مجلس : دوحة الشعر

 موضوع النقاش : غيبة وخيبة: شعر أبي تمام    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 زهير 
14 - سبتمبر - 2010
أبو تمام: أول شاعر أقيمت على قبره قبة في الإسلام، في شعره ملامح عاشق للعلم، مولع بالأدب، باحث عن الحق، ممسك بحلوه ومره، مسافر في سهوله ونجوده، ذواق لطارفه تواق لتالده، وهو صاحب البيت الذي يتغنى به كل أديب:
إن نفترق نسبا يؤلفْ بيننا أدب أقـمـناه مقام iiالوالد
 ولد عام 188 وتوفي سنة 231 وخلف لنا غير الديوان مجموعة مؤلفات أهمها وأشهرها (ديوان الحماسة) وقد استوقفتني في الأيام السالفة قصيدته هذه التي أنشرها اليوم لما فيها من حديث مسهب عما لقيه من مصاعب ومحن، وهي أشبه برسالة يتحدث فيها إلى حبيبته ويعتذر فيها عن طول غيبته وعظم خيبته، ويلاحظ البيتان 19 و20 حيث يقول فيهما لست ممن يسأل هل ليلة القدر في شعبان أم رجب، وكيف رد ابن المستوفي على التفسير المنسوب لأبي العلاء، والقصيدة في روحها على نسق عينية ابن زريق (لا تعذيله فإن العذل يولعه) ويتجلى ذلك في المقطع الذي أوله (مازلت أرمي بآمالي مراميها) بل إن قوله (ما آب من آب لم يظفر ببغيته) هو نظير قول ابن زريق (ما آب من سفر إلا وأزعجه ...إلخ) وسأنشر في تعليق لاحق شرح ابن المستوفي للقصيدة لما فيه من فوائد لغوية ونكت أدبية. واختلاف الروايات في البيت الواحد، كالبيت (24) حيث يروى (أدركتني حرفة العرب) وبقي أن أشير إلى البيت: (في كل يوم أظافيري مقلمة) فقد سكت الشراح عن شرحه، وهو يندب فيه حظه من هذه الحياة حيث حكمت عليه بتقليم أظافره وأن يضع يده على الذهب فيصير نحاسا. إلا أن ذلك لا يعني هوانه في الحياة التي عاشها كما يعيشها الأحرار، قابضا على ناصية الأحداث بملء يده، غير مفتقر فيها إلى سؤال، لا في دين ولا دنيا. هو سوء مطلّب لا شك، ولكنه لم يخدش له عرضا ولم يضع له قدرا.
عَـنَّت  فَأَعرَضَ عَن تَعريضِها iiأَرَبي يـا هَـذِهِ عُـذري فـي هَـذِهِ iiالنُكَبِ
إِلَـيـكَ  وَيـلُـكَ عَـمَّن كانَ iiمُمتَلِئاً وَيـلاً  عَـلَـيكَ وَوَيحاً غَيرَ iiمُنقَضِبِ
فـي  صَـدرِهِ مِـن هُمومٍ يَعتَلِجنَ iiبِهِ وَسـاوِسٌ  فُـرَّكٌ لِـلـخُـرَّدِ iiالعُرُبِ
رَدَّ  اِرتِـدادُ الـلَـيـالي غَربَ أَدمُعِهِ فَـذابَ هَـمّـاً وَجَـمدُ العَينِ لَم iiيَذُبِ
لا أَنَّ خَـلـفَـكِ لِـلَّـذّاتِ مُـطَّـلَعاً لَـكِـنَّ  دونَـكِ مَوتَ اللَهوِ iiوَالطَرَبِ
وَحـادِثـاتِ  أَعـاجـيبٍ خَساً iiوَزَكاً مـا الـدَهـرُ في فِعلِها إِلّا أَبو iiالعَجَبِ
يَـغـلِـبـنَ  قَودَ الكُماةِ المُعلِمينَ iiبِها وَيَـسـتَـقِـدنَ لِفُرسانٍ عَلى iiالقَصَبِ
فَـمـا  عَـدِمـتُ بِها لا جاحِداً iiعَدَماً صَـبـراً  يَـقومُ مَقامَ الكَشفِ iiلِلكُرَبِ
مـا  يَـحـسِمُ العَقلُ وَالدُنيا تُساسُ بِهِ ما  يَحسِمُ الصَبرُ في الأَحداثِ iiوَالنُوَبِ
الـصَـبـرُ كاسٍ وَبَطنُ الكَفِّ iiعارِيَةٌ وَالـعَـقـلُ  عارٍ إِذا لَم يُكسَ بِالنَشَبِ
مـا أَضـيَعَ العَقلَ إِن لَم يَرعَ iiضَيعَتَهُ وَفـرٌ  وَأَيُّ رَحـىً دارَت بِـلا قُطُبِ
نَـشِـبـتُ فـي لُـجَجِ الدُنيا فَأَثكَلَني مـالـي وَأُبـتُ بِعِرضٍ غَيرِ مُؤتَشَبِ
كَم ذُقتُ في الدَهرِ مِن عُسرٍ وَمِن iiيُسُرٍ وَفـي  بَني الدَهرِ مِن رَأسٍ وَمِن ذَنَبِ
أُغـضـي  إِذا صَرفُهُ لَم تُغضِ iiأَعيُنُهُ عَـنّي وَأَرضى إِذا ما لَجَّ في iiالغَضَبِ
