مجلس : العمارة و الفنون

 موضوع النقاش : حديث عن الموسيقى    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 محمود العسكري 
2 - ديسمبر - 2010
هذه مقالةٌ كُتِبَتْ منذ فترةٍ طويلةٍ ، لكن أُرْجِئَ نشرها إلى اختمار بعض الآراء والأفكار ، وقد لُخِّص فيها جُمْلَةُ معارفَ مُقْتَبَسَةٍ وقتَ الاطِّلاعِ على تراث هذا الفنِّ ، وجملة تأمُّلاتٍ في هذا التراث ، ولعلَّ أهمَّ الآراء المختمرة : أن ثَمَّةَ تفرقةٌ ضروريةٌ لفَهْمِ الأشياء على حقائقها بين الإنسان ، وبين فنِّه كإضافةٍ لإنسانِيَّته ، وبين فنِّه كتزويرٍ طامسٍ لإنسانيَّته ، فالإنسان كمخلوقٍ كريمٍ غايتُه أن يحيى حياةً فطريةً بسيطةً تمنحه التكريمَ بعُبودِيَّته الحقَّةِ لله = يجب أن يأتي فنُّه إضافةً لإنسانيَّتِه في ومضاتٍ خاطفةٍ تحفز الروح لتصنع في الحياة : الخيرَ والحقَّ والجمالَ ، وليس أن يأتي مُخَدِّرَا لها لتستنيمَ في قَبْو صُورةٍ من الحياة : مشوَّهةٍ لاهيةٍ عابثةٍ ، قد لا يختلف أنموذجٌ فَنِّيٌّ عن آخر قيد أنملةٍ بالنسبة إلى القواعد الفنية ، لكن ؛ بالنسبة لإنسانٍ وإنسانٍ : قد يكون بينهما بَوْنٌ شاسعٌ ! .
مُعْرِبًا عن الشكر الخالص للأساتذة الأعزَّاء الذي كان لكتاباتهم ونَقَداتهم عن هذا الفَنِّ وعن غيره من الآداب في مواضيع سابقةٍ في المجالس = حافزٌ لارتياد آفاقٍ جديدةٍ لي من ألوان الثقافة كانت للروح والفكر غذاءً وفاكهةً .
 
بسم اللـه الرحمن الرحيم
 
حَدِيـثٌ عَنِ الْمُوسِـيقَا ...
( الرُّوحَانِيَّة . الفَلْسَفَة . أَرَقُ الْمِيلُودِيَّة )
------------------
[ الفن عمومًا يكتسب أبعاده بالقراءة ، ونقده بالتالي لا يمكن أن يكون نزيهًا عن النَّزعة الفردية ، والموسيقا بخاصَّةٍ هي لغة ينشئ المستمع معانيها ، وهذا المقال عنها هو شيءٌ من القراءة والنقد والتذوق ، ولعل الفكرة الجدية الجديرة بالاحترام هنا هي : أن الفن ليس للفن ، وإنما الشرف للفنِّ أن يكون في خدمة مبدأٍ سامٍ ونبيلٍ ].
·   برأيي ؛ أن أدفأَ الموسيقى عاطفةً وأصدقَها حديثًا عن الروح أشواقًا وآلامًا - وهي برأيي : البلاغة الموسيقية الأعلى- ؛= هي موسيقى عصر الباروك ، تلك الموسيقى التي كانت تُؤَلَّف أصالةً كنجوى من الروح الجميلة المرهفة الصادقة ؛ مصوِّرةً عواطفها الرقيقة تصويرًا ينمُّ عن الكثير من البراءة والطهر والتحليق في الفضائل الإنسانية ، ومن ثمَّ كانت حُرَّةً طليقةً ، لا تتولَّع بإحساسٍ فريدٍ ، ولا تستبدُّ بها فكرةٌ واحدةٌ ، وإنما هي - وحسب - فيضٌ من المشاعر والخواطر يهدر ويحتشد في عَرْصة روحٍ قد بلغت قمة النرفانا . [ من أهم النماذج أعمال كبار الموسيقين الإيطاليين النبلاء من أمثال الكاهن الأصهب / فيفالدي والوجيه / ألبينوني والقاضي / مارسيللو ، وهؤلاء الثلاثة بالأخص في أعمال الأوركسترا ، ويبقى دومينيكو سكارلاتي - كانت عرَّابته نائبة الملكة - عميدًا للآلات ذات الملامس / الهاربيسكورد والكلافيسان ، للاستماع مثلاً : Mandolin Concerto in C = فيفالدي ،  alergo in g minor = ألبينوني ، Concerto in d minor Oboe = مارسيللو ، sonata in f minor, k466 = سكارلاتي ، ولاحظ التعبير الموسيقي الرفيع مع الاقتصاد في الإيقاع اقتصادًا جميلاً ؛ خلافًا لهاندل وباخ مثلاً ] [ لا يخفى ولع باخ بفن الفوغا ، وماهِيَّته : استخدام اللحن الميلودي ذاتِه كإيقاعٍ يبدأ بعد عِدَّة موازير ويرافقه - مع مراعاة الهارمونية ضرورةً ! - ؛ فتحصل الكثافة اللحنية ، استمع مثلاً إلى : little fugue in g minor لباخ ] .
