مجلس : اللغة العربية

 موضوع النقاش : المعاني الشعرية "قضية بين الاقتباس والجودة والرداءة"    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 طماح 
22 - أغسطس - 2010
 
قضية المعاني الشعرية قضية لا تفصل عن الألفاظ ؛ لذا أحببتُ فصلها ناظرًا ما يمكنني فعله وجمعه منفردًا، فكان تقريري على النحو الآتي:
 
أ‌.        بناء القصيدة العربية:
 
قدم ابن طباطبا العلوي" ت 322هـ " تصوّرًا لإنشاء القصيدةِ يبدأ بفكرةِ " الغرض الشعريّ" إلى إنشاء ضربٍ خاص من الكلام هو الشعر. وإذ ذاك يركز الشاعر تفكيره في المعنى الذي يريد بناءَ القصيدة عليه مدحًا أ هجاءً أو رثاءً...الخ. ويجمع ما أتاه من معانيَ جزئيةٍ حول هذا المعنى في فكره نثرًا، ثم يختار لها ألفاظـًا تطابقـُها، وقوافيَ توافقها، ووزنـًا يسهُل له نظمُ هذه المعاني عليه. وكلما حصّل بيتـًا ينتمي إلى الفكرة الرئيسة التي رام التعبيرَ عنها في قصيدتِه أثبته وأتى بالمعاني الموافقة للقوافي التي تتأتـّى له، دون مراعاةٍ للترابط بين الأبيات. حتى إذا استوفى المعاني الجزئية لمعناه الرئيس لحم بين الأبياتِ حتى تظهرَ القصيدة كأنها نسيجٌ ملتحمٌ لا هلهلة فيه، ثم يعيد النظر فيه وينقحه. [1]
 
وهكذا فإننا نرى كيف أن ابن طباطبا أعار اهتمامًا بالغـًا بالمعاني في الشعر، وكيف أنه جعل المعنى الأساس الذي يقوم عليه العمل الشعري على مدى العصور، لكن ماذا نقصد بـ "المعنى"؟
 
المعنى: هو ما يدل عليه اللفظ ، [2] ويهتم بالمضامين؛ فهو ما يقصد بشيء، ولا يطلقون المعنى على شيء إلا إذا كان مقصودًا، وهو الغرض من الكلام. [3]
أما اصطلاحًا: فهو الصورة الذهنية إذا وقع بإزائها اللفظ من حيث إنها تـُقصَد منه. [4]
 
كيفية اجتلاب المعاني واقتباسها وتأليف بعضها إلى بعض:
يجب على من أراد جودة التصرف في المعاني وحسن المذهب في اجتلابها والحذقَ بتأليف بعضها إلى بعض أن يعرفَ أن للشعراء أغراضًا أوّل هي الباعثة على قول الشعر، وهي أمور تحدُث عنها تأثرات وانفعالات للنفوس، قد يؤنسها بالمسرة أو يقبضها بالكآبة.
وقد تبين أن أغراض الشعر أجناسٌ وأنواع تحتها أنواع، فأما الأجناس الأ ُوّل :فالارتياح والاكتراث وما تركب منها... وهي الطرق الشاجية، والأنواع تحت هذه الأجناس هي: الاستغراب والرضى والغضب والنزاع والنزوع والخوف والرجاء، والأنواع التي تحت تلك الأنواع هي: المدح والنسيب والرثاء وما جرى مجرى هذه الطرق من المقاصد الشعرية.
فمعاني الشعر على هذا التقسيم ترجع إلى وصفِ أحوال الأمور المُحَركة إلى القول أو إلى وصف أحوال المحركين لها أو إلى وصف أحوال المحركات والمحركين معًا، وأحسن القول وأكمله ما اجتمع فيه وصف الحالين. وبمعنى آخر قيل إن المعاني صنفان: وصف أحوال الأشياء التي فيها القول، ووصفُ أحوال القائلين أو المقول على ألسنتهم، ويجب على من أراد حسن التصرف في المعاني، أن يعرف وجوه انتساب بعضها إلى بعض؛ إذ لكل معنـًى معنـًى أو معانٍ تناسبه وتقاربه، وأيضًا يوجد له معنـًى أو معانٍ تخالفـُه. [5]
ويحسن أن يُقصدَ تنويع الكلام من جهة الترتيبات الواقعة في عباراته، وفيما دل عليه الوضع والبعد عن التواطؤ والتشابه، وأن يؤخـَذ الكلامُ مِن كلِّ مأخـَذٍ حتى يكونَ كلٌّ مستجـِدًّا بعيدًا عن التكرار، فيكون بذلك أخف على النفس وأوقع منها بمحل القبول.
 
