول. وكان السائد عندهم أن ?الأقرأ هو الأعلم? , وبالتالي فالأفضلية في القراءة تستلزم الأفضلية في العلم. وانطلاقا من هذا الدور سيعتبر "القراء" الرعيل الأول لعلماء الإسلام الأصوليين, أي الفقهاء الذين سيوجهون اجتهادهم فيما بعد, بل وفي كل زمان, إلى إرجاع الواقع جملة وتفصيلا إلى النص الديني..وإذا كان القراء هم "حفظة النص", فإن الفقهاء سيتخذون من هذا النص الأصل الأول للتشريع. وسيكون الفقيه, بذلك, هو صانع الحضارة الإسلامية, من حيث أن الفقه سيحتل الدرجة الأولى ضمن منتجات هذه الحضارة كما وكيفا, وسيصبح موجها ومنظما للسلوك العملي للفرد والجماعة, وسيؤثر بالتالي في سلوكه العقلي, أي في طريقة تفكيره وإنتاجه الفكري. وإذا كان الشافعي بوضعه لأصول الفقه يعتبر المشرع الأول للعقل البياني العربي, فيمكن القول, من باب المقارنة, إن تأثير "هذه الأصول" في تكوين وفعالية العقل العربي لا يقل عن تأثير "قواعد المنهج" التي وضعها ديكارت بالنسبة لتكوين العقل الأوروبي. وإذا كان النص في حضارة الفقه هو المركز أو المقياس الثابت الذي يجب أن تضبط وفقه إيقاعات وتغيرات الواقع بحكم سلطته المعيارية, فإن إنسان هذه الحضارة لن يكون بإمكانه أن يفكر إلا بالنص ومن خلاله ومن أجله, أي لا يمكن أن يفكر إلا بطريقة بيانية. لذلك ?لم يكن عجبا والحالة هذه أن تكون صفة البيان في هذه الثقافة هي العنصر المحدد لماهية الإنسان?لقد تحدد الإنسان في هذه الثقافة باعتباره كائنا لغويا, باللغة تتلخص ماهيته, إذ بواسطتها تمتد الأسباب بينه وبين الوجود, بها يتدبر الأدلة ويؤسس لمنهج النظر فيها, وبها ينتقل من معاناة الفكر إلى معاناة العبارة عنها?(النويري). بهذا المعنى يمكن القول بأن الإنسان الذي شكلته هذه الحضارة هو إنسان بياني في تفكيره, لا يفكر إلا تحت سلطة النص الذي ينطوي على باطن يحتاج إلى تأويل, ويحمل حكما يحتاج إلى استنباط, كما لا يفكر إلا بتوجيه من سلطة سلف تتحدد في الخبر والإجماع والاجتهاد والقياس. إن الإنجاز الذي حققه العقل العربي في مجال الفقه لم يكن فقط تشريعات توجه وتضبط السلوك, بل كان عبارة عن قيود تؤطر العقل وتحد من من نشاطه داخل إطار غير قابل للاختراق.

مجمل القول إذن, إن نموذج الإنسان البياني بدأ يتشكل مع ظهور "القراء" كفئة ذات مكانة في سلم الهرم الثقافي والاجتماعي والسياسي باعتبارها تحمل العلم الأول, ثم حلت محلها فئة "العلماء الأصوليين"/ الفقهاء التي عملت على ترسيخ الأصول الفقهية والقواعد البيانية المؤطرة لعقل وسلوك الإنسان البياني, وهو التأطير الذي كان, وما يزال في صلب أهداف ومضامين وطرق التعليم السائدة في كل مناطق العالم العربي الإسلامي. لكن تاريخ تشكل هذا النموذج البياني في الحضارة العربية الإسلامية لم يكن في منأى عن تأثير مرجعيات ومنظومات فكرية غير تلك التي حملها النص الديني والفقه المتمركز حوله. ويمكن إبراز هذا التأثير من خلال لحظيتين حضاريتين: الأولى استمرت في عقل الإنسان البياني, والثانية اختنقت في مهدها.

أما اللحظة التي استمرت فيمثلها أبو حامد الغزالي الذي هاجم الفلاسفة وأصدر فتوى في تكفيرهم وتبديعهم, كما أفرغ المنطق من مضمونه ليوظفه كآلية جدلية دفاعا عن كلام الأشعري وفقه الشافعي, وأنكر وجود السببية كمبدأ عقلي بديهي?إلخ, ثم انتهى في نهاية المطاف إلى تبنى الهرمسية في رؤيته الصوفيه وفي قراءته للنص الديني, كما انتهى إلى العزلة الفكرية والصمت الإيديولوجي بعد احتلال القدس من الطرف الصليبيين. هكذا توارى العقل وقدم استقالته فكرا وسلوكا. ?فهل نحتاج بعد هذا إلى القول بأن انتصار "العقل المستقيل" في الغزالي قد خلف جرحا عميقا في العقل العربي مازال نزيفه يتدفق, وبشكل ملموس, من كثير من "العقول" العربية الآن??(الجابري). لكن بموازاة مع هذه اللحظة "الجارحة" انبثقت لحظة أخرى في الأندلس كان قد دشنها ابن حزم ، ثم نضجت مع ابن رشد الذي سعى إلى نقد وتجاوز عرفانية الغزالي وتخليص العقل البياني مما علق به من الهرمسيات الصوفية, وتأسيس علاقة جديدة بين البيان والبرهان في سياق الفضاء العقلي الذي فكر فيه. لكن هذه اللحظة سرعان ما انطفأت شرارتها واختنقت في المهد؛ إذ بعدها مباشرة ظهرت إلى السطح تيارات باطنية (ابن عربي) كانت من قبل تؤسس ذاتها في الخفاء, كما ازدهرت الطرق والطقوس الصوفية, وأصبح الفقه تمارين ذهنية صورية, وهيمنت الرؤية الأشعرية في فهم العقيدة, وتحول المنطق إلى صناعة شكلية ?إلخ. وبهذا الانتصار الذي حققه "العقل المستقيل", وبهذا التراجع الحضاري الذي تعرض له التشريع الفقهي والتفكير الديني والتفكير الفلسفي, بدأ "الإنسان البياني" يتوارى تدريجبا عن ساحة البناء الحضاري الإنساني, ليقبع تحت أغلفة سميكة من التشريعات الفقهية والشروح اللغوية والحالات الصوفية ( حسن حنفي). وبذلك دخلت الحضارة العربية الإسلامية, في المشرق والمغرب, مرحلة أخرى ستكون فيها السيادة للمتصوفة ومشايخ الطرق والفقهاء والنحاة والمتكلمين المتأخرين المحافظين على جمود التقليد. أما شرارة التجربة الأندلسية, الرشدية بالخصوص, والتي كانت مسنودة بالعلم العربي الذي لم يجد تربته الخصبة في موطنه الأصلي,  فقد انتقلت وانتشرت فيما وراء الأندلس من الضفة الأخرى, أي أوروبا التي كانت غارقة في عصورها الوسطى. وبدا مفعول الشرارة  قويا مع وصول العلوم اليونانية والعربية إلى أوروبا الشمالية في القرن الثاني عشر والتي غيرت رؤية الإنسان الغربي إلى ذاته والعالم والمجتمع بشكل عميق. ومن أهم ملامح هذا التغيير ظهور مجموعة من المثقفين عرفوا باسم "الرشديين اللاتين" الذين وظفوا نظرية ابن رشد في العلاقة بين الدين والفلسفة لتأكيد استقلال سلطة العقل عن سلطة الكنيسة, وهو التوظيف الذي تطور إلى دعوة الفصل بين الكنيسة والدولة.

الفقيهي

1 - فبراير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
علم النفس حديث النشأة    كن أول من يقيّم

يبدو لي أن الحسم في تقرير وجود علم نفس ـ كنسق علمي ـ في تراثنا العربي الإسلامي موقف متسرع إلى حد كبير...نعرف جميعا أن علم النفس كباقي العلوم الإنسانية الأخرى لم يتأسس إلى في القرن 19 في أوروبا بالخصوص. وما يوجد قبل هذا التاريخ ـ سواء عندنا أو عند غيرنا ـ ليس إلى تصورات حول النفس الإنساني محكومة بخلفيات دينية ( عندنا)، أو فلسفية عند اليونان قديما، أو أسطورية(عند شعوب الحضارات القديمة). لعل السؤال الذي ينبغي طرحه للنقاش هو هل لدينا اليوم علم نفس عربي مؤسس ومتميز في أهدافه ومنظومته ومناهجه واستشرافاته?