·   ارتباط الموسيقى في ذلك العصر ارتباطًا وثيقًا بالدين والعقيدة ( لا ننسى فخامة الأورغن الأنبوبي الكنسي : أضخم الآلات الموسيقية ) ، وتحررها أيضًا من فنون الأوبرا والباليه التي أَغْوَتِ الكثير من الموسيقيين بعد ذلك = هذان عنصران منحها الصدق والعمق في التعبير الخالص عن الروح ، وهيآ لها الانحصار فيه أيضًا .
·   وهذا التعبير الموسيقي - وإن بدا للوهلة الأولى تجافيه عن الفلسفة بل ربما تجافيه عن الواقع - هو الأرقى والأعمق فلسفةً وتأملاً ؛ لأنه لا يتعمَّد التعبير عنها ، بل يختزل مقدِّماتها ليصل إلى نتيجتها ؛ وهي : نفس بشرية سوية ، وهذا غاية ما ترنو إليه حكمةٌ أو فلسفةٌ .
·   لذا ؛ لم يكن لمعظم أعمال عصر الباروك ( باستثناء الأوبرات ولا غرو أن كانت أضعف المؤلفات الموسيقية في هذا العصر ؛ باستثناء الأوبرا الدينية / الأوراتوريو ) = أسماء أو عناوين ذات دلالة على المحتوى ، ولكن تصنيفاتٌ لنمط العمل الموسيقيّ ( مثل : سوناتا ، فوغا ، كونشيرتو غروسو ... إلخ ) ، وفي هذا تقدير لعظمة الموسيقى : ألا تحتكر فضاآتها الرحيبة لخصوصيِّة أيِّ شيْءٍ ؛ ولو كانت الفكرة أو الشعور الذي يخالج الموسيقيِّ عند ميلاد اللحن .
·   أما بعد هذا العصر ؛ فباستقراءٍ شخصيٍّ : أرى أن الأعمال من نوع الفانتازيا هي وحدها التي ارتقت إلى هذه الدرجة من التعبير الموسيقي .
·   بل ! ؛ لقد حالفها الحظ بانتقاء البيانو ، فروعة البيانو تكمن في إبراز قوة التآلفية الهارمونية في العمل الموسيقي ، والتوافق الهارموني هو طابع فلسفي منطقيٌّ في حد ذاته ، يشبهه في نَظَر ( أي : تفكير ) الفيلسوف : ترتب النتائج على المقدمات بشكلٍ تلقائيٍّ وعفْوِيٍّ يمنح الفكرة الْمُعَبَّر عنها القوة والأهمية ، والوضوح أيضًا وكأنها شيء من البديهيات ( الفيلسوف يشرح أفكاره دائمًا للآخرين على أنها بديهيات أو مُسلَّمات عندهم ) ، والتأليف الفانتازي –بخاصَّةٍ- ماهيَّتُه : توالي النوطات والتآلفات الهارمونية في السُّلَّم الموسيقي المختار على نَحْوٍ رتيبٍ ( يقارب ما يُسَمَّى : الصفَّ اللحني ) ؛= فتكون المحصِّلة : هذه الفانتازيا ، ( أما تعبير البيانو عن ميلودية لحن مفرد فهو تعبير متواضع إذا ما قورن بالآلات النفخية والوترية ) ، ( يستمع لأعمال الفانتازيا مثل : [ ضوء القمر : بيتهوفن ، Fantasia in D minor : موتسارت ،  Fantaisie Impromptu: شوبان ، Variations Sérieuses in D minor : مندلسون  ، Fantasy in C "Wanderer" : شوبرت ] ) .