وَإِن  بُـلـيـتُ بِـجِـدٍّ مِن iiحُزونَتِهِ سَـهَّـلـتُـهُ  فَـكَـأَنّي مِنهُ في لَعِبِ
مُـقَـصِّـرٌ  خَـطَراتِ الهَمِّ في بَدَني عِـلـمـاً بِأَنِّيَ ما قَصَّرتُ في iiالطَلَبِ
بِـأَيِّ  وَخـدِ قِـلاصٍ وَاِجـتِيابِ iiفَلاً إِدراكُ رِزقٍ إِذا مـا كـانَ في iiالهَرَبِ
مـاذا عَـلَـيَّ إِذا مـا لَم يَزُل iiوَتَري في الرَميِ أَن زُلنَ أَغراضي فَلَم أُصِبِ
فـي كُـلِّ يَـومٍ أَظـافـيـري iiمُفَلَّلَةٌ تَـستَنبِطُ  الصُفرَ لي مِن مَعدِنِ iiالذَهَبِ
مـا كُـنـتُ كَـالسائِلِ الأَيّامَ iiمُختَبِطاً عَـن لَـيلَةِ القَدرِ في شَعبانَ أَو iiرَجَبِ
بَـل  قـابِضٌ بِنَواصي الأَمرِ iiمُشتَمِلٌ عَـلـى قَـواصيهِ في بَدءٍ وَفي iiعَقِبِ
مـا  زِلـتُ أَرمـي بِـآمالي iiمَرامِيَها لَـم يُـخلِقِ العِرضَ مِنّي سوءُ iiمُطَّلَبي
إِذا  قَـصَـدتُ لِـشَـأوٍ خِلتُ أَنِّيَ iiقَد أَدرَكـتُـهُ  أَدرَكَـتـني حِرفَةُ iiالأَدَبِ
بِـغـربَـةٍ كَاِغتِرابِ الجودِ إِن iiبَرَقَت بِـأَوبَـةٍ وَدَقَـت بِـالـخُلفِ iiوَالكَذِبِ
وَخَـيـبَـةٍ نَـبَعَت مِن غَيبَةٍ iiشَسَعَت بِـأَنـحُـسٍ طَلَعَت في كُلِّ iiمُضطَرَبِ
مـا آبَ مَـن آبَ لَـم يَـظفَر iiبِبُغيَتِهِ وَلَـم يَـغِـب طـالِبٌ لِلنُجحِ لَم يَخِبِ


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
شرح ابن المستوفي للقصيدة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
شرح القصيدة كما ورد في كتاب النظام  للمبارك بن أحمد ابن المستوفي:
قال:
وقال أبو تمام في الفخر:
1-
عَنَّتْ فأعرَضَ عن تَعرِيِفها أرَبي         يا هذِهِ عُذُري في هذه النُّكَبِ
قال أبو العلاء:
(عَنَّتْ: اعترضَتْ)، (والتعريض) ذكر الشيء باختصار في ذِكرهِ. وأصله أن يُذكر في عُرض الحديث. وقوله (في هذه النّكبَ)، يروى بضم النون وفتح الكاف، كأنّه جمع نكبة. مثل: ظُلمَةٍ وظُلمَ. ولم يذكروا نُكْبَة بضم النون، وإنما معروف: أصابتهم نَكبَة بالفتح. فإن كان الطائي سمعه في شعر فيجوز أن يكون من باب: نَوْبَة ونُوَبَ. ودَوْلة ودُوَل. ولو رويت (النُّكبُ) بضم النون والكاف لكانت جمع نَكوب من قولك: خَطْبٌ نَكوب، وهو أوجه في كلامهم من الرواية الأولى.
ويروى (عذرتي)
قال المبارك بن أحمد:
يقول: إنها اعترضت وعرّضت، فأعرض عن تعريضها بي أربي، ثم قال: يا هذه عذرتي
هذه النّكب، أي: أن عذري، أي: عذري واضح في إعراض أربي عنك لما نالني من هذه النكبات.
ويروى (يا هذه اقصري) و(فاعذري).
وفي نسخة ابن الليث في الطرّة: عذري وعذرتي. وفي المتن: (يا هذه عُذُري في هذه النكب).
والصواب يقال: عَذَرْتُهُ عُذْرَاً وعُذُراً. ورواية (عُذُرِي) جمع عُذرة اولى، كقوله
(النُّكبُ) مجموعة.
2-
إليكِ وَيلَكِ عَمَّنْ كان مُمتِلئاً         وَيلاً عَليكَ وَوَيْحاً غيرَ مُنْقَضِب
قال أبو العلاء:
قوله (ويلاً عليك) يجوز أن يكون نَصب (ويل) على التفسير، كما يقال: امتلأ الكوز
عسلاً. ويجوز أن يكون مفعولاً لأنَّ (افتعل) قد يكون متعدّياً فتقول: احتملت أمراً
واقتطعت بلداً.
ويروى (إليك ويحك).
3-
في صَدرِهِ مِنْ هُمُومٍ يَعْتِلَجْنَ بهِ         وساوِسٌ فُرَّكٌ للخُرَّدِ العُرُبِ
قال أبو العلاء:
(يعتلجن): يمارسُ بعضهنَّ بعضاً. و(الوساوس): جمع وسوَسة: وهو ما يحدّث الرجل به نفسه. و(الفُرّك): جمع فَروك، من قولهم: فَرَكَتِ المرأة زوجها: إذا أبغضته وكأنه هاهنا مستعار موضوع في غير موضعه.