ـ ضربا المعاني:
   والمعاني على ضربين:
ضربٌ يبتدعه صاحب الصناعة ـ الكتابةـ من غير أن يكونَ له إمامٌ يقتدي به فيه، فيكون مبتكرًا لذلك المعنى، وهذا الضربُ ربما يقع عليه عند الخطوب الحادثة ويتنبّه له عند الأمور النازلة الطارئة كما في معاني زهير بن أبي سلمى الحكيمة ودعوتِه إلى السلم ونبذ الحرب.
والضرب الآخر ما يحتذيه على مثال تقدم ورسم ٍ سبق.
 
وينبغي أن تـُطلبَ الإصابة في جميع ذلك، ويتوخى فيه الصورة المقبولة والعبارة المستحسنة، ولا يتكِل فيما ابتكره على فضيلةِ ابتكاره إياه، ولا يغره ابتداعه له فيساهل نفسه في تهجين صورته فيذهب حُسنه، ويطمِس نوره، ويكون فيه أقرب إلى الذم منه إلى الحمد.
 
ـ استثارة المعاني من مكامنها واقتباسُها:
ولاقتباس المعنى واستثارتِه طريقان:
1.     أن تقتبس منه لمجرد الخيال وبحث الفكر، وهذا يكون بالقوة الشاعرة بأنحاء اقتباس المعاني وملاحظة الوجوه التي منها تلتئم، ويحصل لها ذلك بقوة التخيل والملاحظة لنسب بعض الأشياء من بعض، وتمايز بعضِها عن بعض.
2.     أن تقتبس المعاني منه بسبب زائد على الخيال والفكر، وهو ما استـَندَ فيه بحثُ الفكر إلى كلام جرى في نظم أو نثر أو تاريخ أو حديثٍ أو مَثل. فيبحثُ الخاطر فيما يستند إليه مِن ذلك على الظفر بما يسوّغ له معه إيراد ذلك الكلام أو بعضه بنوع من التصرف والتغيير أو التضمين، فيُحيل على ذلك أو يُضمّنه أو يدمجُ الإشارة إليه أو يورد معناه في عبارةٍ أخرى على جهة قلبٍ أو نقل إلى مكان أحق به من المكان الذي هو فيه.[6]   


[1] . التفكير النقدي عند العرب، د/ عيسى علي العاكوب، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط6، 2008م، ص182بتصرف.
[2] . المعجم الوسيط، ج2، مجمع اللغة العربية، دار الدعوة، استانبول، 1989م، مادة" ع ن ي".
[3] . الكليات الكفوي، أبو البقاء الحسيني، تح:عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1992، ص842بتصرف.
[4] . كشافات اصطلاحات الفنون، محمد علي التهانوي، دار صادر، بيروت، ط3، ص1048.
[5] . منهاج البلغاء وسراج الأدباء، لأبي الحسن القرطاجني، تح:ابن الخوجة ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت، 1986م، ط3، ص11ـ14 بتصرف.
[6] . منهاج البلغاء وسراج الأدباء، لأبي الحسن القرطاجني، القسم الثاني، المنهج الثاني، معلم أ، اجتلاب المعاني وتأليفها ص16بتصرف.