·   يبقى أن نذكر أن الفانتازيا هي فكرة وهيأة للموسيقى ، وليس ضروريًّا أن تُسمَّى المقطوعة الموسيقية بـ[الفانتازيا] وإن كانت كذلك ، فقد يكون عنوانها مجرَّدَ تصنيفٍ لنمط تأليفها الموسيقيِّ ( كنماذج يستمع إلى : [Prelude No. 5 in C sharp minor : رخمانينوف ، Etude No. 12 in D sharp minor : سكريابين ،  adagio: صموئيل باربر ، افتتاحية  carmina burana : كارل أورف ] ) .
·   وكثيرٌ من الأعمال في عصر الباروك هي حقيقةً عند النظر من قبيل الفانتازيا وإلم تشتهر بهذا الاسم ، لأن طبيعة العصر ككُلّ كانت هي ذلك النوع من الموسيقا ، كما أنه قد وُجِدَتْ أعمال ( الفانتازيا ) بالمعنى المصطلح لهذا الاسم ( استمع إلى المقطع الثانِي من :  toccta and fugue in d minor : باخ ) .
·   وبموازة الفانتازيا ؛ = هناك الأعمال التي استلهمت الموسيقى الشعبية الهنغارية والسلافية ، فطبيعة تلك الشعوب – الغَجَر والنَّوَر -  في الأطراف الشرقية من أوروبا بعيدًا عن أبهة الفاتيكان وجلال قصر فرساي = جعلت من حياتهم كحُلُمٍ فانتازيٍّ تتماهى فيه ألوان الحياة سوداء وحمراء ، وبقدر ما كانت ألسنتهم لا تفقه شيئًا من لغة المعرفة وحذاقتها = كانت ألحانهم الرَّعَوِيَّة تَفْصِمُ عن أرواحهم البريئة الساذجة وعليها أَثَرُ الحكمة ( يستمع لـ : [ الرقصات الهنغارية : برامز ، الرابسوديات الهنغارية : ليست ، الرقصات السلافية : دفورجاك ] ) .
·   والنموذج المشابه لطبيعة تلك الشعوب الغجرية وألحانها = كان في أمريكا الجنوبية وفي الشعب البرازيلي - حيث نشأت في كرنفالات الشواطئ ألحان السامبا والتانجو ... ، وقد استُلْهِم ذلك الفلكلور الموسيقي               في أعمال فيلا لوبوس المهضوم حقه لأنه من العالم الثالث ( يستمع  إلى :  Bachianas Brasileiras No. 5 ) .
·   فاختلاط أمشاج الآلام بالآمال في هذه الموسيقى ( يتأمل تتابع الحركات الثلاث في الرقصات الهنغارية ) ؛ بل وقوف النوطة الواحدة على الشفير بين الجرح الباسم والبسمة الدامعة ؛= هو نوعٌ من المصالحة مع نواميس الحياة دون ممالأةٍ لآنِيَّةِ فكرةٍ أو عاطفةٍ ، مما هو نسبةً إلى الطبيعة البشرية : مجرَّدُ زيفٍ .
·   وهناك أعمالٌ جعلت من الفلسفة والميتافيزيقيا موضوعها أصالةً ، فاكتسبت العمق التأمليِّ بداهةً لضرورة الموضوع ؛= كسيمفونيات غوستاف مالر ( استمع مثلاً : إلى الحركة الرابعة من سيمفونيته الأولى ) ، لكن الجدير بالذكر : أن هذه السيمفونيات لم تشتهر إلا بعد منتصف القرن العشرين ، وبظني حتى الآن لم تأخذ مكانها اللائق ، ولهذا حديث آخر .
·   الموسيقا المرصودة للحزن هي أيضًا حازت أعماقًا فلسفية ، لأن الحزن وما ينطوي عليه من نظرة تشاؤمية للحياة هو بمثابة إعطاء فكرة غير تقليدية عن الحياة ، مما يتهيأ في هذه الأجواء أن ينداح الموسيقي في أغوارٍ تأمليةٍ ، وأيضًا في مثل موسيقا القداسات وامتداد الخيال فيها إلى الحياة الأخروية ، والوقوف عند رهبة الموت ، واحتكاك الرغبة بالرهبة فيها ؛= هذا ما يولد أيضًا شرارة الفلسفة ( استمع مثلاً : إلى افتتاحية قداس باخ الرائع في سلم سي الصغير ، وإلى مقطع lacrimosa من قداس الموت لموتسارت ) .    
