مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : تدوين الحديث عصر النبوة وموقف المستشرقين منه    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 طماح 
20 - أبريل - 2010
أمّية العرب:
 
يتردد على ألسنة بعض العامة أن السنة لم تدوَّن إلا بعد مضي قرن من الزمان، ويعتمدون في ذلك على أدلة واهية لا حُجة لهم بها، فهم يدّعون أن الحديث لم يُكتبْ ؛ لأن العرب أمة أمية، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة الحديث .
فأما أمية العرب فأمر طبيعي واقعي، دلت عليه الآيات القرآنية والأخبار التاريخية ، والآثار الأدبية، والإشارات الواردة في السنة، يقول الله تعالى: ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم)([1]) ، ولكن هذا الوصف إنما كان لأنه الغالب على أبناء أمة العرب، ولا يمنع من صدقه وجود أناس يقرؤون ويكتبون وهم قلة بالنسبة للأمة، ومن المعلوم أن كتبة الوحي كانوا بضعة وأربعين.([2])
ومما لا شك فيه أن الكتابة انتشرت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم على نطاق أوسع مما كانت عليه في الجاهلية؛ فقد حث الإسلام على التعلم؛ ليسد الكـُتاب حاجة الدولة الجديدة من كتابة للوحي ، وكتابة للصدقات والمداينات والمعاملات...الخ. ([3])
 
قضية نهي الرسول عن كتابة الأحاديث:
 
وأما نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة الأحاديث فقد جاء في ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تكتبوا عني شيئًا إلا القرآن، ومن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحُه".
وقد كان هذا في بادئ الأمر لئلا تختلط بالقرآن، وهم حديثو عهد بالقرآن وأسلوبه، ولكن لما أن شاع القرآن بين المسلمين، ويحكمونه في حياتهم بالتطبيق العملي، نسِخ ذلك النهي بأحاديث أخرى دلت على الإباحة منها:
ما رواه البخاري ([4]) ومسلم ([5]) وغيرهما من أنّ شخصًا يدعى أبا شاهٍ اليمني التمس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئًا مما سمعه من خطبته سنة فتح مكة، فقال صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه".
وما رواه الترمذي([6]) عن أبي هريرة قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "استعن بيمينك" .
ويقول بعضهم  إن النهي المتقدم كان لعامة الناس ، فيمكن أن يكون الإذن بالكتابة لمن وُثق بضبطه ودقته، وعدم خلطه بين القرآن والحديث.
ويقول ابن قتيبة([7]) في "تأويل مختلف الحديث": كأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى في أول الأمر عن أن يُكتب قوله، ثم رأى بعدُُ ـ لما علم أن السنن تكثر وتفوت الحفظ ـ أن تكتبَ وتـُقيّد".
وهماك من يؤول حديثَ النهي بأن المنع هو من كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة. ([8])
 