4 - فبراير - 2006
علم النفس في التراث العربي الإسلامي
اقتراح    كن أول من يقيّم

أقترح عليك أخي موفق موضوعا جديدا يتأسس على نظرية جديدة تحتاج منك إلى مجهود مضاعف للاطلاع عليه. النظرية هي الذكاءات المتعددة لعلم النفي هاوارد جاردنر. أما الموضوع العام الذي أقترحه عليك: (حدود منظومات التقويم السائدة والإمكانيات التي تقدمها نظرية الذكاءات المتعددة). هي صيغة عامة للموضوع تحتاج طبعا إلى تصفية وتدقيق تبعا لمدى اطلاعك على الأدبيات السائدة حول الموضوع.

4 - فبراير - 2006
ابحث عن موضوع رسالة ماجستير
الذكاء بين العلم والتاريخ    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

أشكر الأستاذة الفاضلة خولة على تعقيبها العلمي الرصين؛ وأنوه بموقفها حول مرجعيات الذكاء في تراثنا العربي الإسلامي.

أود ـ أستاذتي ـ أن ألفت الانتباه إلى أنه رغم كل المقاربات السيكولوجية التي درست وفسرت الذكاء؛ كان دائما هناك تردد مزدوج. يتعلق الأول بتردد علماء النفس على تسمية ووصف "القدرات" و"العوامل" بنعت "ذكاءات". لقد حسم جاردنر هذا النقاش ووصف القدرات الموسيقية والجسمية الحركية والفضائية البصرية بالذكاءات. أي أنه اعترف بها ومنحها شرعيتها مثلما هو الأمر في الذكاء اللغوي. الأمر الثاني أن الباحثين ـ ثورستون؛ كاتل؛ جيلفورد وغيرهم ـ ظلوا وفيين لاختبارات الذكاء الكلاسيكية التي تقوم عادة على الورقة والقلم؛ وهي الاختبارات التي تجد نموذجها الأصلي الأول في مقياس بينيه.

وأود الإشارة كذلك إلى عدم وجود اتفاق بين علماء النفس في تحديد هذا المفهوم. وقد وصل الاختلاف إلى حد التناقض أحيانا. لقد كان قصدهم الارتقاء من التعدد العيني وكثرة الظواهر والمؤشرات إلى وحدة دلالة المفهوم. وعرفت محاولاتهم لتحقيق هذه الوحدة ـ خلال تاريخ بناء المفهوم ـ لحظات متوترة ومتداخلة.  في سنة 1921, طلبت (مجلة علم النفس التربوي) الأمريكية من أربعة عشر سيكولوجيا تحديد مفهوم الذكاء, فقدموا أربعة عشر تعريفا مختلفا, هذه بعض منها..

كولفان     S.S.Colvin  " الذكاء هو تعلم أو القدرة على تعلم التكيف مع الوسط"

هنون V.A.C.Hennon  "الذكاء هو استعداد للمعرفة والمعرفة المكتسبة"

بيترسون    J.Peterso ": الذكاء  آلية بيولوجية تنتقل وتتحول من خلالها الأفعال الناتجة عن  المثيرات   المعقدة إلى فعل موحد يتمثل في السلوك"

ثورستون L.L.Thurstone": الذكاء هو القدرة على كبح تكيف غريزي. وهو قدرة على إعادة تحديد تكيف         غريزي على ضوء المحاولات والأخطاء المتخيلة. وهو قدرة الإرادة على تحقيق تكيف غريزي معدَّل داخل السلوك لمصلحة الفرد باعتباره حيوانا اجتماعيا"

تيرمان  L.M.Terman    "الذكاء هو القدرة على التفكير المجرد"

ثورندايك E.L.Thorndike   "الذكاء هو القدرة على تقديم استجابات صحيحة بالنسبة للحقيقة أو الوقائع"

وودروو  H.Woodrow  " الذكاء هو  قدرة على التعلم, أي القدرة على اكتساب القدرة "

بينتنر  R.Pintner    " الذكاء هو القدرة على التكيف على نحو مناسب مع المواقف الجديدة "

ديربورن  W.F.Dearborn                 " الذكاء هو القدرة على التعلم والاستفادة من التجربة".

 

     لقد كشف الاستطلاع أنه بقدر تعدد المستجوبين من العلماء تعددت معاني الذكاء. وفي سنة 1986 نظم استطلاع آخر همَّ 24 عالم نفس, طُلب منهم فيه تعريف مفهوم الذكاء, حيث تم رصد 27 خاصية استعملت في تحديد الذكاء. لكن ما أثار الدهشة أنه ـ من بين مجموع تلك الخاصيات ـ لم تُسجل ولو خاصية واحدة وقع حولها إجماع وذُكرت من طرف الجميع. أما الخاصية الأكثر تكرارا وترددا فقد ذكرت فقط من طرف نصف مجموع المشاركين.. والملاحظ أن معظم التعاريف ربطت الذكاء ببعده الوظيفي, أي بعملية التكيف الذي يتجلى في تشكيل سلوكات مرتبطة بوضعيات معينة مستقلة نسبيا عن الشروط والمحددات البيولوجية. ولذلك فتعريف الذكاء بأنه القدرة عن التكيف مع وضعيات جديدة, أو القدرة على حل المشكلات, أو القدرة على الفهم والتعلم, هو تعريف يتأسس على اعتبار الذكاء تكيفا. تلك هي نقطة الالتقاء بين علماء النفس. لكن التكيف مفهوم عام يحتاج إلى نوع من التحديد الإجرائي الدقيق. ويبدو أنه في هذا المستوى يبدأ الاختلاف والتباين بين أطراف العائلة السيكولوجية. والمفارقة أنه بمجرد الشروع في مثل هذا التحديد الإجرائي ننتقل من التعريف الوظيفي (الذكاء تكيف) إلى التعريفات التي تركز على الإنجازات والأداءات أو السيرورات النفسية أو الشروط والترابطات البيولوجية. واعتبارا إلى شساعة مستويات الذكاء كسلوك تكيفي فإن تخصيصها سيتم بطرق عدة, وبالتالي ليس من الغرابة أن كل طرف سيركز ويعلي من شأن المظاهر التي يدرسها, وهو مؤشر قوي على عدم الاتفاق.

ـ أما فيما يخص تأسيس أو تأصيل موضوع الذكاء في تراثنا، قد لا أخالفك الرأي من المبدأ. لكني أحتاط من الذهاب أبعد والمغامرة بالقول بوجود نظريات خاصة ومتكاملة حول الذكاء. إن ابن الجوزي ـ في تعريفه للذكاء ـ ظل مرتبطا بالمرجعية الدينية التي تربط الذكاء بعملية الفهم؛ كعملية يقوم بها القلب أساسا. يقول? وحد الذكاء: جودة حدس من هذه القوة, تقع في زمان قصير غير ممهل, فيعلم الذكي معنى القول عند سماعه. وقال بعضهم: حد الذكاء: سرعة الفهم وحدته, والبلادة جموده. وقال الزجاج: الذكاء في اللغة تمام السن, ومنه الذكاء في الفهم وهو أن يكون فهما تاما,سريع القبول, وذكيت النار إذا أتممت إشعالها?.  أي أن الذكاء يخضع لمؤشر زمني هو السرعة, حيث يكون الفهم سريعا عندما يحدث في زمان قصير غير ممهل, ويكون ذكيا ذاك الذي "يعلم معنى القول عند سماعه", أو ذاك الذي يفهم الإشارة من العبارة. وإذا كانت سرعة الفهم, أو الفهم الحاصل في زمن قصير, هو المظهر أو المؤشر الأساسي للذكاء, فإن قوام هذا الفهم السريع هو  التلقي الجيد للخطاب, أي إدراك ومعرفة القول عند سماعه. وبهذا سيتحدد الذكاء بالسرعة في الفهم, أي بسرعته في تمثل معنى الخطاب بشكل دقيق وتام. إن الذكي هو المتفوق على غيره زمنيا في استيعاب المعنى, أي في القدرة على الربط بين الدال والمدلول. هاهنا نجد أنفسنا مرة أخرى بصدد تصور أحادي يختزل الذكاء في الفهم عن طريق اللغة.