·   ولكن ما الذي حدا بأولئك الموسيقيين آنفًا إلى استلهام الفلكلور الموسيقي الشعبي ؟ ، جوابي : هو البحث عن الميلودية ( ونعني بها في اختصار : البصمة  المميزة للحن ) ، فالميلودية التي تتمتَّع بالجِدَة والابتكار هي أكثر ما يُؤَرِّق أيَّ مُؤَلِّفٍ موسيقيٍّ ، ونقول : يُؤَرِّقه ؛ لأن الجِدَة والابتكار في لُغَةٍ تتأَلَّفُ من سبعة أحرف = أمرٌ يحتاج إلى ما يشبه معجزة الوحي ، وليس من قبيل ما تغني فيه الحيلة ، وما دام الأمر كذلك ؛= فالموسيقيون ما بعد عصر الباروك لم يستطيعوا المراهنة في الحصول على أطماعهم من الميلوديات الفريدة على مناجاة الروح وحدها ، فعالم الروح عالم حقائق كبيرة ، وهو خالٍ عن الكثير من التفاصيل الصغيرة المبعثرة في الحياة ، هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى : فالروح الموسيقية التي تحلق إلى هذا العالم وتجاوبه التغريد لا بُدَّ أن تمتلكَ من الرهافة واللطافة ما يقرب من الملائكية كي تستشفَّ خفاياه الرائعة ، والبشرية الضعيفة تعتذر عن الوفاء لهذا السمو ، وهم لا يريدون أن يكونوا مثل باخ أو تيليمان الذي له 6000 عمل موسيقي لم يعرف منها إلا القليل النادر ، لذلك كان لا بد من البحث عن سُبُلٍ جديدة .
·   وكان من تلك السبل أيضًا : تلحين الأوبرات والباليه ، فطبيعة المشاهد الحركيَّة للقِصَّة الْمُمثَّلة سواءً في الأوبرا أو الباليه = تُلْهِم الموسيقي الميلوديات المبتكرة المعبِّرة عن التفاصيل المختلفة في القصة ، ولهذا كان أغلب الموسيقيين الذين يلحنون الأوبرات تجفُّ قرائحهم عما سوى ذلك فيتخصَّصون فيها ، ولا شك يبدعون ( أمثال : بوتشيني - روسيني - بلليني - دونيزتي - فردي – فاجنر - شتراوس ) ، حتى وعندما يعمدون إلى التأليف الموسيقي سوى الأوبرات يبقى جو الأوبرات مسيطرًا عليهم ( يتأمل : افتتاحية قداس فردي ، Also Sprach Zarathustra : لشتراوس ) ، ومن المعروف أن فن الأوبرا في صميم نشأته فنٌّ شعبيٌّ ، وكان مبدأه عند الإيطاليين فلاحي أوروبه ، ولذلك كانت في أطوائه منذ البداية أنفاسٌ من الموسيقى الشعبية الإيطالية ، ( علاوةً على استلهام مندلسون لها في سيمفونيته الرابعة ، وهوجو وولف في السرينادا الإيطالية ، وآخرين ) .
·   وعودًا إلى الفلسفة ؛ نقول : باستثناء فاجنر من سائر الأوبراليين فهو الأكثر والأعمق فلسفةً ، وهذا يرجع برأيي ليس إلى تعمُّده ؛ ولكن إلى طبيعة انتقائه لموضوعات أوبراته ، فهو انتقاها من الأساطير الجرمانية القديمة ، حيث الآلهة الشتى ، والقوى المتصارعة ، ومبادئ الشرف والواجب ؛ مما هيَّأَ وأضفى على موسيقاه مزيدًا من التخيُّلية والتأمُّلية لا سيما في عمله الأهمِّ : ( الرباعية الأوبرالية : حلقة البيلونج ) ( استلهمت منها فكرة فيلم الأوسكار [ ملك الخاتم ] ) .
·   عمادة بيتهوفن لموسيقى الالآت في صدر القرن التاسع عشر لا سيما في ألمانيا ؛= جعلت من تلحين الأوبرا (وهو المجال الذي لم يجد فيه بيتهوفن الكثير من غايته) هي السبيل الأمثل لفاجنر إذا ما أراد النبوغ وذيوع الصِّيت دون أن ترهبه القامة السامقة لبيتهوفن .
