الأدب الحق     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
تحياتي للأستاذة صاحبة الموضوع وللأساتذة جميعا، وأهلا ومرحبا بأستاذنا المحبوب أحمد عزو، دعونا نتفق أولا، أو نفترق حول أمر الشاعرية ونوعيتها، وهل هي وحدها الحكم على جودة الشعر والأدب عموما، وهل الموضوع المنظوم فيه له علاقة بتقبل هذه الشاعرية في النفوس أو ليست له علاقة؟ وكذلك لنتعرف على بعض ما قيل في معنى الأدب عند القدماء . فالأدب في الأصل معناه كمعنى ما ورد في الحديث المرفوع : " أدبني ربي فأحسن تأديبي". فالأدب الحق يدعو إلى مكارم الأخلاق الحميدة، وينهى عن الاتصاف بالصفات القبيحة . ولكن تعريف الأدب المصطلح عليه بعد الإسلام هو ما قاله ابن الجواليقي في شرح"أدب الكاتب" لابن قتيبة. قال: " واصطلح الناس بعد الإسلام بمدة طويلة على أن يسموا العالم بالنحو والشعر وعلوم العرب أديبا ويسمون هذه العلوم الأدب وذلك كلام مولد لأن هذه العلوم حدثت في الإسلام." . وعلى هذا التعريف، إن سلمنا بمعناه، فإننا نحسب كل من تعاطى حرفة الأدب من المُجّان الخلعاء أدباء. فهم قد اخذوا من علوم العربية وعلم التاريخ وغيره من العلوم بنصيب وافر. " والأدب أدبان: أدب خلق، وأدب رواية، ولا تكمل أمور صاحب الأدب إلا بهما، ولا يجتمع له أسباب التمام إلا من أجلهما، ولا يعد في الرؤساء، ولا يثنى به الخنصر في الأدباء..."(الرسائل للجاحظ) " والعرب تمدح أهل النّحول، وتذمّ أهل السّمن والجسوم، وتنفيهم عن الأدب، و تنسب أهل النّحول إلى المعرفة وحسن البيان، وأهل السّمن إلى الغباوة وبعد الأذهان." .(أخبار النساء- ابن الجوزي) . وأنا، من أكثر مرتادي الوراق وزنا على الأغلب(107 كيلوغراما) ؛ ولكن الله، وله الحمد، أبعدني مثلما أبعد سراة الوراق ، من اهل النحول وأهل السمنُ سواء، عن الغباوة. فما أوزاننا وإن علت إلا مما يصيبنا من المقت من حال امتنا المتردي. ولا عجب من ذلك؛ فأهل السمن في مثل هذه الحال ما سمنوا إلا من فرط الأسى، ومن كثرة قولهم لعل وعسى.. وما لأمانيهم من مجيب، ولا لصرخاتهم من منصت أديب أريب؛ فيتلهون بكثرة الطعام حتى تنسيهم التخمة ما هم فيه من العذاب، وتشغلهم عما يعانونه في نفوسهم من اضطراب.. فمن هنا جاء السمن الكذاب الخداع. وفي "يتيمة الدهر..." ذكر الثعالبي وهو ينقد شعر المتنبي عنوانا هو : " إساءة الأدب بالأدب "؛ متمثلا قول المتنبي: فغدا أسيرا قد بللتَ ثيابه= بدم وبل ببوله الأفخاذا هذا العنوان الذي ذكره الثعالبي يبين بوضوح الأدب بمعنييه. على أن الثعالبي قال في موضع آخر من "يتيمة الدهر..." : "على أن الديانة ليست عياراً على الشعراء، ولا سوء الاعتقاد سبباً لتأخير الشاعر، ولكن للإسلام حقه من الإجلال الذي لا يسوغ الإخلال به قولاً وفعلاً ونظماً ونثراً، ومن استهان بأمره، ولم يضع ذكره وذكر ما يتعلق به في موضع استحقاقه، فقد باء بغضب من الله تعالى، وتعرض لمقته في وقته، وكثيراً ما قرع المتنبي هذا الباب بمثل قوله: يترشفن من فمي رشفات هن فيه أحلى من التوحيد." . فالمعنى هو ان المتنبي كان شاعرا ولكنه ربما باء بغضب من الله بسبب بعض أشعاره. للموضوع بقية |