مع شكري لك الأخت خولة . ولنا عودة إلى الموضوع إن شاء الله.

وحيد الفقيهي

Fakihi64@hotmail.com

6 - فبراير - 2006
هل الذكاء واحد أو متعدد?
ردود وتوضيحات على هامش مقال(بين الغزالي وابن رشد)...3    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

الأستاذ الفاضل يحيى رفاعي...

   يفرض علي أدب الحوار أن أوضح ما التبس عليكم وأفند ما ادعيتم وزعمتم....

  فاجأني ردكم لاعتبارات منها:

أولا: مطالبتكم لي بأن "أستريح وأوفر على نفسي عناء إهانة العرب". لقد نصبتم من أنفسكم قاضيا وجلادا. لقد خدشتم عروبتي وقوميتي...

ثانيا: وصفتم مقالتي بأنها دون مستوى المناقشة(وقد ناقشتموها شاكرين). ورجحت ظنك ـ وما هو براجح ـ بأنها مقالة ليست من بنات عقلي، بل تم "نقلها كما هي من أحد (هكذا) الكتب". لقد جرحتم أمانتي العلمية ونزاهتي في عرض رأيي.

ـ ثالثا: تهجمتم على مفكرين مؤسسين لمشروع فكري بعبارات أنأى بنفسي عن وصف قائلها بما لا يليق وهو يناقش قضايا فكرية راقية. لقد اتهمتم محمد عابد الجابري بالتدليس... وما كنتم إلا بسامعه من بعيد؛ فبالأحرى قارئين له.

ـ رابعا: تحفظتم معاملتي على طريقة معاملة " الشيخ الإرهابي" في فيلم "الإرهابي"، والذي استحضرتموه ـ وعيا أو بدون وعي ـ  في سياق "حوار" يفترض أن يكون "حوارا" عقليا يروم الإقناع. (لا تجادل ياأخ علي)...لقد قلتها يايحيى...بل قلت أكثر منها وأنت تناقش أسباب غياب شروط العقلانية والفلسفة في ساحتنا العربية. اتهمتنا بسب العرب. اتهمتنا بالسطو. طلبت منا الانزواء. اتهمتنا بالتبعية وعدم النزاهة. جعلتني أشك إن كنت ممثلا داخل"منبر للحوار" أم فعلا "داخل محكمة تفتيش لمحاكمة الفكر". أنا أعرف أن للحوار أخلاقياته وضوابطه. وأنت انزلقت وشرعت تتقيأ اتهامات ذات رائحة كريهة. نعم ـ ياأستاذي ـ هي اتهامات تعكس في نظري نزعة هي أقرب "التعالم الفج" في خالة السواء أو "النرجسية المرضية" في حالةالشذوذ. ألم تكتب بأن "أظرف ما قرأته على يد الشاب وحيد...". ولا أدري كم قد أكبرك سنا؛ أو إن كنتَ في سن طلبتي المبتدئين...

وأستغرب من أمرين في مقالتك: أولهما دوغمائية مغلفة بأقساط مشتتة من فتات أفكار مدرسية غير واضحة. وسادية مهترئة تتلذذ بلفظ عبارات لا تناسب مقام المقال. وقد وجدتُني مضطرا أن أعلن هذا مع كل اعتذاراتي لزوار هذا المنبر التنويري الرائع. وأعتبره منبرا "لتنقية" الصالح من الطالح مع تطور النقاش والمطارحة.

الأستاذ يحيى....

أراهن أنك قرأت مقالتي واجتزأتها....انتقيتَ منها ما وجدتَه ملائما لتقديم بعض المعارف المدرسية حول "النص والمعنى" و"المنطق".لمْ تناقشني في جوهر الإشكال. لم تفندْ أطروحتي. صدقني كنتُ أنتظر منك ذلك حتى نرفع معا بالنقاش إلى مستويات أخرى. لكنك انزحت كثيرا لتسقط في "اللاحوار". ابتعدتَ عن القضية وذهبت إلى الشخص. أهملت تشخيص الإشكال وجعلت من الأشخاص مشكلا. ضاعت منك البوصلة أستاذي الكريم.

أعود إلى الإشكال...

مقالتي لم تتحدث إلا عن منطقة صغيرة في معمار العقل العربي الشامخ. هذا العقل تشكل داخل حضارة مخصوصة هي الحضارة العربية الإسلامية. والفقيه هو صانع هذه الحضارة. هاهنا بيت القصيد الذي لم تدركه جيدا.(اعفني ياأستاذ من عبارات الأفلام كالسوبرمان...أو الإرهابي....). أقول: إذا جاز قياس حضارة بإحدى منتجاتها جاز القول بأن الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة فقه بامتياز. إن الفقه تراث يرتبط بحضارتنا؛ مثلما ترتبط الفلسفة بالخضارة اليونانية؛ والعلم والتكنولوجيا بالخضارة الغربية. هذا وصف لواقع معطى وليس حكما قيميا ذاتيا؛ وإلا كنا كمن يجهل ذاته ومكونات كيانه. في مسار تشكل وتطور هذه الحضارة ـ خضارة الفقه ـ تشكل العقل العربي؛ أي تشكلت الآليات الذهنية التي وجهت تفكير الإنسان العربي؛ وما زالت توجهه إلى الآن. ولا نعدم القرائن التي يمكن تقيمها في مناسبات غير هذه. ومعلوم أن الفقه ـ من حيث هو منتجات وآليات ـ أسس قوته الإبيستمولوجية والثقافية كذلك من خلال الاعتماد على مركزية النص الديني. وبحكم أن الثقافة العربية هي في الأصل ثقافة شفاهية، وبحكم أن القرآن يحمل "العلم الأصح" فقد اقتضى الأمر  حفظه عن ظهر قلب

من طرف "طبقة القراء" كمتخصصين قلة. وإذا كانت سلطة وأهمية هؤلاء تدل على المكانة

التي كانمت تعطى تاريخيا لقوة الذاكرة  من أجل التغلب على آفة النسيان خاصة بعد غياب

الحُفّاظ الأوائل نتيجة حروب الفتوحات فقد تم اعتبارهم الرعيل الأول للعلماء، وبالتالي سلفهم

المرجعي, كما مكنهم وضعهم الاعتباري الرمزي،كأصحاب سلطة ثقافية دينية، من ممارسة

 أدوار سياسية تمثلت في الوساطة والتحكيم والتدخل إبان الخلافات والصراعات التي نشبت

في عهدهم ( الثورة على عثمان ـ معركة صفين...) . نعم كان الأقرأ هو الأعلم. أحيلك أستاذي

 الفاضل ـ دون تحديا منكم بل من باب الأمانة  العليمة ـ  على المرجع التالي:(  طاش كبرى

 زاده، مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، دار الكتب العلمية، بيروت، (بدون تاريخ)،

المجلد الثاني، ص. 7. ). وأيضا كتاب علي أومليل (السلطة السياسية والسلطة الثقافي)...ثم محمد

 النويري،( علم الكلام والنظرية البلاغية عند العرب)...

 أنتم ياسيدي اجتزأتم مضامين مقالتي عن سياقها....أنا أفهم المنطق وأدرسه لطلبتي. وأي طالب مبتدئ

يعرف أن المنطق علم صوري...إلخ. لكني لا أفهم كيف غابت عنك معطيات أساسية في تطور المنطق... تأمل هذه المقارنة ...

عندما نفحص حضور منطق أرسطو في الفكر الغربي نجد أنه اكتسى أشكالا من مظاهر التعديل

والتهذيب. فتم فهمه على أنه منطق الكائن ليوظف في الإلاهيات. وفهموه على أنه منطق الرياضيات فتأثر

 بتغيرات وأزمات هذا العلم أزمة الرياضيات في القرن 19). معنى ذلك أن المنطق بقدر ما أثر في

 الحقول العلمية الأخرى تأثر بدوره من تقلبات هذه العلوم. وعليه لا ينبغي التعامل مع المنطق مفصولا

عن سياقه الثقافي العام _ وهي مسألة لا ينتبه إليها الباحثون المبتدئون). الأمر نفسه حدث في الفكر

 العربي. وهو ما فعله الغزالي ياسيدي. صحيح ـ يأستاذ يحيى ـ أننا عندما نتعامل مع منطق أرسطو

 نصادفه نصا عاطلا/مجردا/ فارغا/. لكن خلف هذا النص توجد ثقافة يونانية بمختلف مكوناتها وأصولها.

