أبو القاسم الباخرزي المقتول، والشهير بأبي الحسن صاحب (دمية القصر في شعراء العصر) :شاعر كبير، من عمالقة الدهر، وديوانه ضائع (بامتياز) والعجب أن المجموع منه ليس فيه ما ذكره الثعالبي (!!) في (يتيمة الدهر) لأن جامع الديوان =كما يبدو= لم يخطر في باله أن يكون الثعالبي قد ترجم للباخرزي، وهو معذور في ذلك، فإن ابن خلكان أيضا لم ينتبه لهذا، وغاية ما فعله أنه نقل كلام العماد الكاتب ولا يبعد أن يكون العماد الكاتب أيضا لم ينتبه لهذا، فإذا صح ذلك كانت إحدى كوارث الأدب. وكان الثعالبي قد توفي سنة (429هـ) وآخر تعديل أجراه على اليتيمة سنة (423) أي قبل مقتل الباخرزي بأربع وأربعين سنة، ولا ندري تماما متى أعد ترجمة الباخرزي، وفيها قوله: (فتى كثّر الله فضائله، وحسّن شمائله، فالوجه جميل تصونه نعمة صالحة والخلق عظيم تزينه آداب راجحة والنثر بليغ تضمنه أمثال بارعة والنظم بديع كله أحاسن لامعة، وأنا كاتب من نثره ما يربي على الدر المنثور ومن نظمه ما يأخذ بمجامع القلوب..إلخ) وكان الباخرزي أول أمره فقيها شافعيا، من تلاميذ أبي محمد الجويني، ثم هجر الفقه وانصرف إلى الشعر. ونقل ياقوت عن العماد الكاتب قوله في (خريدة الدهر) الذي جعله ذيلا لكتاب الباخرزي (دمية القصر) : (وكان واحد دهره في فنه، وساحر زمانه في قريحته وذهنه، صاحب الشعر البديع... ولقد رأيت أبناء العصر بأصفهان مشغوفين بشعره، متيمين بسحره.... وقتل في مجلس إنس بباخرز وذهب دمه هدراً) وكان قتله كما حكى ابن خلكان في ذي القعدة من سنة (467هـ) الموافق حزيران (1075م) وكان فراغه من كتاب الدمية في جمادى الآخرة من سنة (466) كما ذكر البيهقي في مقدمة (وشاح الدمية). ونبه ياقوت الحموي إلى أن كنيته الحقيقية (أبو القاسم) ولكن المشهور (أبو الحسن) واستدل على ذلك بأشياء، منها أن الظهير البيهقي كناه (أبا القاسم) في مقدمة (وشاح الدمية) ومنها: قوله في مدح الشريف أبي القاسم علي بن موسى
وزارك مـني سميٌّ iiكنيّ |
|
فراع حقوق السمي الكني | وكنت قد افتتحت يومي هذا بإعداد مقدمة لقصيدته (الشتاء) التي سنسمعها لاحقا بصوت أستاذنا السويدي، وهي أشهر قصائد الباخزري وقد اختارها كل من ترجم له من القدماء، وأشهر أبياتها خاتمتها، وذلك قوله:
وإذا رميت بفضل كأسك في الهوا |
|
عـادت عـليك من العقيق عقودا |
يـا صـاحب العودين لا iiتهملهما |
|
حـرّك لـنـا عودا وحرّق iiعودا | والمقصود بالعود الأول (عود الغناء) وهذان البيتان سائران في معظم كتب المعاني والبديع والمختارات. وتذكرنا قصيدة الشتاء هذه بما حكاه ياقوت الحموي عن برد خوارزم، قال: والذي (أنا شاهدته من بردها أن طُرُقَها تجمد في الوحول ثم يمشي عليها فيطير الغبار منها فإن تغيمت الدنيا ودفئت قليلاً عادت وحولا تغوص فيها الدواب إلى ركبها، وقد كنت اجتهدت أن أكتب شيئاً بها فما كان يمكنني لجمود الدواة حتى أقربها من النار وأذيبها وكنت إذا وضعت الشربة على شفتي التصقت بها لجمودها على شفتي) ومن نوادر شعر الباخرزي قصيدته في وصف مصرع (عميد الملك الكندري) الذي مزق كل ممزق، انظرها في الوراق، وفيها قوله:
مفرقا في الأرض أجزاؤه |
|
بـين قرى شتى iiوبلدان | ومن نوادره قوله:
فـلا تحسبوا إبليس علمني الخنا |
|
فـإنـي مـنـه بالفضائح iiأبصر |
وكيف يرى إبليس معشار ما أرى |
|
وقد فُتحت عيناي لي وهو iiأعور | وقوله من قطعة في ذم إمام ثقيل:
يـطيل قياما في الصلاة iiكأنه |
|
مـنـارة قـس راهب iiمتبتل |
ويفحش في القرآن لحناً iiكأنما |
|
يـشدّ بامراس إلى صمّ iiجندل |
فـقـلت له لما تمطى iiبصلبه |
|
وأردف أعـجازاً وناء iiبكلكل |
وزاد برغمي ركعة في صلاته |
|
ألـم يـكن التسليم منك iiبأمثل | |