قال المبارك بن أحمد:
لا شبهة في أن هذا مستعار. وإذا كان مستعاراً فهو موضوع في غير موضعه. وأراد أبو تمام أن هذه الوساوس تبغض الحييات من النساء المتحببات إلى أزواجهن، أي: إنها وساوس هموم، وإذا كانت كذلك شغلت عن الخرّد العرب، وكأنها تبغضهن
.
4-
رَدّ ارْتِدَادُ الَّليالي غَربَ أدْمُعِهِ         فَذَابِ هَمّاً وَجَمْدُ العينِ لم يَذُبِ
5-
لا أنَّ خَلْفَكِ لِلَّذَّات مُطَّلَعاً         لكنَّ دُونَكِ موتَ اللَّهوِ والطَّربِ
أي إن ارتداد الليالي، أي: رجوعها صرف غَرْب أدمُعِه عن الجريَانِ فذاب هَمّاً، لأنه لو بكى وجد راحة، فهو يذوب همّاً من غير بكاء. وقوله: (لا أنّ خلفك لِلَّذُّاتِ مطَّلَعَاً)، أي: لا لأنّي أختار غيرك عليك فيكون خلفك مطلّعاً للذات، وإنما دونك، أي دون فراقك أن يموت اللهو والطرّب. أي: ولكن دون الوصول إليك موتهما.
6-
وحادِثاتٍ أعاجيبٍ خَساً وزكاً         ما الدَّهرُ في فِعْلِهِ إلاّ أبو العَجَبِ
(الخسا): الفرد، و(الزكا): الزوج.
قال أبو العلاء:
يقال: لَعِب الصِّبيان خَسا وزكا. حكاه الفراء غير مُنَوَّن، كأنه يذهب إلى أنه شيئان جُعلا شيئاً واحداً. فإذا أدخلت الواو فالأحسن أن يجاءَ بالتنوين، لأن تلك البنية قد زالت بواو العطف.
وفي النسخة العجمية وغيرها (وحادثاتُ أعاجيب) برفع حادثات وجرّ أعاجيب، كأنه
عطف (ارتداد الليالي). والجرّ على أن (الواو) واو ربّ.
7-
يملِكْنَ قودَ الكُماةِ المُعْلَمِينَ بِها         ويَستَقِدْنَ لِفُرسانٍ على القَصَبِ
ويروى (يغلِبْنَ قود الكماة).
قال أبو العلاء:
وقوله (الفرسان على القَصب) يريد أن الزمان بصروفه يفعل مالا يجب، فيقود فوارس الخيل المُعْلِمين، أي الذين قد شهروا أنفسهم لشجاعتهم. ويستقيد لفرسان يركبون القَصب، لأن الصبيان ربما فعلوا ذلك في لعبهم، ويفعله المجنون والموسوس.
وأنشد الآمدي هذين البيتين، وقال:
(الخسا): الفرد. و(الزكا): الزوج. و(فرسان القصب): الصِّبيان، وهذه ألفاظ في غاية الخلوقة والسخافة. ولو قال (يستقدن لأهل الجبن والرعب أو الرهب) كان أحسن وأحلى وأجمل حتى يكونوا ضِدّ الفرسان المعلمين.
وفي النسخة العجمية: (لا إن) بكسر الهمزة. وفي الحاشية (لا أن) بفتحها، وفيها (يغلبْنَ) يعني الأعاجيب. و(بها) أي: بالأعاجيب. و(يستقدن)، أي: ينقدن. وقوله: (لا أن خلفك)، أي: لا أختار عليك، ولكن دونك من الهموم والعوائق.
وفي غيرها: أي: دون الوصول إليك موت اللهو لليأس مما شُغفت به، وقوله: (لا أن
خلفك). أي: لا لان خلفك أيتها الحبيبة.
8-
فَما عَدِمتُ بها لا جاحِداً عَدَماً         صبراً يَقومُ مَقَامَ الكَشفِ لِلْكُرَبِ
قال الصولي:
لم أعدم الصبر، ولم أجحد أني عدمت المال في تصرفي.
وفي نسخة: ولم أجحد عدما، أي: عدمت المال في تصرفي.
والنسخة العجمية: (بها): بالحادثات. وفيها حاشية: أي لا أقول أني لم أعدم المال،
ولكنني لم أعدم الصبر.
9-
ما يَحسِمُ العقلُ والدُّنيا تْساسُ به         ما يَحسِمُ الصَّبرُ في الأحداثِ والنُّوبِ
(ما) الثانية بمعنى (الذي). ويجوز أن تكون بمعنى (المصدر). و(ما) الأولى: نافية

15-
في كُلِّ يومٍ أظافيرِي مُقلَّمَةٌ         تستنبِطُ الصُّفرَ لي من مَعْدِنِ الذَّهبِ
قال أبو العلاء:
(مُقلّمةٌ): مُقصَّصَة. ويروى (مُفلَّلة). ويروى (صواقيري مفلّلة)، فهو جمع (صاقور) وهو فأس تُكسر بها الحجارة.
16-
ما كُنتُ كالسَّائِلِ الأيَّامِ مختبطاً         عنْ ليلةِ القدرِ في شعبانَ أوْ رجبِ
قال أبو العلاء:
(مختبطاً) من قولهم: اختبَط ما عنده: إذا طاب معروفه. ومعنى البيت: إنه وصف نفسه بالعلم، فقال: لم اطلب ليلة القدر في شعبان ولا رجب، لأنها تكون في العشر الأواخر من رمضان، وهذا البيت مبني على ما في الحديث من ذكر ليلة القدر، وفي نسخة (مجتهراً). وفي أخرى (محتبطاً).