·   والألماني الآخر الذي حاز الشهرة والتفوق ، ونعني به : مندلسون  ؛= يعزى ذلك إلى أن له الفضل في إعادة اكتشاف أعمال باخ بعد أن كانت لنصف قرنٍ حجابًا مستورًا ، واستلهامه بذلك لروح باخ في أعماله أكسبه التمايز والتغاير عن معاصريه ( قارن بين كونشيرتو الكمان الشهير له وبين مثيلاته من أعمال باخ مثل: thw duble violin concerto in d minor، violin concerto in a minor ولهذا فإلحاق مندلسون بشوبرت والكلاسيكيين من قبله أولى وإن كان متأخرًا عنهم في العصر الرومانسي حسب المنطق الزمنيِّ .
·   كان أيضًا من تلك الميلوديات المبتكرة : الإلحاح والاعتماد على تصوير العواطف الغزلية الرقيقة بين المرأة والرجل ( ومن نافلة القول أن مصطلح الرومانسية أوسع من ذلك ) ، وهو النهج الخاص بشوبان ، وبمقدار ما كان لشوبان في هذا من إبداعٍ ، والذي سايره فيه شومان ، لكن تحرر شومان وإحساسه بالحب كحالة روحانية تأملية وليس مجرد عاطفة قلبية = هيأ لموسيقاه أن تكون ذات بعد فلسفيٍّ تأمليٍّ لم يتهيأ للكثير من موسيقا شوبان ( يستمع مثلاً إلى : السيمفونية إيتودي ) ، ويحلو لي أن أشبههما في الشعر العربي ( مع فارق الموسيقا عن الشعر ) بإبراهيم ناجي وعلي محمود طه .
·   وعودًا إلى استلهام الموسيقى الشعبية بقي أن نذكر الأعمال المستقاة من الفلكلور الإسباني مثل : (السيمفونية الأسبانية: لالو - الكبريتشو الأسباني : كورساكوف ، المجموعة الأسبانية للبيانو : ألبينيز - الرقصات الأسبانية : جراندوس ، حدائق أسبانيا : مانويل دي فالا ) ، وأيضًا بعض أعمال مجموعة الخمسة (بالاكريف - كوي - موسورسكي - كورساكوف - بورودين ) التي سعت لإحياء الموسيقى الشعبية الروسية ، أو الأعمال التي اهتمت بالموسيقى الشعبية كنوع من النضال الوطني كما في بعض أعمال سميتانا وبارتوك ويوهان شتراوس ( خلافًا لجان سيبليوس مثلاً في عمله فنلنديا فهو عمل وطني لكنه لم يتطرق إلى المواضيع الشعبية ولم يستخدم الموسيقى الفلكلورية ) ، وكذلك بالاكرييف في عمله للبيانو islamy ، وإيفانوف في النبذات التاريخية القوقازية ، واستلهام خاتشوريان للموسيقا الشعبية الأرمينية ، والومضات الشرقية في أعمالٍ مثل : adieux de l'hotesse arabe لبيزيه ، وشمشون ودليلة لسان سيين كميل، وشهرزاد لكورساكوف ، وغيرها ( فللاستشراق في الموسيقا الغربية حديث آخر ) = إلا أنه ما من هذه الأعمال شيءٌ اكتسب الطابع الفلسفية الذي امتازت به الأعمال الهنغارية والسلافية ، لكن الاستلهامات الشرقية بلا شك أكثر روحانية .
... ( بقيَّةٌ لاحقةٌ )

 1  2  3 

*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
بقية المقالة    ( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
·   تسمية هذه الألحان التي رأينا فيها تأملاً وفلسفةً وحكمةً بالفانتازيا والرقصة والرابسودي ؛= تحته فكرتان على الأقل : الأولى / أن فلسفة الموسيقيّ أساسًا أنه لا يكترث للفلسفة ولا يكترث للإيغال في التأمليات والروحانيات ، وهو يعتبر الموسيقى أساسًا مصالحةً للإنسان في عالمه القريب الذي يستمتع به ويعيشه دون كبرياء فارغة - كما يراها - ، هو فيه يطرب ويبتهج ويستمتع بالملذات ويحزن أيضًا ويحب ويعشق ويغوى ويرشد ، ويبقى كل هذا في حدود القدر المشترك بين أفراد الإنسان جميعًا ، أما الإيغال في الروحانية والتأمل ، وإرهاق الحياة السهلة بالفلسفة الجوفاء فهذا زيادة عن القدر الإنساني المشترك ، زيادة نادرة لا يحفل بها ، لا تكون إلا في الذين ظلموا أنفسهم فأصبحوا شيئًا آخر ، زيادة يراها شذوذًا وفانتازيا أو رقصة أو رابسودي ، فكأن هذه الأسماء هي مجرد سخريةٍ من المضمون لا أكثر ، ولما إذًا يؤلف الموسيقي مثل هذه الأعمال ؟! ؛= الجواب : لأنه موسيقيٌّ ، وجوده مرهون بهذا الوصف ، هو يقتات وجوده من هذه الألحان التي يؤلفها على سائر السلالم والآلات الموسيقية وفي الأنماط المختلفة فلا بد أن يظل حيًّا ولا بد أن يدلل على مقدراته الموسيقية دائمًا ( ليس غريبًا أن يولع شخصٌ كموريس رافيل - وهو من التأثريين الذي يعتبرون أنفسهم التجديد الأول في الموسيقى بانصبابهم على المعنى - بتأليف عدد من الأعمال لليد اليسرى ككونشيرتو البيانو المشهور له ؛ فهو في قصارى الأمر موسيقي ! ) .