 وتطفو على هذا النص معارف تراكمت في مجالات اللغة والرياضيات والطبيعيات...إلخ. إن

مادة/مضمون منطق أرسطو هي اللغة اليونانية والبلاغة الشعرية والبرهان الرياضي والخطابة

السياسية...إلخ. وهناك مجالات من هذه العناصر كانت معروفة لدى المسلمين. بل إن المنطق لا ينطوي

 على مادة فقط بل إن دراسته وتدريسه يتأثران بسياق تعليميه وتلقينه. بمعنى أن المنطق مثلما لا ينفصل

 عن مضمونه لا ينفصل كذلك عن طريقة تلقينه. المثال: في الأزهر كان طه حسين يتعلم المنطق مثل

 زملائه المبصرين. لماذا لأنه لم يكن يتطلب إلا تصوره ذهنيا وخفظه عن ظهر قلب باعتبار أن الأمثلة

 مستمدة من اللغة الطبيعية. لكن عندما غدا المنطق رمزيا لا يمكن أن نتصور هذه الطريقة في تعليمه

وتعلمه. لا يمكن اليوم  دراسة المنطق بدون رموز عددية وهندسية. لكن هذا التطور خصل في الغرب.

ولم يكن واردا أن يحصل في سياق ثقافة شفوية.... 

هل علينا مراجعنا منطقنا في التفكير والخطاب حتى نتعلم منطق الحوار الذي يقوم على الإيمان بالاختلاف...?

لنا عودة إلى الموضوع...

    

 

 

 

 

 

 

 

7 - فبراير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
عناصر وخلفيات الإشكالية....    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

تحية من أقصى شمال المغرب إلى جميع المشاركين....

       كان بودي أن أعقب على تعقيب سابق سبق وأن عقب على تعقيبي...لكني رأيت أن المسألة قد لا تجدي شيئا. لاحظت ـ مع الأسف الشديد ـ أن معظم المداخلات المتعاقبة ( والأخيرة بالخصوص) منصبة إما على الإطراء والتقريظ، أو على الاتهام والتبخيس. طريقة وآليات نقاشنا هنا إنما تعكس مظهرا من جوهر الإشكال. إننا نبحث ونتساءل عن غياب شروط الإبداع الفلسفي في مجتمعاتنا العربية. ولعل طريقتنا في التفكير والحجاج والمناظرة هي جزء من هذه الشروط الداخلية. وهي طريقة تتأسس ـ كما أرى ـ على مرجعيات نظرية في التراث، وعلى تراكمات مسلكية في التاريخ.

     معنى هذا أن إشكالية غياب الإبداع الفلسفي العربي إنما ترجع إلى ضربين من العوامل: عوامل خارجية؛ تلك التي تقوم في الشروط التاريخية والاجتماعية والثقافية والكونية التي تحيط بنا. ثم هناك عوامل داخلية؛ تلك التي ينطوي عليها العقل العربي نفسه؛ أي رؤيته للعالم وذاته والآخر،وكذا طريقة تفكيره التي توجهها آليات ذهنية متوارثة.

       الخطوة الأولى الموجهة تفرض علي طرح هذا السؤال: ماذا نقصد بالضبط بالفلسفة? قد لا يختف اثنان أن للفلسفة معنى ثقافي عامي قد نتفق عليه؛ ومعنى أكاديمي خاص نختلف حتما حوله(مثلما اختلف فيه الفلاسفة أنفسهم).

      إذا سلمنا بأن الفلسفة ـ في معناها الثقافي العام ـ هي تلك الرؤية الشمولية التي تنتظم من خلالها تصورات ومسلكيات مجتمع معين في فترة أو فترات تاريخية معينة. إذا كان ذلك كذلك تأدى بنا ذلك إلى القول بأننا العرب ـ مثل باقي الشعوب والمجتمعات الأخرى ـ لنا فلسفتنا؛ متضمنة في النص الديني وفي المدونة اللغوية وفي المتن الفكري التراثي...إلخ. سنكون هنا أمام نسق من المفاهيم والآليات والتصورات والنظريات المنتظمة فيما بينها على المستوى العام.

      لكن إذا أخذنا بالمعنى الأكاديمي الخاص للفلسفة سنجد أن الأمر يختلف؛ وسوف نختلف. إن المسألة هنا أعقد مما قد نتصور. فهناك تعريفات ركزت على الموضوع أو الموضوعات التي يفكر فيها الفيلسوف؛ وهناك غيرها ركز على آليات التفكير أكثر من تركيزها على موضوعات التفكير...إلخ. أمام زئبقية المفهوم يمكن أن نتواضع ونجعل تفكيرنا ـ كتفكير عالم الرياضيات ـ أكسيوميا؛ أي فرضيا استنباطيا. يجب أن نسلم منذ البداية بتعريف ما ـ من إبداعنا أو من إبداع غيرنا. لكن بشروط: أن يكون مؤَسَسا ومؤسِسا. لماذا نصف أرسطو وابن رشد وديكارت وهيدجر فلاسفة? لا نصفهم بنعت الفلاسفة لكونهم تركوا تراثا فلسفيا أو قدموا أطروحات فلسفية مازالت حية حتى اليوم. هناك مؤشر قد نتفق عليه في سياق هذه المحاولة "الأكسيومية" إن جاز القول. إن هؤلاء الفلاسفة أبدعوا مفاهيم فلسفية: أرسطو أبدع مفاهيم الماهية والحركة والقوة والفعل ومفاهيم المنطق...إلخ؛ فلاسفة الإسلام أبدعوا مفاهيم واجب الوجود والأيس والإنية...إلخ؛ ديكارت صاحب الكوجيطو؛ ليبنتز مبدع الموناد؛ الكينونة عند هيدجر...إلخ. وهي مفاهيم شكلت ـ في أعمال هؤلاء ـ اللبنات القوية المؤسسة لفلسفتهم. على هذا الأساس يمكن قبول التعريف الذي اقترحه كل من جيل دولوز وفيليكس كاتاري: الفلسفة هي إبداع للمفاهيم. إن المفاهيم الفلسفية لا تسقط من السماء؛ بل لها مبدعوها وموقعوها؛ مثلما لها سياقها التاريخي وسيرورة تشكلها وتطورها.

      بهذا المعنى الأكاديمي/الخاص هل لدينا فلسفة? هل لدينا فلسفة بالمعنى الذي نقصد به وجود فلاسفة تمكنوا من إبداع وابتكار وصياغة مفاهيم كبرى جديدة مؤسسة للحظات أساسية وحاسمة في تاريخ الفكر. كان كل من أرسطو وابن رشد وديكارت...إلخ لحظات حضارية حاسمة في تاريخ حضارتهم. هل لدينا هذا الصنف من الفلاسفة اليوم?

قبل أن أطرح عناصر للإجابة في المداخلة المقبلة أود أن أعود لحظة إلى تاريخنا من أجل التأمل. فكروا معي: هل كان من الممكن أن يكون لدينا الفارابي وابن سينا وابن رشد لو لم يقرأوا أفلاطون وأرسطو? بمعنى آخر : هل كان من الممكن أن توجد لدينا ما يسمى ب"الفلسفة الإسلامية" ممثلة في الرواد أعلاه لو لم تصلنا الفلسفة اليونانية عبر عمليات الترجمة والشرح التي أشرف عليها في لحظة الدولة نفسها(المأمون وبيت الحكمة)? هل يمكن القول إن الفلسفة الإسلامية هي قراءة ـ فهما وشرحا وتأويلا وتوظيفا ـ للفلسفة اليونانية? ألا تعتبر الإشكالية التي هيمنت على تفكير الفيلسوف العربي ـ إي إشكالية التوفيق بين الفلسفة والدين أو العقل والنقل ـ إشكالية تعكس لقاء حضاريا مع نمطين من التفكير: ديني وفلسفي? هل لدينا في الماضي فلسفة خالصة كي نؤسس عليها فلسفة راهنة? هل أبدعنا كي نبدع اليوم?

     

12 - فبراير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
وقع/سلطة الذاكرة في حضارتنا    كن أول من يقيّم

تحية مجددة بكل ألوان اليراع

بالرغم من غيابي الاضطراري عن متابعة النقاش حول موضوع هذا المنبر، إلا أني كنت أقرأ باستمرار بعضا مما يستحق القراءة من طرف بعض أصدقاء وصديقات أكن لهم ولهن عظيم التقدير لتمكنهم ومثابرتهم على تقديم إضاءات جعلت النقاش يستشرف أبعادا عديدة وواسعة.