وقول أبي العلاء (يصف نفسه بالعلم) قول مرذول، وإنما أراد أن ينفي عن نفسه الجهل، فلا يكون كمن يسأل الأيام عن ليلة القدر في شعبان أو رجب، وهذا إنما يفعله الجاهل، فهو ليس مثله، ويدل عليه قوله بعده.
17-
بَلْ قابِضٌ بنواصِي الأمرِ مُشتَمِلٌ         على قَوَاصِيهِ في بَدْءٍ وفي عَقِبِ
ويروى (بل سافع).
قال الآمدي:
هو من قوله جل اسمه (لَنَسْفَعاً بالنّاصية). والسفع بالشيء هو أن يؤخذ ويجذب جَذباً
فيه عنف. وكان ينبغي ان يقول: بنواصي الحزم والعزم، فأمّا (الأمر) فانّه غير مفيد. هذا كلامه.
هذا تعصّب من الآمدي. وقول أبي تمام (بنواصي الأمر)، يريد: نواصي الأمر الذي أطلبه من مظانه ومن وجهه، ولكني لا أظفر، وهو أولى من الحزم، لأن الحزم: الأخذ بالثقة، وأبو تمام وإن كان قد طلب ما طلبه من جهاته فليس على ثقة، وعلى أن الحزم هو نفس الأمر الذي ذكره أبو تمام.
قال الجوهري: الحزم: ضبط الرجل أمره وأخذه بالثقة. وإذا كان قد قبض نواصي الأمر فقد فعل الحزم. وأما (العزم) فلا معنى له في هذا البيت.
وروى الأمدي (في يدي وفي عقبي).
وقال الامدي في تفسير قوله الحزم: (تبنى خطوب الدهر لا الخطب).
قوله (الحزم تبنى خطوب الدهر) ليس بواجب قاطع على كلّ حال، ولو كان ذلك كذلك لما رأيت حازماً قط يصيبه من الدهر ما يكرهه. ولكن لمّا كان الحزم قد يفعل ذلك صلح ذكره ففي هذا بعض المغايرة لكلامه الأول. وشاهد أن قوله (بل قابض بنواصي الأمر).
(الأمر) فيه أولى من (الحزم).
ومن هذه الأبيات:
18-
أغْضِي إذا أمْرُهُ لم تُغضِ سورَتُهُ         عَنِّي وأرْضى إذا ما لَجَّ في الغَضَبِ
ويروى (إذا صَرفُهُ لم تُغضِ أعينُهُ). ويروى (لم تغض سطوَتُهُ)
19-
فإن بُلَيتُ بجِدٍّ من حُزُونتهِ         سهّلتُها فكأنِّي منهُ في صَبَب
(سهلتها): غلبتها. ويروى (بحدِّ من حزونته). ويروى (وإن بكيت).
20-
مُقصِّرٌ خَطَراتِ الهَمِّ في بَدَني         علماً بأنِّي ما قَصَّرْتُ في الطَّلَبِ
ويروى (مقصراً خطرات البثِّ في بدني علمي ...)
21-
ماذا عليَّ إذا ما لم يَزُلْ وَتَري         في الرَّمي أنْ زُلنَ أغراضي فلم أُصِبِ
يقول: ما قصَّرتُ في الطلب إلا أن المطلوب لم يتمكّن. هذا لفظ النسخة العجمية. في
الطرّة: جمع الضمير في (زلن) مع تقدمه على الفاعل.
وفي نسخة: (إن زلن) بكسر الهمزة. وجوابه ما دلّ عليه قوله (ماذا عليّ؟) وموضع
المفتوحة نصب على انه مفعول له، والعامل فيه معنى: (ماذا علي؟).

23-
إذا قصدْتُ لشأوٍ خِلْتُ أنِّيَ قدْ         أدرْكُتهُ، أدْركْتنِي حرفةُ الأدبِ
24-
بغربَةٍ كاغْترابِ الجُودِ إنْ بَرَقَتْ         بأوبَةٍ وَدَقَتْ بالخُلفِ والكَذِبِ
(الغربة) بفتح الغين: البعيدة جداً. قال الجوهري: الودَق: المطر. وقد وَدَقَ يدِقُ ودْقاً، أي: قَطَرَ
ويروى (إن برقت نار به). ويروى (بغربة) بضم الغين.
و(دَقَتْ) من قولهم: ودَقَ السَّحابُ: إذا جاء بِقَطْر عظام. وقيل: (الوَدَقْ): دُنُّو السحاب
من الأرض، ثم سُمِّى الغيثُ ودقاً على الاتساع.
25-
وخيبةٍ ينعتْ منْ غيبَةٍ شسَعَتْ         بأنْحُسٍ طَلَعَتْ في كلِّ مُضطَرَبِ
ينعتْ وأينعت لغتان. وأينعت ويانع اكثر وافصح. وهو من إدراك الثمرة. و(شسعت): بُعدت. ويروى (وخيبة نبعت) من نبع الماء. وكلاهما مستعار. و(كل مضطرب)، أي رحلة ومشقّة.