·   والفكرة الثانية / هي أن للموسيقيين حسابات أخرى غير حساباتنا نحن المستمعين والمستمتعين بالموسيقا ، فمثلاً تأليف الكونشيرتو يقصد به تمجيد الآلة وعازف الآلة الموضوع لها الكونشيرتو بإبراز مهارات وإمكانيات كُلٍّ من الآلة والعازف ، وعلى مدى تحقق هذه الغاية يكون التقييم في امتياز الكونشيرتوهات ، والحركة الثالثة من سوناتا البيانو كذلك ، واعتبار سوناتا ضوء القمر لبيتهوفن ثاني أفضل الأعمال للبيانو المنفرد من أجل الحركة الثالثة - وليس الأولى كما قد نظن نحن المستمعين - فهي من القوة والهارمونية مع الميلودية الخاصة بحيث لم يتفوق عليها سوى : ( heroic polonaise ) لشوبان [ رقصة ] .
·   بعد أن استهلكت خلال القرن التاسع عشر ينابيع الأوبرا والباليه والموسيقى الشعبية والعواطف الرومانسية كينابيع للتجديد في الميلودية الموسيقية ؛= جاءت مجموعة التأثريين .
·   كانت فكرة التأثريين مقطوعة موسيقية مركزة الفكرة ، متحررةً من بهرجة الكلاسيكية ، متميزة الميلودية ، ليست مستقاةً من الموسيقى الشعبية ، وليست لحنًا مرصودًا للأوبرا أو الباليه ، وليست سيمفونيةً مترامية الأطراف متشعِّبة الأفكار ، مقطوعةٌ موسيقيةٌ تستوحي المشهد ، وتعبِّرُ عنه تعبيرًا وسطًا بين الإغراق في التأمُّل والروحانية بحيث يفقد المشهد واقعيته ، وبين الالتصاق بالواقعية بشكل يجعلها فجَّةً ، ويجعل التعبير أوبراليًّا ساذجًا ، وكتقريبٍ : لو عبَّرْنا عن مشهدٍ ما بالشعر وبالرسم ؛ فموسيقى التاثريين هي أشبه بالرسم، فهو ليس في خيالية الشعر ، وليس في سذاجة صورة فوتوغرافية ( يقارن مثلاً بين : moonlight  لبيتهوفن وclair de lune  لديبوسي ) .
·   والتشبيه المذكور ليس مجرد تشبيه بل له نموذج من أعمالهم ؛ وذلك عندما عبر موسورسكي عمن صور معرض أحد زملائه بالعمل الشهير : Pictures At An Exhibition  ، وعمل ديبوسي : images for piano .
·   واعتبار موسورسكي وخلفه إيغور استرافنسكي من التأثريين هو اجتهادٌ شخصيٌّ مني بالتذوق ، ولعلَّ الفارق فقط هو : أنهما كان أميل للأعمال الأوركسترالية والسيمفونية ، وأيضًا خلو لغتهما الموسيقية من رقة التأثريين الفرنسيين ، الأمر الذي تدراكاه بأسماءَ بالغةِ الشاعرية ؛ كمثل : طائر النار ، وليلة فوق الجبل الأجرد ...
·   ومما يؤكد هذا التقارب هو التعاون بين الفريقين ، فبفضل إنجاز موريس رافيل الوصف الأوركسترالي لعمل موسورسكي الآنف الذكر = أصبح هذا العمل من أعظم الأعمال في الموسيقى الكلاسيكية الغربية بعد أن كان وحسب في عداد أفضل أعمال البيانو المنفرد .