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
جودة المعاني    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ـ جودة المعاني :
فالكتابة الأدبية إعطاء صور جميلة للمعاني، وجودة المعاني تتوزع على اتجاهين فيما يتصل بالشعر:
1.     جودة المعاني من جهة صلتها بالأغراض الشعرية، وتحت هذا الاتجاه يندرج:
 
أ‌.        جودة المدح ، ونلخصه في مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وصف زهير حيث قال: " لم يكن يمدح الرجل إلا بما يكون في الرجال..." والرجال يُمدحون بأربع: العقل، الشجاعة، العدل، والعِفة، ويختلف معنى المدح تِبعًا لصنف الممدوح.
ب‌.   جودة الهجاء، وذلك إذا كثرت فيه أضداد الفضائل، وقد تـُجمَل المعاني فيه، وقد يُفرط الشاعر في ذكر نقيصة واحدة.
ت‌.   جودة المراثي، فقد يرثي الشاعر بذكر بكاء الأشياء التي كان المتوفى يحسن إليها في حياته، وكلما أشبهت المرثية المِدحة في معانيها كان ذلك أحسن.
ث‌.   جودة التشبيه؛ إذ  يحسن التشبيه حين يكون بين المتشابهين من وجوه الاشتراك أكثر مما يكون بينهما من وجوه الانفراد. ومن التصرفات التي تحسّن التشبيه:
 
ـ جمعُ التشبيهات الكثيرة في بيتٍ واحد كما في قول امرئ القيس يذكر فرسه:
له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ        وإرخاءُ سِرحان وتقريبُ تتفل ِ
ـ تشبيه شيء واحد بأشياء في بيت أو تعبير قصير.
ـ تشبيه شيء بشيء استنادًا إلى مذهب جديد لم يقع للشعراء من قبل، كما في قول الشاعر:
فلمْ أرَ إلا الخيلَ تعدو كأنما        سَنـَوَّرُها فوقَ الرؤوس ِالكواكبُ
ج‌.    جودة الوصف، والذي يقول عنه قدامة بن جعفر في كتابه نقد الشعر: " ذكر الشيء بما فيه من الأحوال والهيئات" ، ويحسن الوصف كلما أكثر الشاعر من المعاني التي رُكب منها الموصوف ثم بأبرز المعاني في الموصوف وأولاها، ويمثـّله للحِسّ بنعتِه"
ح‌.    جودة النسيب، وهو ذِكر الغزل أو ذكر خلق النساء وأخلاقهن، وتصرّف أحوال الهوى به معهن، وخير النسيب ما أعرب الشاعر فيه عن تهالك في الصبابة والشوق، وأفصح فيه عن إفراط في الوَجد واللوعة، وأظهر فيه هِيامه بالمحبوب وانقياده التام له.
 
2.     جودة المعاني من جهة التقديم والتأخير الأمثل لها، ومن صفات الجودة هنا:
 
أ‌.        صحة التقسيم: أي استيفاء أقسام الشيء أو الأمر.
ب‌.   صحة المقابلات: أي أن يأتي الكاتب بمعنيين أو أكثر ثم يأتي بما يوافق كلاًّ منها أو يضادّه على سبيل المقابلة الصحيحة.
ت‌.   صحة التفسير: أي أن يأتي الكاتب بمعانيَ تستدعي التفسير فتؤتى معان ٍ تفسرها دون إخلال.
ث‌.   التتميم: أي أن يذكر الكاتب مع المعنى كلَّ أحواله التي تجعله كامل الصحة والجودة.
ج‌.    المبالغة: وهي أن يتزيد الكاتب في معنى حال من الأحوال كقول أوس بن غلفان الهُجَيمي:   وهم تركوك أسلح من حُبارى         رأت صقرًا ، وأشرد من نعام ِ
ح‌.    التكافؤ: أي أن يأتي الكاتب بطباق ٍ في وصفه، كقول الشاعر:
حلو الشمائل، مرٌّ باسلٌ         يحمي الذمارَ صبيحة الإرهاق ِ
خ‌.    الالتفات أو الاستدراك: أي أن يأخذ الكاتب في معنى من المعاني ، فيعِنّ له خاطر فيه، فيعود إليه مؤكدًا أو معللاً أو موضحًا كقول الرمّاح بن ميّادة:
فلا صرمُه يبدو، وفي اليأس ِ راحة     ولا وصله يصفو لنا فنـُكارمُه
د‌.       الاستغراب والطرافة: أي أن يكون المعنى مما لم يُسبق الشاعر إليه.[1]
 