وقال الآمدي:
بغربة كاغتراب الجود إن برقت         بأوبة ودقت بالخلف والكذب
إذا عمدت لشأوٍ خلت أنّي قد         أدركته أدركتني حرفة العرب
وقوله (كاغتراب الجود إن برقت بأوبة ودقت بالخلف والكذب) فشبّه غيباته بغيبة الجود الذي يقال انه يقدم ولا يقدم، يؤكد بهذا عدم الجود، وإنه كلما طمع فيه من أحد كان بعيداً. فجعله كالغائب الذي يقال انه يقدم ثم لا يقدم. و(ودقت): من الودق. وهو قطر المطر. يقول: هذا هو قد قدم من غيباته إلا انه جعل نفسه كمن لا يقدم. لأنه قدم بالخيبة، فلذلك قال بعده:
26-
مَا آبَ مَنْ آبَ لم يَظْفَرْ بحَاجَتِهِ         ولم يَغِبْ طَالِبٌ للنُّجْحِ لم يَخِبِ
وهذا تعسف الخرس أحسن منه. وقوله: (إن برقت بأوبة) يعني الغيبة. واستعارة
(البرق) لا يحسن إلا باستعارة (السحاب) معه. وكان الجيد أن يقول (برقت، جاء سحابها بأوبة) لو استقام له.
وقوله: (أدركتني حرفة العرب): معنى ما قاله أحد غيره، ولا جعل أحد العربَ محارفين سواه. ودليل حرفتهم ما هو إلا أنهم قهروا الأمم كلها حتّى صار الملك فيهم، وهم على تلك الغيرة الجاهلية إلى هذا الوقت. وما زال الناس ينكرون هذا المعنى عليه ويعيبونه.
ولو كان قال (حرفة الأدب) كان أولى بالصواب، وبما يستعمله الناس، ولأنه أديب غير مدفوع. وليس في القصيدة أيضاً (الأدب).
وقد رواهُ قوم (الأدب) إنكاراً لذكر العرب هنا، وغيّروه في عدّة من النسخ، والذي
تضمّنته النسخ القديمة، نسخة أبي سعيد السّكري، وأبي علي محمد بن العلاء وغيرهما، إنما ذلك لشّدة عشقه بالعربية. وأن يقال طائي. وقد أنكر ذلك عليه أيضاً ابن عمّار وغيره، وهذا دليل على إنه قال: إلا حرفة العرب.
*زهير
14 - سبتمبر - 2010
خسا زكا    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
لعلَّ صواب الكتابة ( خسا زكا ) وإعرابه : مركبٌ ؛ مبنيٌّ على فتح الجزأين ؛ في محلِّ نصبٍ ؛ حالٌ .
*محمود العسكري
1 - أكتوبر - 2010
استعارات أبي تمام    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
قدَّم الأستاذ / زهير لهذه القصيدة من شعر أبي تمامٍ بديباجةٍ أدبيَّةٍ راقيةٍ ، ثم شرح أحد الأبيات التي أغفلها الشرَّاح بشرحٍ لا أحاشي أن أقول : إنه شعرٌ يفسِّر الشعر، بل هو أدلُّ على المعنى ، وأثرى بما كشف من مخبآت لطائفه ، واستثار من دفين دقائقه ؛ لولا ما ذهب به ذلك البيت الشعريُّ من فضيلة النظم ، وإن مثلَ هذا الشرح لهو أكثر خدمةً في تقريب لذَّةِ وجمالِ الشعر لعموم القرَّاء من الشروح التي تقتصر على شرح المفردات والكلام على غوامض الأعاريب ؛ وكأنها موضوعةٌ للعلماء لا لشداة الأدب ، فهل لنا أن نلتمسَ من الأستاذ الفاضل أن يُوَظِّف ذائقته الأدبية ومعارفه اللغوية والتاريخية في عملٍ كاملٍ يتناولُ فيه بالقراءةِ والتفسيرِ والغوصِ إلى الأسرار البيانية والجلاءِ لما ينتقده بذائقته ومعرفته الأدبية = طائفةً من كبار الشعراء قدامى ومحدثين ؟! ، وللأستاذ / زهير موضوعاتٌ كثيرةٌ أطلعَنا فيها على روائعَ وروائعَ من عيون الشعر ، وعرَّفنا بكثيرٍ من الشعراء الممتازين الذين لم يكن من حظِّهم أن تتسلَّط عليهم أضواء الشهرة ، ولكنها موضوعاتٌ متناثرةٌ ، كما أنها قراءةٌ بعينٍ راضيةٍ ؛ فهي عن كُلِّ عيبٍ كليلةٌ ، والملتمَس هو عملٌ خاصٌّ موجَّهٌ نتعرَّف به على الأستاذ / زهير = ناقدًا ذوَّاقةً كما عرفناه شاعرًا أديبًا .
ولعلَّ ما أثار بخاطري هذا الأمر : أنَّ لي مأخذًا على استعاراةٍ لأبي تمامٍ في هذه القصيدة ، وأبو تَمَّامٍ إمامٌ في البلاغة وراءه صفوفٌ من الأجيال التي تتلمذت على شعره ، وهو أول من أرسى قواعد مذهب البديع في الشعر العربيِّ ، إلا أن حرصه الشديد على النكتة البديعية - والتي لا يخلو منها بيتٌ في هذه القصيدة ؛= ربما أوقعه في مكروهاتٍ أخذها من أخذها عليه من النقاد ، والاستعارة التي أنتقدها هي قوله : (وخيبةٍ نبعت) ؛ فإن الخيبة أمرٌ عقليٌّ محضٌ في إدراكه ، والنَّبع أمرٌ حسيٌّ خاصٌّ في تفجُّر الماء من الأرض ، فالمشابهة بينهما بعيدة البون ، وفيها إغراقٌ قد ينـزل إلى السخافة ، ثم إن النبع قد يستعار للظهور من داخلٍ إلى خارجٍ ، فيقال مثلاً : ينابيع الحكمة ، لكن الخيبة أمرٌ لا داخل له ولا خارج ، بل هو أمرٌ مفهومٌ في العقل لتخلُّف الآمال ، ولهذه الاستعارة نظائر كثيرةٌ في شعر أبي تمامٍ كقوله : (بَدُن الرَّجاءُ به وكان نَحِيفًا) ، فاستعارة البدانة والنحافة للرجاء بعيدةٌ متكلَّفةٌ ، لكن يُعَبَّرُ بكلماتٍ عامَّةٍ كالعِظَم والصِّغَر .