·   ولعل التمهيد الجدِّي للتأثريين كان في أعمال سان سيين كميل ، لا سيما في في عمله الشهير : كرنفال الحيوانات ( استمع لموسيقى الإوزة ؛ وقارنها بموسيقى Gymnopédie لإريك ساتي ) ، لكن زاد تحررهم من زيه الكلاسيكي .
·   ويبقى جديرًا بالذكر ؛ أنه لصرامة الضوابط التي وضعها التأثريين لأنفسهم = كان الكثير من أعمالهم يفتقر إلى جمال الشكل ورواء الهيأة .
·   على أن التجديد الموسيقي في بواكير القرن العشرين تجاوز شوط التأثريين ؛ ليبلغ حد الابتكار في أسس الموسيقا ذاتها ، كما في ابتكار أرنولد شونبرغ للصف اللحني الكروماتي الاثني عشري ، وابتكارات غيره ، وتمادى ذلك إلى شأوٍ بعيدٍ ، لكن نريد أن نذكر كلمةً أخيرةً عن تطوير التأثريين للغة البيانو .
·   منذ بواكير الإبداعات الموسيقية في عصر الباروك كانت قد تكاملت لكل آلة موسيقية لغةٌ خاصَّةٌ بها لها هيأتها المتميزة وملامحها الواضحة ، ماهِيَّة هذه اللغة تتجلَّى في مدى تعبير الآلة الموسيقية عن فحوى اللحن المكتوب لها ، وعندما تترجم مثلاً لغةُ الكمان لحنًا نطقت به لغة الفلوت ؛= فهذه الترجمة لن تكون أمينةً تمامًا في الحفاظ على روح العمل الفني ، دفيئةً بعواطفها ، منتعشةً بأفكارها ؛ مثلما نطقت به اللغة الأم ، وإن افترضنا أن لا إساءة ستلحق اللحن ، بيد أنها لاحقةٌ للآلة المترجِمة ؛ إذ سيبدو بها العِيُّ والحَصَر ؛ إذ عدلت عن الترنُّم بالمعهود منها من النغم البليغ الذي لا تؤديه على هذه البلاغة المنعوتة آلةٌ سواها .
·   لكن ما مدى انتماء الآلة الموسيقية إلى اللغة الموضوعة لها ؟ إنها في نهاية الأمر كما وصفنا لغةٌ موضوعةٌ لها ، أي : أن العرف والاصطلاح بين أفراد الوسط الموسيقي هو الذي أجرى هذه الزيجة بين الآلة الموسيقية ولغتها ، لكن ؛ أليس من المرجح إلى حد بعيد أن يكون لدى الآلة الموسيقية الحماس والتشوق إلى تعلم لغات أخرى ؟! ، ولعلها أيضًا تصل إلى مستوًى من الفصاحة والبراعة فيها لا يقل عما حازته آنفًا ؟! ، وجواب التساؤل : أن الحقيقة كذلك .
·   هذه الفكرة أصبحت من مناهج تطور الموسيقا وظهور الإبداعات الجديدة المتميزة بشكلٍ متلاحقٍ زمنيًّا ، ففي حدود القرنين ( 200 سنة ) لا أكثر ونعني : القرن الثامن عشر والتاسع عشر ؛= كان فن الموسيقا قد اغتنى بالأنماط والأساليب والألوان والاتجاهات المختلفة ما لم يتحقق لفنٍّ غيره في مثل هذه المدة الوجيزة .
·   ونوضح تحلق تطور الموسيقا حول هذه الفكرة التي تبيَّنت : عندما تعزف آلةٌ موسيقيةٌ لحنًا مكتوبًا لآلةٍ غيرها سيكون هذا طريفًا عليها ، وسيكون غريبًا بعض الشيء أيضًا ، فإذا استوحينا روح هذا اللحن المشار إليه ، وألَّفنا لحنًا يقاربه في هذه الروح لكن يتقارب أيضًا مع الخصائص الأساسية لآلتنا تلك ؛= فإننا بذلك سنحقق لهذه الآلة لغةً جديدةً ستزداد معالمها وضوحًا كلما تكاثرت المؤلفات المتابعة للخطوة الأولى التي خطوناها .
·   بطبيعة الموهبة الفطرية : كانت الآلات ذات الْمُدَرَّجَيْن في التدوين الموسيقي (مثل : البيانو والأرغن والهارب) ( ثم : الجيتار ) هي الأقدر على احتواء اللغات الموسيقية للآلات الأخرى بل حتى على احتواء اللغة الموسيقية للأوركسترا ككُلّ ، ولذلك كثرت المدونات الموسيقية المسماة بـ : ( الأوصاف ) descriptions)) ، وكان من أشهر أوصاف البيانو تلك التي أعدها ليزت لسيمفونيات بيتهوفن .