[1] . الجمعة، الآية2.
[2] . الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته، كتبه، محمد لطفي الصبّاغ، ط5، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، 1407هـ ، 1986م، ص 29.
[3] . المختصر الوجيز في علوم الحديث، د/ محمد عجاج الخطيب، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1421هـ ،  2001م، ص65بتصرف.
[4] .هو الإمام محمد بن إسماعيل، أبو عبد الله ، أصله فارسي، ولد ببخارى سنة 194هـ ، ونشأ يتيمًا، وكان عجيب الحفظ، كان مجدًّا في التحصيل والتأليف، سمع من نحو ألف شيخ، وجمع نحو ستمائة ألف حديث، كان قليل الأكل ، كثير الإحسان إلى الطلبة، شديد الورع، وقال يومًا: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبتُ أحدًا، ألف كتبًا كثيرة كـ : "التاريخ الكبير" ، و"التاريخ الأوسط" ، و"الأدب المفرد" ، ,القراءة خلف الإمام" ، و"خلق أعمال العباد"، وأهم كتبه "الجامع الصحيح" الذي يعتبر أول كتاب ألِّف في الصحيح المجرد وقد لبث تصنيفه 16سنة، توفي ليلة عيد الفطر عام 256هـ ، رحمه الله عن عمر يقارب اثنتين وستين سنة.من كتاب الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته، كتبه، محمد بن لطفي الصبّاغ، ص293، 294، 295.
[5] . هو الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، ولد بنيسابور سنة 206هـ ، كان إمامًا جليلا مهابًا ، كان غيورًا على السنة ويذب عنها، تلمذ على البخاري وأفاد منه ولازمه، وكان في غاية الأدب معه، وقد أثنى عليه أئمة العلم، توفي عام261هـ. من كتاب منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر،ط30، دار الفكر المعاصر ، بيروت، دار الفكر، دمشق،2009م،  ص253.
[6] . هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السُّلـَمي صاحب السنن الشهير أو الجامع الكبير. ت279أو 275هـ .من كتاب علوم الحديث ومصطلحه، د/ صبحي إبراهيم مصطفى الصالح، ص27.
[7] . هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213 هـ-15 رجب 276 هـ/828 م-13 نوفمبر 899 م) أديب فقيه محدث مؤرخ عربي. يعتقد أنه ولد في الكوفة ونشأ في بغداد، وتعلم فيها على يد مشاهير علمائها، فأخذ الحديث عن أئمته المشهودين وفي مقدمتهم إسحاق بن راهويه، أحد أصحاب الإمام الشافعي. وأخذ اللغة والنحو والقراءات عن أبي حاتم السجستاني، وكان إمامًا كبيرا ضليعًا في العربية، وعن أبي الفضل الرياشي، وكان عالما باللغة والشعر كثير الرواية عن الأصمعي، كما تتلمذ على عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، وأبي الخطاب زياد الحساني، وغيرهم.اختير قاضيا لمدينة الدينور من بلاد فارس، وكان بها جماعة من العلماء والفقهاء والمحدثين، فاتصل بهم، وتدارس معهم مسائل الفقه والحديث. عاد بعد مدة إلى بغداد، واتصل بأبي الحسن بن خاقان وزير الخليفة المتوكل، وأهدى له كتابه أدب الكاتب. أقام حلقة للتدريس ومن أشهر تلاميذه: ابنه القاضي أبو جعفر أحمد، وأبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه، وعبيد الله بن عبد الرحمن السكري، وغيرهم. من مؤلفاته: تأويل غريب القرآن (طبع بتحقيق السيد أحمد صقر)، غريب الحديث، عيون الأخبار، الإمامة و السياسة، مشكل القرآن، مشكل الحديث، تأويل مختلف الحديث، وغيرها. من ويكيبيديا الموسوعة الحرة، تاريخ التعديل: 13:05، 3 مارس 2010 ، http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%A8%D9%88_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D9%82%D8%AA%D9%8A%D8%A8%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%88%D8%B1%D9%8A
[8] . الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته، كتبه، محمد لطفي الصبّاغ ، ص 30، 31، 32، بتصرف.


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الصحف المكتوبة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
الصحف المكتوبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
 
روى الترمذي أنه جاء في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " نضر الله امرأً سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه فرُب مبَلـَّغ أوعى من سامع ".([1])
لقد قام بعض الصحابة بكتابة طائفة من الأحاديث في حياته صلى الله عليه وسلم، ومنهم من كتبها بإذن خاص من الرسول، بيدَ أنّ أكثرهم قيّدوا ما جمعوه في السنوات الأخيرة من حياته عليه الصلاة والسلام بعد أن أذن لهم بالكتابة لكل من رغب فيها وقدر عليها، وهذه الصحف تتفاوت أسانيدها قوة وضعفـًا.([2])
 
ـ فصحيفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت تشتمل على العقل ـ مقادير الديات ـ وعلى أحكام فكاك الأسير.
ـ و كتبه صلى الله عليه وسلم إلى أمرائه وعمّاله فيما يتعلق بتدبير شؤون الأقاليم الإسلامية وأحوالها، وفي بيان أحكام الدين والحدود والمحرمات وغير ذلك، ومن هذه الكتب:
1. كتاب الزكاة والديات الذي كتب به أبو بكر الصديق وأخرجه البخاري في صحيحه.
2. كتابه لعمرو بن حزم ([3]) عامله على اليمن وفيه أصول الإسلام، وطريق الدعوة إليه، والعبادات وأنصبة الزكاة والجزية والديات.
3. كتابه إلى وائل بن حجر لقومه في حضرموت فيه الأصول العامة للإسلام، وأهم المحرمات.
4. كتبه إلى الملوك والعظماء، وإلى أمراء العرب يدعوهم فيها إلى الإسلام ككتابه إلى هرقل وإلى المقوقس، وغيرهما.
 