*محمود العسكري
2 - أكتوبر - 2010
شيخ الشباب    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
تحية طيبة لشيخ الشباب والعجب العجاب الأستاذ محمود الدمنهوري والذي ربما لا يعرف الكثيرون من أصدقاء الوراق الجدد أنه لا يزال في الثانية والعشرين من عمره، فهنيئا لوالديه هذه المأثرة الخالدة.
أما (وخيبة نبعت) فهي كما ترون في شرح ابن المستوفي إحدى روايتين وصلتنا للبيت، والثانية (ينعت) والتزامه السجع في البيت أفقد المعنى جماله على حساب اللفظ.
أما (خسا زكا) فمراد الأستاذ محمود أنه قد يكون كذلك في الأصل وليس في البيت وعلى ذلك وردت في شعر أبي معتصم الأنطاكي يصف حصانا:
كـأَنّـمـا  iiأَرْبَـعُهُ إِذا تَـنَـاهَبْنَ iiالثَّرَى
ريحُ  الجَنُوبِ iiوالدَّبو رِ والـشَّمَالِ iiوالصَّبَا
يَلْعَب في الأَرْضِ بها مـن  مَرَحٍ خَسَا زَكَا
 
*زهير
3 - أكتوبر - 2010
معجم معاني الشعر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
شكرًا للأستاذ / زهير ، ومعذرةً إذا شغلت خاطره باقتراحٍ ثانٍ ، علمًا بأن أستاذنا القدير خير من يتصدَّى لمثل هذه الأعمال بتوفيق الله ، وهذا حقٌّ وصدقٌ بلا مجاملةٍ ، والذي أهاب بهذا الاقتراح هي هذه الأبيات لأبي معتصم الأنطاكي ؛ فإنها من غرائب الشعر .
هذا الاقتراح هو : ( مُعْجَمُ مَعَانِـي الشِّعْر ) ،: سفرٌ جامعٌ ، يضم بين دِفَّتيه المعانـي المطروقة في الشعر مرتبةً على حروف المعجم ، وتحت لواء كل معنًى تنضوي بدائع الشعر بطرقها المختلفة في الدلالة على هذا المعنى من تشبيهٍ بليغٍ ومجازٍ رائعٍ وكنايةٍ ماكرةٍ ، ويجمع أيضًا أبياتًا من الشعر مع اتفاق دلالتها - لاختلاف أساليبها وتراكيبها مما يرجع النظر فيه إلى علم المعانـي ، أو لتحلِّيها بِحُلًى فائقةٍ من البديع ، أو لكونها على نمطٍ نادرٍ من العروض والقافية ، كزائيَّة الأستاذ / زهير من المقتضب ، ولا أعلم إن كان لها توأمٌ في ديوان الشعر أو لا ، لكن لبُّ هذا المعجم ما ذُكِر أولاً ؛ ليكون ذخيرةً لمن يقرأ علم البيان معلِّمًا أو متعلِّمًا ، فمثلاً : تحت حرف الخاء يرد باب : الخيل ، ثم يتفرَّع هذا الباب إلى شُعَبٍ ، تكون شعبةٌ منها بعنوان : عَدْو الخيل ، تودع فيها هذه الأبيات لأبي معتصم الأنطاكي ، وفي حرف الباء مثلاً ، تحت باب : البرق ، يودع البيت الفذُّ لابن المعتزِّ : (وكأن البرق مصحف قارٍ - فانطباقًا مرَّةً وانفتاحًا) ، وهكذا .
وبظني أن كتابًا كهذا لم يسبق إليه على هذا النحو من التصنيف والترصيف سابق ، ولو أن الأستاذ / زهير اتجَّه إلى وضعه بعزيمةٍ حذَّاءَ = فلن يلحقه لاحق ، لاستحضاره العجيب لأشتات الأشعار العجيبة ؛ وكأنها منه على طرف الثمام ، والله ولي الخيرات .
*محمود العسكري
4 - أكتوبر - 2010
الإفراط في الاستعارة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
طالعت اليوم في كتاب ( الوساطة بين المتنبي وخصومه ) لعلي بن عبد العزيز الجرجاني - غفر الله لنا وله وجزاه خيرًا - ، ولم يسبق لي مطالعته من قبل ، لكن الكتاب يدلُّ أبلغ دلالة على موقع صاحبه من العلم والبلاغة ، وأن من أثنى على كمالات الرجل ممن ترجم له = فقد همز شاكلة الصواب بلا تزيُّدٍ أو إغراقٍ ، ومن قرأ هذا الكتاب وكتاب ( أسرار البلاغة ) لعبد القاهر الجرجاني = قال : إنهما يقبسان من نارٍ واحدةٍ ، وقد استللت من نشرة الوراق هذا الفصل ، مع تصويب أخطاء إملائية طفيفة .