سأعود مرة أخرى إلى إحدى السمات التي تميز ثقافتنا والتي شكلت طريقة تفكيرنا، وبالتالي الآليات الذهنية للعقل العربي. أعني سلطة الذاكرة.

إذا اعتبرنا أن الثقافة العربية الإسلامية ثقافة نص، وإذا كان هذا النص وحيا نزل في بيئة لم تكن الكتابة والقراءة فيه منتشرتين، ولم تكن فيه النصوص مدونة، أدركنا الأهمية التي سوف يعطيها القرآن لفعل القراءة، وأدركنا أيضا فعالية الاستراتيجية التي سينهجها الجيل الأول في ترسيخ مهارات الذاكرة. إن القرآن حين ينوه بالقراءة والتعليم بالقلم أو الكتابة، موجها خطابه لنبي أمي في وسط ثقافي لم يعرف مثل هذه الوسائل التعليمية،  فلأنه يعتبر تلك الوسائل ضرورية لتكوين جيل ينهض بمهمة نشر العقيدة وقيادة البشرية(سيد قطب). ولعل مدح القلم كوسيلة إنسانية للمعرفة هو ما يفسر اهتمام النبي بحفظ القرآن مكتوبا. ولكي نفهم العمق التاريخي لهذا الموقف من فعل القراءة نشير إلى أن القرآن، وهو يؤسس لخطاب جديد، كان يخاطب وسطا ثقافيا كانت فيه عادة السماع وقوة الحفظ من طرف المتلقي، وعادة الإلقاء وحسن الفصاحة من طرف المرسل، المعايير الأساسية في تقدير الذكاء. لذلك كان المهارات المميزة فيما يسمى "بالعصر الجاهلي" هو هي المهارات اللغوية، متمثلة في مهارات نظم الشعر والقدرة على الخطابة، وذلك اعتبارا إلى أن الحدود الفنية الفاصلة بين الشعر والخطابة لم تكن قائمة في فترة الجاهلية البعيدة عن فترة ظهور الإسلام، مثلما أن الحدود بينهما من حيث الوظيفة الاجتماعية لم تكن قائمة كذلك بالطبع(حسين مروة).ويمكن التدليل على دعوى هيمنة المهارات اللغوية عند العرب في هذه الفترة بعدة معطيات:

.    أولها نفسي، يتمثل في عفوية الكلام وقوة الحفظ. ففي مقارنته بين العرب وغيرهم من الشعوب يؤكد الجاحظ أنه إذا كان اليونان عُرفوا بالفلسفة، فإن العرب والفرس اشتهروا بالخطابة، إلا أن الفرق بينهما أن كل كلام للفرس إنما هو عن طول تفكر واجتهاد ودراسة، في حين هو عند العرب بديهة وارتجال، وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة، وكان خطباؤهم للكلام أوجد، والكلام عليهم أسهل، وهو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى تحفظ، ويحتاجوا إلى تدارس، وليس هم كمن حفظ على غيره، واحتذى على كلام من قبله، فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم، والتحم بصدورهم، واتصل بعقولهم، من غير تكلف ولا قصد، ولا تحفظ  ولا طلب(البيان والتبيين).

ثانيها اجتماعي، يتمثل في دور ومكانة الشاعر الخطيب داخل قبيلته. ففي الوسط العربي ما قبل الإسلام كان للشاعر والخطيب امتياز في السُّلَم الاجتماعي، حيث كانا يعتبران زعيمي القبيلة في السلم وبطليها في الحرب. وكانت القبيلة إذا نبغ فيها شاعر، تقيم الأعياد والولائم وتتوافد إليها القبائل لتهنئها بمن سيقودها بأقواله، ويذود عن شرفها، ويخلد مآثرها. لقد كان معيار الذكاء مجسدا في مدى قوة القريحة في نظم الشعر والبراعة في الخطابة.

.ثالثها تاريخي، يتمثل في طريقة مواجهة العرب للدين الجديد؛ وهي المواجهة التي تميزت بقوة الجدال، والقدرة على الخصام، والشدة في المحاورة، كما ورد في وصف القرآن لهم. وقد كان طه حسين صادقا ـ فيما نرى ـ حين استنكر أحكاما تطلق على عرب "الجاهلية"رافعا علامة التعجب ?أفتظن قوما يجادلون في هذه الأشياء جدالا يصفه القرآن بالقوة ويشهد لأصحابه بالمهارة، أفتظن هؤلاء القوم من الجهل والغباوة والغلظة والخشونة بحيث يمثلهم لنا هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين?! كلا ! لم يكونوا جهالا ولا أغبياء، ولا غلاظا ولا أصحاب حياة خشنة جافية، وإنما كانوا أصحاب علم وذكاء(في الشعر الجاهلي). ولذلك ?حين تحدى القرآنُ الشعرَ الجاهلي، تحداه من حيث أنه المثال الكامل للبيان والفصاحة?(أدونيس) . هل حافظ العرب على هذه الخاصية بعد مجيء الإسلام? هل حافظوا على هذا النوع من الذكاء?

بعد مجيء الإسلام لم يعد الشعر موضوع افتخار. لم يعد الشاعر هو النابغة الذي يحتفل به، بل أصبح صوته يخفت ودوره يتراجع ليحل محله من يخدم الدين الجديد، أي فئة القراء والحفظة والعلماء الذين سيحتلون مكانة "ورثة الأنبياء"اعتبارا لدورهم الديني. لكن بعد بناء الدعوة لم يجد العرب حرجا من الرجوع إلى "ديدنهم من الشعر" كما يقول ابن خلدون. لذلك لم يتم القطع مع الماضي الشعري، بل تم كبته مؤقتا من طرف "العقل الديني" لينبعث أمام واقع جديد آخر. وهكذا اتسعت "مساحة الذاكرة" لتربط بين الماضي الشعري وحاضره، ولتمد الحاضر الديني بمستقبله، وبالتالي تم توظيف "القريحة الفطرية" التي تميز بها العرب في نظم الشعر في خدمة العقيدة والجماعة والقيم والأخلاق.بهذا الشكل حافظ مهارات اللغة على قوتها بعد مجيء الإسلام.إن الذي تغير هو وظيفة هذه المهارات، فبحكم أن النص الديني نص موجِّه آمر،ستترك "الذاكرة الشعرية " ـ مباشرة مع الجيل الأول ـ مكانها لـ "الذاكرة الدينية" التي ستكون هي المؤشر القوي على هيمنة الذكاء اللغوي في الثقافة العربية الإسلامية.وهيمنة الذاكرة في المجال العربي الإسلامي يكتسي عدة أبعاد، منها أساسا:

الذاكرة كسلطة مرجعية: إن غياب ظاهرة الكتابة كتقليد في المجتمع العربي جعل القرآن في البداية خطابا شفهيا، ثم أصبح فيما بعد، مع الخليفة عثمان، مصحفا أي مدونة نصية رسمية(أركون). وخلال هذه الفترة الفاصلة بين الخطاب الشفاهي والنص المدون، كان يتم حفظ القرآن أساسا عن ظهر قلب من طرف"طبقة القراء" أو تدوينه مباشرة من طرف "كتاب الوحي". لكن السلطة المرجعية في قراءته وكتابته وروايته وتعليمه وإلقائه وجمعه فيما بعد كانت لطبقة القراء الذين كانوا متخصصين قلة.وإذا كانت سلطة وأهمية هؤلاء تدل على المكانة التي كانت تعطى تاريخيا لقوة الذاكرة من أجل التغلب على آفة النسيان خاصة بعد غياب الحُفّاظ الأوائل نتيجة حروب الفتوحات، فقد تم اعتبارهم الرعيل الأول للعلماء، وبالتالي سلفهم المرجعي.