ـ عقوده صلى الله عليه وسلم ومعاهداته التي أبرمها مع الكفار واليهود.([4])
ـ وروى الترمذي أن سعد بن عبادة الأنصاري كان يملك صحيفة جمع فيها طائفة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسننه، وكان ابن سعد يروي من هذه الصحيفة.
ويروي البخاري أن هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبد الله بن أبي أوفى.
ـ وسمرة بن جندب([5]) كان قد جمع أحاديثَ كثيرة في نسخة كبيرة ورثها ابنه سليمان ورواها عنه.
ـ وكان لجابر بن عبد الله صحيفة أيضًا، ويرى مسلم أنها في مناسك الحج.
ـ ومن أشهر الصحف المكتوبة في العصر النبوي" الصحيفة الصادقة"  التي كتبها جامعها عبد الله بن عمرو بن العاص "ت65" من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتملت على ألف حديث ، وهي محفوظة في مسند الإمام أحمد([6])، وقد كانت الصحيفة نتيجة طبيعية لفتوى النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو وإرشاده الحكيم له. ([7])
ولقد شاعت في عصر الصحابة صحيفة خطيرة الشأن أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها في السنة الأولى من الهجرة، فكانت أشبه شيء بدستور للدولة الفتية الناشئة آنذاك في المدينة وهي الصحيفة التي دوّن فيها كتاب رسول الله حقوق المهاجرين والأنصار واليهود وعرب المدينة، ولفظ الكتابة صريح في مطلعها: "هذا كتاب محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومَن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم: إنهم أمة واحدة من دون الناس".
ـ وعبد الله بن عباس عُني بكتابة الكثير من سنة الرسول وسيرته في ألواح كان يحملها معه في مجالس العلم إلى أن وصلت إلى حمل بعير عند وفاته.([8])


[1] . تيسير مصطلح الحديث ، د/ محمود الطحّان، ط9، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1417هـ ، 1996م، ص9.
[2] . علوم الحديث ومصطلحه، د/ صبحي إبراهيم مصطفى الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، ط16، 1986م، ص23، بتصرف.
[3] . صحابي جليل استعمله رسول الله على نجران وعمره سبع عشرة سنة وأقام بها مدة، وأدرك أيام يزيد بن معاوية. من ويكي مصدر المكتبة الحرة منقول من البداية والنهاة الجزء الثامن، تاريخ التعديل: 17:34، 12 مايو 2009. http://ar.wikisource.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%85%D9%86/%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88_%D8%A8%D9%86_%D8%AD%D8%B2%D9%85
[4] . منهج النقد في علوم الحديث، د/ نور الدين عتر، ط30، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، 1430هـ ، 2009م، 46، 47، 48، بتصرف.
[5] . سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، من علماء الصحابة، مات سنة 58 هـ وقيل 59 هـ. له رواية حديث وشرف. ولي إمرة الكوفة والبصرة خلافة زياد بن أبي سفيان، وكان شديداً على الخوارج وقَتَلَ منهم جماعة، فكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه. روى عنه: ابنه سليمان، والحسن البصري، وابن سيرين، وجماعة. آخر تعديل: 08/02/2010 07:38:08 م، موقع إجابات، http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=313928c95cd40b3e
[6] . هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المَرْوَزي، وُلد في بغداد سنة 164هـ ، وفيها نشأ وطلب العلم ولقي كبار العلماء، كان نشيطـًا ذكيًّا زاهدًا متواضعًا وصاحب مذهب أو سنة، اشتهر بعلمه وتقواه، امتحن في فتنة خلق القرآن أيام المأمون ، وصبر وكان لموقفه أثر عظيم في الأمة حتى كشف الله الغمة عهدَ المتوكل الذي عرف قدره، له مؤلفات أشهرها  "المسند" ، توفي رحمه الله في بغداد عام 241هـ ، وشيّعه نحو ألف ألف. من كتاب المختصر الوجيز في علوم الحديث، د/ محمد عجاج الخطيب، ص141 بتصرف.
[7] . علوم الحديث ومصطلحه، د/ صبحي إبراهيم مصطفى الصالح،ص24، وما بعدها، بتصرف.
[8] . علوم الحديث ومصطلحه، د/ صبحي الصالح، ص29، 30، بتصرف.
*طماح
21 - أبريل - 2010
موقف المستشرقين    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
موقف المستشرقين من تدوين الحديث في العصر النبوي:
 