( الإفراط في الاستعارة )
وقد كانت الشعراء تجري على نهْج منها قريب من الاقتصاد، حتى استرسل فيه أبو تمام ومال الى الرّخصة، فأخرجه الى التعدي، وتبعه أكثر المحدَثين بعده، فوقفوا عند مراتبهم من الإحسان والإساءة، والتقصير والإصابة. وأكثرُ هذا الصنف من الباب الذي قدمت لك القول فيه، وأقمت لك الشواهد عليه، وأعلمتك أنه يميَّز بقبول النفس ونفورها، وينتقد بسكون القلب ونبوّه. وربما تمكنت الحجج من إظهار بعضه، واهتدتْ الى الكشْف عن صوابه أو غلطه، وقد كان بعض أصحابنا يجاريني أبياتاً أبعد أبو الطيب فيها الاستعارة، وخرج عن حد الاستعمال والعادة؛ فكان مما عدد منها قوله:
مسرّةٌ في قُلوب الطّيبِ مفرِقُهـا - وحسرةٌ في قلوبِ البَيض واليلَبِ
وقوله:
تجمعتْ في فؤادِه همَـمٌ - ملء فؤاد الزمان إحداها
فقال: جعل للطيب والبيض واليلَب قلوباً وللزمان فؤاداً. وهذه استعارة لم تجر على شبه قريب ولا بعيد؛ وإنما تصح الاستعارة وتحسن على وجه من المناسبة، وطرف من الشبه والمقاربة. فقلت له هذا ابن أحمر يقول:
ولهت عليه كل مُعصفة - هوجاء ليس للبّها زبْر
فما الفصل بين من جعل للريح لُبّاً، ومن جعل للطيب والبيض قلباً! وهذا أبو رميلة يقول:
هم ساعدُ الدهر الذي يتقي به - وما خير كف لا تنوء بساعدِ
وهذا الكميت يقول:
ولما رأيت الدهرَ يقلِبُ ظهـره - على بطنه فعل الممعّك بالرّمل
وشاتم الدهر العبقي يقول:
ولما رأيتُ الدهر وعْراً سبيلُه - وأبدى لنا ظهراً أجبّ مسمّعا
ومعرفة حصاء غير مفاضة - عليه ولوناً ذا عثانين أجْدَعـا
وجبهة قرد كالشِّراك ضئيلة - وصعّر خديه وأنفاً مجدَّعـا
فهؤلاء قد جعلوا الدهرَ شخصاً متكاملَ الأعضاء، تامّ الجوارح؛ فكيف أنكرت على أبي الطيب أن جعلَ له فؤاداً! فلم يحِرْ جواباً غير أن قال: أنا استَبَرْت ووجدت بين استعارة ابن أحْمر للريح لُبّاً، واستعارة أبي الطيب للطيب قلباً بوْناً بعيداً، وأصبت بين استعمال ساعد للدهر في بيت ابن رميلة، واستعمال فؤاد للزمان في بيتِ أبي الطيب فصلاً جليّاً، وربما قصر اللسان عن مُجاراة الخاطر، ولم يبلغ الكلام مبلغ الهاجس.
حدّثني جماعةٌ من أهل العلم عن أبي طاهر الحازمي وغيره من شيوخ المصريين عن يونس بن عبد الأعلى قال: سألت الشافعي رضي الله عنه عن مسألة فقال: إني لأجد بيانَها في قلبي،ولكن ليس ينطلقُ به لساني.وما أقربَ ما قالَه من الصواب وأخلقه بالسداد! وقد أجِد لهذا الفصل الذي تخيّل له بعضَ البيان؛ وذلك أنّ الريحَ لما خرجت بعُصوفها من الاستقامة، وزالت عن الترتيب شُبِّهت بالأهوج لا مُسكَة في عَقله، ولا زَبر للُبّه؛ ولما كان مدار الأهوج على التباس العقل حسُن من هذا الوجه أن يجعل للريح عقلاً، فأما الدهرُ فإنما يرادُ بذكره أهلُه؛ فإذا جعل للدهر ساعداً وعضُداً ومنكِباً فقد أقيم أهلُه مقام هذه الجوارح من الإنسان؛ وليس للطيب والبَيضِ واليلَب ما يُشبه القلب، ولا ما يجري مع هذه الاستعارة في طريق.وقوله:
ملء فؤاد الزمان إحداها
إن عدل به الى أهله وأزيل عن مقتضى لفظه اختلّ المعنى وانقطع عن قولِه بعده:
فإنْ أتى حظُّها بـأزمـنةٍ - أوسعَ من ذا الزّمانِ أبْداها
فهذا فصلٌ واضح وفرقٌ ظاهر. وأما أبيات شاتم الدهر فإنما صدرت مصدرَ الهزْل، وجرَتْ على عادةٍ في الاستعمال مُتداولةٍ؛ وذلك أنهم لما ابتذلوا اسمَ الدهر واعتمدوا على صرْفِه في الشكاية والشُكر، وأحالوا عليه باللّوم والعتْب، وألِفوا ذلك واعتادوه حتى صار أغلبَ على كلامهم، وأكثر في شعرهم وخطابهم من ذِكر أهله وأبنائه، ومن تقعُ هذه المحامد والملاوم عنه، ويحدُثُ أسبابُها عن جهته صار كالشخص المحمود المذموم، والإنسان المحسنِ المسيء، فوُصِف بأوصافه، وحلي بحلاه، وجعل له أعضاء تعدّ وتُنعت، وتستكرم وتستُهجَن، ومثل هذه الألفاظ قول امرئ القيس؛ يريد الليل:
 فقلتُ له لما تمطّى بصُلبِـه - وأردَف أعْجازاً وناء بكلْكَلِ