.الذاكرة كعقل تابع: إذا كانت الذاكرة بالتعريف هي ترسيخ لمعارف حدثت في الماضي، أو نشاط معرفي يقوم على الرواية أي على كلام أوجده المجتمع للتصدي لفكرة الغياب، فإن هذه الذاكرة ـ باعتبارها كذلك ـ تبدأ بالرواية وتنتهي فيها، وذلك دون تدخل فكري في تغيير أو إعادة بناء لمضمون الخطاب موضوع الذاكرة، نظرا للطابع المقدس والثابت لهذا الخطاب. لقد كان دور الخطاب المقدس ـ الكلِم ـ هو أن يشد الوعي الديني إليه...فالتغير المجتمعي في الاعتقاد الديني لا ينبغي أن يغير الوعي الديني، بل إن الوعي الديني هو الذي عليه أن يحكم التغير الاجتماعي( أومليل). هاهنا يبدو أن دور العقل ينحصر في فهم النص ـ الأم باعتباره مصدر كل الاستنباطات المحدودة بمنطوقه أو مفهومه؛ ولذلك ?فالعقل تابع وليس بمتبوع، اللهم بالقدر الذي يسمح به اجتهاده المصيب لفهم وتفهيم الوحي?(أركون). والمعارف التي سينتجها هذا العقل لن تكون إلا "معارف ذاكرية" ما دام أن ?إمكانية العودة إلى الماضي، هي بالتحديد، الصفة التي تميز المعارف الذاكرية بمعناها الحصري عن المعارف المجردة الصرف?(فيو).    

.     الذاكرة كتفكير لغوي: إن الذاكرة ـ خاصة في ثقافة شفاهية ـ ليست فقط عودة ذهنية إلى الماضي، بل هي نمط من التفكير، هي مظهر من مظاهر ممارسة الذكاء، فـفي الثقافة الشفاهية لا تكون الكلمات سوى أصوات، ولا يؤدي ذلك إلى التحكم في أنماط التعبير فقط، بل إلى التحكم في العمليات الفكرية أيضا. فالمرء لا يعرف إلا ما يمكن تذكره...ففي الثقافة الشفاهية الأولية، عليك، لكي تحل مشكلةً، الاحتفاظ بالتفكير المعبر عنه لفظيا، واستعادته على نحو فعال، أن تقوم بعملية التفكير نفسها داخل أنماط حافزة للتذكر صيغت بصورة قابلة للتكرار الشفاهي(أونج). ومن هذه الأنماط التعبيرية: الإيقاع والوزن، وتكرار أو تعارض الجمل، تجانس أو سجع الكلمات، والأمثال...إلخ.بهذا المعنى اكتسبت الذاكرة الدينية أهمية معيارية في تلقي العلم الحق لدى الجيل الأول، خاصة الصحابة الذين كانوا يشكلون ـ كما يقول أركون ـ جيلا متميزا وممتازا. فجميعهم مزودون بذاكرة معصومة ومقدرة عقلية وفكرية مثالية تؤهلهم لأن ينقلوا الآيات القرآنية والأحاديث التي تشرحها وتضيئها بكل إخلاص ودقة وأمانة.

إذا كانت هذه الأبعاد من سلطة الذاكرة قد هيمنت بقوة في الجيل الأول، جيل الصحابة، فإنها ستشكل فيما بعد خصائص انطبع بها تفكير العقل العربي الإسلامي بشكل عام، ولو بدرجات متفاوتة. وفي ذلك حديث آخر.

3 - مارس - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
أصناف الذكاءات    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

أصناف الذكاءات

أشكر جميع من ساهم في إغناء هذه الموضوع الذي يحتاج بالفعل إلى مساهمات واجتهادات ومبادرات عديدة من أجل توفير شروط محفزة لتنمية مختلف مظاهر الذكاء لدى الأطفال والمتعلمين.

قلنا سابقا إن نظرية الذكاءات المتعددة شكلت نموذجا جديدا وقدم إطارا متميزا في تصور وتفعيل القدرات الذهنية الإنسانية. ومن أجل تجاوز المشاكل المنهجية التي تطرحها اختبارات الذكاء، وتجاوز النزعة الغربية المتمركزة التي تقصي تعدد السياقات الثقافية، تعرف هذه النظرية الذكاء بأنه إمكانية بيونفسية تشمل ثلاث عناصر: القدرة على حل المشكلات التي يصادفها الفرد في حياته اليومية؛ والقدرة على خلق أو ابتكار نتاج مفيد أو تقديم خدمة ذات قيمة داخل ثقافة معينة؛ ثم القدرة على اكتشاف أو خلق مشكلات ومسائل تمكن الفرد من اكتساب معارف جديدة. وهو تعريف يقر بضرورة ربط الذكاء بالسياق الثقافي، باعتبار أن طبيعة المشكلات التي يتم حلها وقيمة الخيرات التي يتم إنتاجها تختلف من ثقافة إلى أخرى؛ فهي قد تكتسي قيمة قصوى داخل مجتمع مقارنة مع مجتمع آخر له أولويات أخرى في سلم القيم. وإذا كان الأمر كذلك فإن قدرات الأفراد في حل المشاكل وإنتاج الخيرات ستكون متعددة ومتباينة، ليس فقط بين الحضارات، بل وداخل الحضارة الواحدة.

في كتابه (  Frames of mind) طرح جاردنر سبعة ذكاءات، ثم أضاف فيما بعد ذكاءين ليصبح المجموع تسعة ذكاءات:

1 ـ الذكاء اللــغـــــوي

يعتبر الذكاء اللغوي القدرة الأوسع انتشارا والأعدل توزعا لدى النوع البشري. يتجلى في مستواه البسيط في قدرة الفرد على التعرف على مختلف الحروف الأبجدية والكلمات المعزولة والجمل البسيطة، وفي القدرة على إنتاجها عبر أنشطة الكلام والكتابة. ويتجلى في مستواه المعقد في القدرة على استعمال اللغة بشكل معقد وسليم في التعبير والتواصل، وفي فهم مختلف استعمالات اللغة داخل سياقاتها المتعددة. كما يتجلى في التوفر على قاموس لغوي غني وواسع، واستعماله في الكلام والكتابة لتبليغ الأفكار والمشاعر. أما في مستوى التمكن فيتجلى في القدرة على إبداع أعمال أصيلة، واستعمال الأساليب البيانية المتعددة، والتعامل مع اللغة كلغة واصفة. تتموضع قدرات الذكاء اللغوي بالخصوص في الفصوص الصدغية والجبهية اليسرى (كمنطقة بروكا ومنطقة فرنيك).

2 ـ الـذكــاء الـمـوسـيقــــي

يتجلى الذكاء الموسيقي، في شكله البسيط، في القدرة على التعرف على مجموعة من بنيات الأصوات والأنغام والإيقاعات، والاستجابة لها والتجاوب معها وتقليدها. ويظهر، في مستواه المعقد، في قدرة الفرد على إنتاج الألحان والأغاني السائدة والأصيلة، وإدراك مختلف التأثيرات الموسيقية والإيقاعية، وربطها بالانفعالات والحالات النفسية، والتمييز بين أصناف الموسيقى. وفي مستواه الراقي، يظهر الذكاء الموسيقي في القدرة على استعمال الموسيقى للتعبير عن الأفكار والمشاعر، وتقاسم الحس الموسيقي مع الآخرين، وفهم مختلف القوالب والأشكال الموسيقية والبنيات الإيقاعية، والتمكن من فهم الرموز والمفاهيم الموسيقية. ومعروف أن منطقة القدرات الموسيقية توجد داخل الفص الصدغي الأيمن.

3       ـ الذكاء المنطقي الرياضي

يبدو الذكاء المنطقي الرياضي، في مستواه الأساسي، في قدرة الفرد على القيام بعمليات العد والتصنيف والعكس على موضوعات عينية، وكذا معرفة الأرقام وربط الرموز العددية بما يقابلها من الأشياء، واتخاذ هذه الأخيرة قاعدة للقيام بعمليات استدلالية بسيطة. ويظهر، في مستواه المعقد، في قدرة الفرد على القيام بعمليات وحسابات رياضية منظمة، وتوظيف مجموعة منها في حل المشكلات، وامتلاك تفكير مجرد يعتمد على المفاهيم، وفهم الإجراءات الرياضية والخطاطات المنطقية المختلفة. ويتجلى هذا الذكاء، في مستوى النبوغ، في القدرة على توظيف العمليات الرياضية وإيجاد المقادير المجهولة أثناء حل مسائل معقدة، وفهم واستعمال سيرورات وأنشطة فوق معرفية métacognitives، مع استعمال التفكير المنطقي والقيام في نفس الوقت بالعمليات الاستقرائية والاستنباطية.  وتتموضع قدرات هذا الذكاء في الفصوص الجدارية اليسرى واليمنى، وفي الفصوص الجبهية اليسرى.