ليس علينا أن ننتظر عهد خامس الخلفاء حتى نسمع بشيء مبتكر اسمه تدوين الحديث أو محاولة لتدوينه. وليس علينا أن ننتظر العصر الحاضر لنعترف بتدوين الحديث في عصر مبكر جريًا وراء بعض المستشرقين كجولدزيهر "Goldziher"([1]) وشبرنجر"Sprenger"([2]) ؛ لأن كتب التاريخ الإسلامي  والسنة النبوية لا تدع مجالا للشك في تحقيق تقييد الحديث في عصر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وليس على رأس المئة الثانية للهجرة كما يمنّ علينا هذان المستشرقان، وهي تنطق بصدق جميع الوقائع والأقوال والسير والتصرفات التي تنطوي عليها الأحاديث الصحاح والحسان في كتب السنة جمعاء لا في بعضها دون بعض كما يظن دوزي "Dozy" ([3]).
 
إن هؤلاء المستشرقين لم يتجشموا جمع الأدلة والبراهين على إثبات تدوين السنة لإسداء خدماتهم الخاصة إلينا وإلى أدبنا وشريعتنا الغراء، بل لهم أغراض  إليها يهدفون، ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون.
أما جولدزيهر فعقد فصلا خاصًّا لكتابة الحديث في أبحاثه "Muhammedanische Studien" وفيها أتى بأدلة كثيرة على تدوين الحديث في أول القرن الهجري الثاني، وكان في الفصل الأول من الكتاب قد سرد طائفة من الأخبار تشير إلى بعض الصحف التي دُوّنت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه أحاطها بكثير من التشكك في أمرها والريبة في صحتها، وقد رمى بهذا إلى غرضين: أحدهما إضعاف الثقة باستظهار السنة وحفظها في الصدور، والثاني وصم السنة كلها بالاختلاق والوضع على ألسنة المدونين لها الذين لم يجمعوا منها غلا ما يوافق أهواءهم ويعبر عن آرائهم .
وشبرنجر في كتابه "الحديث عند العرب" يحاول تفنيد المعتقد الخاطئ عن وصول السنة بطريق المشافهة وحدها، ويجمع الكثير  من الأدلة على تدوين الأحاديث والتعويل على هذا التدوين في عصر مبكر يبدأ أيضًا في مطلع القرن الثاني الهجري، وليس في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وغايته لا تختلف عن غاية جولدزيهر.
وأما دوزي فلعله يخدع برأيه المعتدل كثيرًا من علماء المسلمين فضلا عن أوساط المتعلمين، فقد كان هذا المستشرق يعترف بصحة قسم كبير من السنة النبوية التي حفظت في الصدور، ودوّنت في الكتب بدقة بالغة وعناية لا نظير لها، " وما كان يعجب لكثير من الموضوعات و المكذوبات تتخلل كتب الحديث ـ فتلك كما يقول طبيعة الأشياء نفسها ـ بل للكثير من الروايات الصحيحة الموثوقة التي لا يرقى إليها الشك (ونصف صحيح البخاري على الأقل جدير بهذا الوصف عند أشد المحدثين غلوًّا في النقد ) مع أنها تشتمل على أمور كثيرة يود المؤمن الصادق لو لم ترد فيها".
فلم يكن غرض هذا المستشرق خالصًا للعلم والبحث المجرد حين مال إلى الاعتراف بصحة ذلك النصيب الكبير من السنة ، وإنما كان يفكر أولا و آخرًا بما اشتملت عليه هذه السنة الصحيحة من نظرات مستقلة في الكون والحياة والإنسان، وهي نظرات لا يدرأ عنها استقلالها النقد والتجريح؛ لأنها لم تنبثق من العقل الغربي، ولم تصور حياة الغرب الطليقة من كل قيد.([4])
وسواء علينا أأقروا أم جحدوا، فإن رب الدار أدرى بما فيها، وإن كتبنا الأمينة الموثوقة نطقت بوجود صحف مكتوبة في الحديث على عهده صلى الله عليه وسلم.
ومن الآراء التي تخبط فيها المستشرقون على غير هدى من منطق سليم أو نقل صحيح أن الأحاديث الواردة في شأن تدوين العلم حثـًّا عليه أو نهيًا عنه إنما كان أثرًا من آثار تسابق أهل الحديث في جانب وأهل الرأي في جانب آخر إلى وضع الأقوال المؤيدة لنـَزعتـَيهم المتباينتين.
فأهل الحديث ينزعون إلى جواز تقييد السنة ليكون مستندًا بين أيديهم لصحتها والاحتجاج بها، وأهل الرأي ينزعون إلى النهي عن الكتابة وإثبات عدم تقييد العلم تمهيدًا إنكار صحته وإنكار الاحتجاج به.([5])
إذنْ فقد أخطأ التوفيق جماعة المستشرقين وخانهم منذ الخطوة الأولى التي خطوها في فذلكة موضوع التدوين؛ حيث إنهم غفلوا أو تجاهلوا عوامل الحفظ الكثيرة التي توفرت في الصحابة وهي بلا شك عواملُ كافية كل الكفاء لحفظ الحديث النبوي فتوهموا أن القدح في تدوين الحديث يوصلهم إلى غرضهم مما أعادهم بالخيبة والخسران. ([6])
 