·   لكن في كثيرٍ من الأحيان ؛ كانت تبقى تلك الأوصاف كأوصافٍ ، أما تبنِّيها كلغةٍ جديدةٍ للبيانو ؛= فذلك ما تمَّ على أيدي التأثريين .
·   فالتأثريين فيما كتبوه للبيانو من أعمالٍ تميزت في لغتها الموسيقية = لم تكن آلة البيانو التي يوقِّعون عليها بأصابعهم هذه الأعمال صورةً من نظيرةٍ لها في داخلهم تلقي تعبيرها الموسيقي إلقاءً خطابيًّا ؛ بل كانت اختزالاً لمسرحيةٍ في داخلهم تؤدِّيها الأوركسترا بكل ما فيها من مشاهدَ وشخوصٍ وأضواء ، ما يمنحك الاطمئنان إلى صواب هذه الفكرة : أنك لو استمعت إلى الأوصاف الأوركسترالية لأعمالٍ مثل : ( صور من المعرض ) لموسورسكي و( ضوء القمر ) لديبوسي ؛= فستجدها أروع وأجمل وأدقَّ من وصفها الأصلي للبيانو ؛ خلافًا للأنماط الأخرى من أعمال البيانو ؛= فأوصافها الأوركسترالية لا تكون بروعتها من البيانو ، ( استمع مثلاً إلى : الرقصات الهنغارية لبرامز تؤدِّيها أوركسترا ، وقارن ) .
·   وإذا كان البيانو قد حظي بهذه الفرصة من التأثريين ، فإن آلة أخرى مثل الأرغن مرشحةٌ إلى إبداعات جديدة فيها ، وإلى لغة مبتكرة لها إذا أتيح لها المؤلف الموسيقي الذي يوقِّع بأصابعه عليها وهو يستمع في داخله إلى أوركسترا وليس إلى أورغن .
·   وإذا كان البيانو قد اختزل الأوركسترا ، فالفضل كان للأورغن بدايةً ، فقد كانت للبيانو تجربةٌ سابقةٌ باختزال الأورغن ، وخذ مثلاً في عمل باخ : toccta and fugue in d minor ؛ وهو العمل الأول والأفضل عند تَعداد الأعمال الفُضْلى للأورغن ، ووصفُه للبيانو يتراجع إلى المركز العاشر في بعض القوائم لأفضل أعمال البيانو المنفرد ، ولا ننسى سان سيين كميل الذي ذكرنا أنه التمهيد الأول للتأثريين ؛= فقد كان خليفةَ باخ الذي وصفه ليزت بـ : ( أنه العازف الأول للأورغن في العالم ) .
[ تَمَّتْ ]
*محمود العسكري
2 - ديسمبر - 2010
مودة صافية    ( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :     قيّم
 
( مَوَدَّةٌ صَافِيَةٌ )
-       الأستاذ العزيز / ياسين الشيخ سليمان .
-   تقديرٌ واحترامٌ وإكبارٌ لهذه الأخلاق الكريمة الجميلة ؛ التي تغوي وتغري بِخِطْبة مَوَدَّتِهَا = بكُلِّ ما آمل أن أكون به أهلاً لها إن شاء الله .
-   وشكرٌ فائقٌ على التكرُّم بالنظر في هذه المقالة ، وعلى التفضُّل بإبداء الإعجاب بتلك الأسطر الْمَطْلِيَّة باللون الأحمر والظليلة باللون الأصفر ، أسأل الله تعالى أن تشرق شمس السعادة والحرية والوئام على بلادنا الحبيبة : فلسطين ، وألا تغيب عنها أبدًا .
-   وأنا كأخٍ أصغر لكم ، بل : كابْنٍ ؛: أرجو ألا يكون فيما بيني وبين حضرتكم = لنون الجمع = موضعٌ ، وكُلُّ ما في وسعكم إسداؤه لي من توجيهٍ وإرشادٍ = ليس بي غِنًى عنه.
-       وعَوْدٌ على بَدْءٍ : لحضرتكم كُلُّ تقديرٍ واحترامٍ وإكبارٍ وشكرٍ فائقٍ .
*محمود العسكري
2 - ديسمبر - 2010
هل أنت أبو عبد الحميد ؟    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
السلام عليكم يا أستاذ محمود
*د يحيى
4 - ديسمبر - 2010

 
   أضف تعليقك
 1  2  3