4 ـ الـذكــاء الـفضـائــــــي

يتمثل الذكاء البصري ـ الفضائي، في أبسط مستوياته، في القدرة على التعرف على مختلف الألوان والأشكال، والاستمتاع بها والاستجابة لها، وفي إبداع رسوم وأشكال ونماذج وصور بسيطة، وفي المعالجة المادية للأشياء وتجميعها يدويا، والتحرك داخل الفضاء والتنقل من مكان إلى آخر. كما يتمثل، في مستواه المعقد، في معرفة وإنتاج الأبعاد الفضائية (المكانية)، وإعادة إنتاج الموضوعات والمشاهد من خلال الرسم والنحت والتصوير والمسرح، وقراءة مفاتيح ورموز ومساحات الخرائط، واستعمال الخيال المبدع وتشكيل الصور الذهنية، ورؤية وفهم المواضيع والمشاهد منظورا إليها من أبعادها المختلفة. أما في مستوى المهارة والتحكم، فيتجلى الذكاء البصري ـ الفضائي، في فهم كيفية إنجاز مهام معينة وفق تصميم أو شكل معين، ووضع بطائق أو خرائط محددة لتحديد مسار معين أو ترميز أماكن محددة، وإبداع أعمال فنية، وفهم الرسوم أو الصور الفضائية (المكانية) المجردة، كالرسوم الهندسية، ومعرفة وإنتاج علاقات بصرية فضائية معقدة بين الأشكال. أما مراكز هذا الذكاء فتوجد في المناطق الجدارية والقفوية من النصف الأيمن للدماغ.

5       ـ الذكـاء الجسمي ـ الـحـركـي

يتجلى الذكاء الجسمي ـ الحركي، في مستواه الأولي، في الأفعال الارتكاسية الآلية، وفي الحركات البسيطة ومختلف الأنشطة الجسدية التي تمكن من تحقيق الاستقلالية والتحكم في الوسط المادي وإنجاز أفعال مقصودة لتحقيق هدف معين. ويتجلى، في مستواه المعقد، في القدرة على التعبير المناسب بحركات الجسد ولعب الأدوار، وعرض الحركات المتناسقة والمنظمة، وممارسة التمارين والمغامرات والألعاب الجسدية. وفي مستوى التمكن، يتجلى الذكاء الجسمي ـ الحركي في القدرة على عرض حركات جسدية مبتكرة، والعرض الدرامي للمشاهد المعقدة والمعبرة عن الأفكار والقيم والمفاهيم، والإنجاز الرشيق لحركات لها هدف محدد. كما يتجلى في القدرة على معالجة الموضوعات المادية التي تتطلب حركات جسدية ويدوية دقيقة ومحكمة، وتنفيذ أنشطة إبداعية وإنجاز اختراعات مادية جديدة. والمناطق المسؤولة عن قدرات هذا الذكاء توجد في المخيخ والنويات القاعدية ومنطقة الشريط الحركي في قشرة الدماغ.

6       ـ الـذكــاء الـــــذاتـــي

يتجه الذكاء الذاتي نحو المظاهر الداخلية للشخص. يتمثل في مستواه البسيط في في القدرة على التمييز بين  مختلف المشاعر والانفعالات والميول الذاتية البسيطة، والتعبير عنها وربطها بتجاربها الخاصة، والوعي بالذات أو بوجودها منفصلة ومستقلة عن الآخرين. كما يظهر، في مستواه المعقد، في إبراز القدرة على التركيز، وتقدير الذات واعتبار أهمية فرادتها وتميزها، والسعي نحو اكتساب الكفاءات الهادفة إلى تطويرها، وتحديد وفهم مختلف المؤثرات في سلوكها وتأثيراتها في علاقتها بالآخرين. أما في مستوى التمكن فيتجلى هذا الذكاء في القدرة على التحكم في الانفعالات والمشاعر والميول الذاتية، والتعبير من خلال قواعد أو شفرات رمزية مختلفة، وتوظيف هذه الأخيرة كوسيلة لفهم وتوجيه الفرد لسلوكه الذاتي، والاهتمام بأسئلة الذات، وسبر وفحص المعتقدات والتصورات والقيم والأهداف الشخصية، والوعي باستعمال السيرورات الفكرية الخاصة في مواجهة الوضعيات الصعبة. ويوجد مثل هذا الذكاء لدى الروائي الذي يتمكن من استبطان ذاته ووصف مشاعره؛ ولدى العميل أو المعالج  الذي يتوصل إلى معرفة عميقة بحياته العاطفية؛ ولدى الشيخ الحكيم الذي يستمد العبر من تجاربه لتزويد الآخرين بها. ومعظم قدرات هذا الذكاء تتمركز في الفصوص الجبهية والفصوص الجدارية والجهاز اللمبي.

7       ـ الـذكــاء الـتفـاعـلـــي                        

يتحدد الذكاء التفاعلي في قدرة الفرد على فهم الآخرين ومعرفة العلاقات التي يتبادلها معهم والتصرف وفق هذه المعرفة. يتجلى في مستواه البسيط في قدرة الطفل على التمييز بين الأفراد الذين يحيطون به (الآباء والأقارب والأصدقاء)، والتعرف على طباعهم المختلفة، والاعتراف بهم وتقبلهم وإقامة علاقات تواصلية معهم، كما يتجلى في القدرة على محاكاة أصوات وتعبيرات الآخرين. ويتجلى في مستواه المعقد في قدرة الفرد على إقامة علاقات متميزة مع الآخرين، وفهم وتفهم وجهات نظرهم، واعتماد آليات المشاركة والتفاعل الاجتماعي، ومعرفة العوامل التي تتدخل في الانتماء الجماعي، والمشاركة في الأنشطة والعلاقات الاجتماعية العامة. أما في مستوى التمكن، فيتجلى الذكاء التفاعلي في قراءة دوافع ونوايا وانتظارات ومعتقدات الأشخاص الآخرين، وفهم طريقة تصرفهم وكيفية التعامل معهم وفق المعرفة الحاصلة حولهم. كما يتجلى في القدرة على حل صراعات وخلق توافقات داخل الجماعة وفق آليات يتم التحكم فيها. وفي هذا المستوى يمكن الذكاءُ التفاعلىُ الفردَ من التأثير الفعال في الحياة الاجتماعية. ونجده عادة لدى الزعماء السياسيين والدينيين، والآباء والمدرسين الموهوبين، والعاملين في قطاع التجارة والأطباء والمعالجين والمرشدين الاجتماعيين. وتتوزع مناطق قدرات هذا الذكاء على الفص الجبهي والفص الصدغي (خاصة في النصف الأيمن) والجهاز اللمبي.

8       ـ الـذكــاء الـطـبـيـعـي

يتحدد الذكاء الطبيعي ـ الذي أضافه جاردنر إلى قائمة الذكاءات سنة 1996 ـ في القدرة على معرفة مختلف خصائص الأنواع الحيوانية والنباتية والأشياء المعدنية، أي معرفة مظاهرها وأصواتها ونمط حياتها ونشاطها وسلوكها؛ كما يتجلى في القدرة على تصنيف وتحديد الأشكال والبنيات الموجودة داخل الطبيعة، في صورها المعدنية والنباتية والحيوانية؛ وتصور أنساقها، والسعي نحو استكشافها وفهمها؛ وكذا تحديد وتصنيف كل الأشياء والمواد المستخرجة من أشياء الطبيعة، أو التي لها علاقة بها. ويتم التعرف على الذكاء الطبيعي لدى الأشخاص الذين تستهويهم الحيوانات وسلوكاتها، ومن لهم حساسية تجاه البيئة الطبيعية والنباتات؛ كما يوجد لدى الذين تستهويهم كيفية اشتغال الجسم الإنساني؛ وكذا الماهرين في تصنيف واختيار وتجميع وجدولة المعطيات. ويوجد في شكله المتطور لدى عالم الطبيعيات الذي يعرف ويصنف النباتات والحيوانات؛ كما يوجد لدى الأشخاص الذين يهتمون بالنشاط الطبيعي من البيولوجيين والجيولوجيين وعلماء الأرصاد والفلك?إلخ.  أما بالنسبة للموضعة الدماغية فتشير أبحاث حديثة إلى أن الفص الجداري الأيسر يلعب دورا أساسيا في التمييز بين الأشياء الحية وغير الحية.