فجعل له صُلباً وعجُزاً وكلْكَلاً لما كان ذا أوْلٍ وآخر، وأوسط مما يوصف بثقل الحركة إذا استطيل وبخفّة السير إذا استقصر؛ وكلّ هذه الألفاظ مقبولة غيرُ مستكرهة، وقريبة المشاكلة ظاهرةُ المشابهة، وإنما يُحمَل ما جاء من ألفاظ المحدَثين وكلام المولَّدين زائِلاً عن هذا الموضع وغير مستمرّ على هذا السّنَن على وجوه تقرِّبهم من الإصابة، وتقيمُ لهم بعضَ العُذر، وتلك الوجوه تختلفُ بحسب اختلاف مواضعه، وتتباين على قدْر تبايُن المعاني المتضمنة له، فإذا قال أبو الطيب:
مسرّةٌ في قلوبِ الطّيب مفرِقُها
فإنما يريد أن مباشرةَ مفرِقها شرف، ومجاورتَه زيْنٌ ومفخرة، وأن التحاسدَ يقع فيه، والحسرةَ تقع عليه، فلو كان الطّيبُ ذا قلْب كما لو كانت البَيض ذوات قلوب لأسِفت؛ وإذا جعل للزمان فؤاداً أملأته هذه الهمّة فإنما أورده على مقابلة اللفظ باللفظ، فلما افتتح البيتَ بقوله:
تجمّعتْ في فؤادِه همَم
ثم أراد أن يقول إن إحداها تشغل الزمان وأهله ولا يتسع لأكثرَ منها ترخَّص بأن جعل له فؤاداً وأعانَه على ذلك أنّ الهمةَ لا تحل إلا الفؤاد، وسهّله في استعارة الأوصاف. وإذا قال أبو تمام:
يا دهرُ قوِّمْ من أخدَعَيْك
فإنما يريد: اعدل ولا تجُر، وأُنصِف ولا تحِفْ. لكنه لما رآهم قد استجازوا أن ينسُبوا إليه الجَوْر والميل، وأن يقذفوه بالعَسْف والظلم، والخُرْق والعنف، وقالوا: قد أعرض عنا، وأقبل على فلان، وقد جفانا وواصل غيرنا، وكان الميل والإعْراض إنما وقع بانحراف الأخْدَع وازْورار المنْكِب، استحسن أن يجعلَ له أخدعا، وأن يأمُر بتقويمه. وهذه أمور متى حُمِلت على التحقيق، وطلب فيها محض التقويم أُخرِجت عن طريقة الشعر، ومتى اتّبع فيها الرخص، وأُجرِيت على المسامحة، أدّت الى فساد اللغة، واختلاط الكلام. وإنما القصد فيها التوسط والاجتزاء بما قرب وعُرِف. والاقتصار على ما ظهر ووضح.
*محمود العسكري
2 - نوفمبر - 2010
سهري لتنقيح العلوم    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
أحببت أن أنقل هنا نقلاً من هامش كتاب ( صفحات من صبر العلماء ) لعبد الفتاح أبو غدة -جزاه الله خيرًا- عن أبيات : ( سهري لتنقيح العلوم ألذ لي ... ) ، صفحة 139 .
(( هذه الأبيات وجدتها معزوة للزمخشري ، في الترجمة المذكورة له في آخر تفسيره الكشاف التي كتبها الشيخ إبراهيم بن عبد الغفار الدسوقي رئيس المصححين بدار الطباعة الميرية البولاقية في مصر المتوفى سنة 1300 رحمه الله تعالى في طبعة الكشاف البولاقية سنة 1281، ثم نقلت عنه في الطبعات التي تلتها ، ولم أقف عليها في مصادر ترجمته التي رجعت إليها .
وذكر هذه الأبيات العلامة الآلوسي المفسر المتوفي سنة 1270 في كتابه غرائب الاغتراب ص61 في سياق كلام له قائلا : ( ... يحق لي أن أقول ... ) ثم أوردها وجاء فيها عنده البيت الخامس ، ولم يرد في سياقة الترجمة المذكورة . ولا شك أنه تمثل بها ، فقد ذكر العلامة الفقيه أحمد الطحطاوي الحنفي المتوفي سنة 1231 في حاشيته على الدر المختار 1 : 22 ، الأبيات الأربعة الأولى ، وعزاها إلى التاج السبكي ، وتابعه العلامة الفقيه ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار  1 : 23 ، ولعل التاج السبكي تمثل بها ، فهي بشعر الزمخشري وأسلوبه أشبه والله تعالى أعلم )) .
*محمود العسكري
3 - نوفمبر - 2010
تشبيهات البرق    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
تقدم في هذه الصفحة ذكر بيتٍ نادرةٍ لابن المعتز في تشبيه البرق بالمصحف حالي الانطباق والانفتاح ، وهذا تشبيهٌ آخر أظنه منقطعَ القرين محميَّ الحريم :
( وَالْبَرْقُ مِثْلُ حَنِيرَةٍ - لِّلْغَيْمِ تَنْدِفُ قُطْنَهُ و )
والحنيرة : هي المندفة ، أو القوس في اصطلاح أهل هذا الكار ، وهو تشبيه تمثيلي ، ووجه الشبه هيأةٌ منتزعةٌ من عِدَّة أمورٍ ، فإن البرق في تواليه السريع إيماضةً بعد إيماضةً والغيمَ من أخاديد السوط يتطاير مِزَقًا وشِقَقًا ؛= يشبه حنيرة الندَّاف في تواليها السريع خَفْقةً بعد خَفْقةٍ والقطن من تحتها يتطاير أباديد أباديد .
*محمود العسكري
9 - نوفمبر - 2010

 
   أضف تعليقك