المرزوقي والمعنى:
والمرزوقي في شرحه ديوان الحماسة أتى بعبارة "شرف المعنى وصحته" كعنصر من عناصر عمود الشعر في المقدمة؛ إذ إنه يرى أن المعنى لا بد أن تتوافر فيه صفتان: الشرف والصحة ، أي أن يكون المعنى من أحاسن المعاني المستفادة من الكلام ومبتكرًا، وأن يكون ساميًا في منا سبته لمقتضى الحال ، وعرضه في صورة زاهية تشعر بصحته. [2]


[1] . التفكير النقدي عند العرب، عيسى علي  العاكوب، ص208ـ 211، 223، 226بتصرف.
[2] . محاضرات د/ أحمد الزمر في قضايا النقد الأدبي ، كلية الدراسات الإسلامية والعربية، دبي، 2009م، ص77، بتصرف.
*طماح
25 - أغسطس - 2010
الخطأ والرداءة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ـ الخطأ في المعاني ورداءتها:
وللخطأ صور مختلفة يجب الوقوف عليها لتجنبها ، فمن لا يعرف الخطأ كان جديرًا بالوقوع فيه، من صور ذلك قول امرئ القيس:
ألم تسأل الرّبعَ القديم بعسعسا   كأني أنادي إذ أكلم أحرسا
هذا تشبيه فاسد ؛ إذ لا يقال كلمتُ حجرًا فلم يجب فكأنه كان حجرًا، وما جاء به مقلوب.[1]
وتوصف المعاني بالرداءة إذا خالفت صفاتِ الجودة التي سبقت الإشارة إليها، يضاف إلى ما سبق:
أ‌.              الاستحالة والتناقض كما في قول الكاتب إذا جمع بين الشيء والمقابل له من جهة واحدة.
ب‌.         إيقاع الممتنع كأن يأتي الكاتب بأمر لا يكون.
ت‌.         مخالفة العُرف كأن يأتي الكاتب بأمر لا يقره العرف والعادة وطبيعة الأشياء.
ث‌.         نسب الشيء إلى ما ليس منه كأن ينسب الكاتب صفة أو معنى إلى شيء لا يكونان له.
 
ونشير ها هنا  إلى مذهب المغالاة والغلو في تناول المعاني، حيث إن القدامى آثر الغلوَّ فريقٌ منهم، بينما آثر الآخرون لزوم حد الوسط، ثم يأتي قدامة ليستجيد الغلو برأي نقدي قديم هو : "أحسن الشعر أكذبه" وهو مذهب فلاسفة اليونان على مذهب لغتهم، ويرى قدامة أن من غالى من الشعراء إنما أراد أن يجعل من الشيء مثلا أعلى وغاية في الصفة التي يصفه بها؛ فإن " كل فريق إذا أتى من المبالغة والغلو بما يخرج عن الموجود ويدخل في باب المعدوم، فإنما يريد به المَـثل وبلوغ النهاية في النعت. وهذا أحسن من المذهب الآخر" (نقد الشعر، ص62).[2]
 
 
وتم بحمد الله

[1] . الصناعتين الكتابة والشعر لأبي هلال العسكري، ص 85بتصرف.
[2] . التفكير النقدي عند العرب، د/ عيسى علي العاكوب، ص215ـ 217بتصرف.
*طماح
25 - أغسطس - 2010

 
   أضف تعليقك