9       ـ الـذكــاء الـوجـــودي                             

هو ذكاء توصل إليه جاردنر كفرضية مازالت تحتاج إلى أدلة علمية، خاصة حول أساسه العصبي. وفي غياب هذا الشرط الذي يشكل إحدى المعايير الأساسية في تحديد الذكاء، كان جاردنر قد أعلن ـ سنة 1996 ـ أن لائحته تضم ثمانية ذكاءات ونصف (وهي إشارة خفيفة إلى عنوان فيلم المخرج الإيطالي  Federico Fellini الذي يحمل عنوان( Huit et demi . يتحدد الذكاء الوجودي في قدرة الإنسان على طرح ومحاولة الإجابة على الأسئلة الكبرى المتعلقة بالوجود الذاتي والإنساني والمعنى العميق للحياة الشخصية والعامة، من قبيل: لماذا نحيا? ولماذا نموت? لماذا نحب? ولماذا هناك شر? كما يتحدد في السعي إلى معرفة المعنى والقيمة اللتين يضفيهما كائن متعال (الله) على حياة الإنسان? وفي البحث عن الترابطات الخفية بين السبب والنتيجة، والصح والخطأ. ويعبر الذكاء الوجودي عن نفسه من خلال الرموز التي تنطوي على مفارقات وجودية، وعبر المعتقدات والممارسات الأسطورية والدينية، ومن خلال النظريات الفلسفية؛ وكذا الرياضات الروحية. وهو يتجلى في أرقى مظاهره لدى المفكر والفيلسوف.....

 

4 - مارس - 2006
هل الذكاء واحد أو متعدد?
ملاحظات على رد الأستاذة الفاضلة ضياء    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

أشكرك في البدء...وفي المنتهى...على ردك الموضوعي النزيه...الذي يعكس فعلا إرادة جميلة في تطوير النقاش العميق والهادف الذي تتطلبه روح الحوار والمناظرة....  

لا أختلف معك في العديد من المعطيات...منها: النشأة المستقلة للفكر الإسلامي ـ اعتبار حاجات فهم النص الديني من أسباب اتساع فضاء هذا الفكر ـ استخدام الفلسفة اليونانية كعنصر من أدوات الصراع الفكري... ما شد انتباهي في ردك ـ أستاذتي ـ هو أنك نظرت إلى "الفلسفة الإسلامية" نظرة تاريخية. ولعلها النظرة التي يفتقدها العديد من "قراء" الفكر الإسلامي في مختلف حقوله؛ والحال أن هناك "أسباب نزول" لا تحتمل "رفعها إلى السماء"؛ بمعنى أن مفاهيم وقضايا هذا الفكر إنما بناها بشر خلال "صراعاتهم الدنيوية" وليس عبر "عزلتهم الأخروية". هذا الارتباط بين الفكر والمجتمع، بين الحقيقة والعالم، يدفع إلى القول بأنه لا وجود لحقيقة خارج هذا العالم مادام هذا الكائن الإنساني هو الذي يدرك وينفي ويتصور ويتكلم عن هذا الذي يسمى حقيقة....ولعل هذا ما يجعل الحقيقة دائما تنطوي على سلطة، المجتمع هو الذي يرسم آليات إنتاجها وتوزيعها واستهلاكها.؛ أي هو الذي يحدد ما يسميه فوكو باقتصاد الحقيقة....

هذه الفكرة تدفعني إلى أن أبسط وجهة نظري بشكل أكثر وضوحا فيما يخص "الفلسفة الإسلامية"....

صحيح أن الفكر الإسلامي عرف قفزة مع ظهور علم الكلام مقارنة مع ما قبله ( خاصة مع المعتزلة على مستوى جرأة الإبداع والسؤال وتأكيدهم على شعار "العقل قبل ورود السمع"). لكن إشكالية التوفيق بين الفلسفة والدين ( وهي الإشكالية المركزية في الفلسفة الإسلامية) لم تكن نتيجة ?رغبة الفيلسوف في الحصول على هامش أكبر من الحرية في التفكير....? ( كما ورد في مداخلة الأستاذة ضياء)؛ بل إشكالية ترتبط بدورها بمجالها التاريخي ( ومن الأفضل أن نرى دائما بهذا الوعي التاريخي الذي نقرأ به تراثنا). إشكالية التوفيق هذه بدأت ـ فلسفيا ـ مع الكندي وبرزت مع الفارابي وبلغت أوجها مع ابن سينا في محاولته دمج بنية الفكر اليوناني ( باعتباره يمثل الرؤية "العقلية" للوجود)  في بنية الفكر الإسلامي ( باعتباره يمثل الحقيقة "المطلقة" والهوية التي ينتمي إليها الفيلسوف). ولعله من السهل على الدارس الفاحص أن يلاحظ أن فلاسفة الإسلام ـ وهم منخرطون في إشكالية التوفيق هذه ـ  لم يكن اللاحق منهم يقرأ السابق( غياب التراكم والتجاوز المعرفي)، بل كانوا قراء لفلاسفة اليونان، خاصة أفلاطون وأرسطو. إن الفلسفة الإسلامية إذا تم النظر إليها من هذا الجانب ـ جانب قراءة الآخر كمضمون معرفي/علمي / ميتافيزيقي ـ ستوصف بالجمود والتكرار والعقم والركود. ومن هنا يتوجب على الدارس الفاحص أن يبحث عن الصيغ والأشكال التي تم بها/ والأهداف التي تم من خلالها توظيف المادة المعرفية اليونانية؛ وهاهنا يجب التمييز ـ كما يقول الجابري  الرائد في دراسة أنظمة الفكر الإسلامي ـ بين "المحتوى المعرفي الفلسفي " من جهة و"المضمون الإيديولوجي " من جهة أخرى. ولعل هذا ما أشارت إليه الأستاذة ضياء في تلميحها إلى أن (استخدام الفلسفة اليونانية جاء في بدايته كعنصر من أدوات الصراع الفكري...). في هذا التوظيف الإيديولوجي للمادة المعرفية تكمن حياة وحركية الفلسفة الإسلامية. لم يكن فلاسفة الإسلام منشغلين ببناء رؤية جديدة ـ ( هي أصلا موجودة في النص الديني ـ )، بل تركز اهتمامهم على البحث عن المشروعية الدينية للرؤية العقلية(الفلسفية) وللنظر العقلي، وعن صيغ القبول العقلي للرؤية الدينية. هذا الانشغال المزدوج نجده لدى كل فلاسفة الإسلام في سياقات ـ رغم/ بل بفضل اختلافها ـ هي التي جعلت من هذه تصورات وأفكار هؤلاء الفلاسفة خطابا ـ وليس خطابات ـ إيديولوجيا. وعلى هذا الأساس فإن قيمة/معنى/مغزى/حركية/ الفلسفة الإسلامية لا نجدها في ( ماذا قالت?)ـ بل في(لماذا وكيف قالت?) .

في تقديري لم تكن الفلسفة الإسلامية ناتجة في عمقها عن رغبة....ولم يكن من الممكن إلا أن تقع في مطب السقوط الأيديولوجي... إن الفلسفة الإسلامية منذ البداية أعلنت عن نفسها كخطاب إيديولوجي يناضل من أجل المشروعية الدينية للفلسفة والقبول العقلي الفلسفي للدين. نضال بدأه الكندي ضد غنوصية التصوف وتزمت الفقهاء، واستأنفه الفارابي بدعوته إلى رفع الخلاف بين الدين والفلسفة والسعي إلى الدمج بينهما، في أفق توحيد الفكر كسبيل لتوحيد المجتمع( في لحظة تميزت بالصراعات والانقلابات وتفكك الإمبراطورية العربية إلى دويلات متصارعة). ولم يكن ابن سينا ـ رغم غنوصيته ـ إلا منافحا من أجل فلسفة قومية...ابن طفيل ـ ابن باجة ـ ابن رشد...كانت الفلسفة عند هؤلاء في المغرب والأندلس منخرطة أيضا في صراع إيديولوجي هو الذي أضفى عليها المعنى والتاريخ.

أين نجد روح فلسفتنا الإسلامية? لكل جواب تبعاته. لكن التاريخ ـ رغم مكره، بل ولأنه ماكر ـ سيظل هو المرجع في كل جواب/خطاب يسعى إلى أن يعطي للفلسفة الإسلامية معنى في تاريخ الفكر البشري.

 

 

7 - مارس - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
 1  2  3