وتم بحمد الله


[1] . المستشرق المجري اليهودي جولد زيهر، له مؤلفات عن الإسلام، شوّه فيها حقائقه، هلك سنة (1340)م. من موقع الشيخ الدكتور سفر الحوالي، http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.showFahras&id=1002052&ftp=Alam .
[2] . لويس شبر نجر . مستشرق نمساوي ولد عام 1813 وتوفي 1893 م . اشتغل في مدرسة دلهي ومطبعة كالكوتا في الهند عام 1842 . علم العربية في جامعة برلين ، وترجم ونشر العديد من الكتب العربية منها كتاب ( إصلاحات الفنون ) للتهانوي ، و          (الإتقان في علوم القرآن ) للسيوطي ، ونقل إلى الانجليزية جزءا من كتاب ( مروج الذهب ) للمسعودي . ألف أيضا كتبا في سيرة الرسول محمد . وهو من أشار إلى تعاسة نظام الإسناد وأن اعتبار الحديث شيئاً كاملاً سنداً ومتناً قد سبَّب ضرراً كثيراً وفوضى عظيمة ، وأن أسانيد عروة مختلقة ألصقها به المصنفون المتأخرون .من شبر نجر
 http://www.wakra.net/shpringer.htm  ، و من مقدمة،
 http://www.hujjat14.com/dirast%20hol%20shubhat%20musthriqinazadarnaqviarbic.htm
  
[3] . رينهارت دوزي (1820-1883) مستشرق هولندي ذائع الصيت وأستاذ العربية في كلية الآداب في جامعة لايدن، واشتهر بدراساته القيمة في تاريخ وجغرافية المغرب، وفي تاريخ الدول العربية في الأندلس. وقد عمل المستشرق "دوزي" معجما للألفاظ ذات الأصل العربي الشائعة في اللغتين الأسبانية والبرتغالية، وله العديد من المؤلفات مثل: المسلمون في الأندلس، ونظرات في تاريخ الإسلام، وتاريخ مسلمي اسبانيا. من قضايا معاصرة، الاستشراق والمستشرقون، بقلم: عبد التواب أبو القاسم، http://www.egyig.com/Public/articles/recent_issues/11/92616472.shtml، ومن نيل وفرات دوت كوم، 1998-2010 ، http://www.neelwafurat.com/locate.aspx?mode=1&search=author1&entry=%CF%E6%D2%ED
[4] . علوم الحديث ومصطلحه، د/ صبحي الصالح،  ص 33، 34، 35 بتصرف.
[5] . المرجع ذاته، ص36، بتصرف.
[6] . منهج النقد في علوم الحديث، د/ نور الدين عتر، ص50 بتصرف.
*طماح
21 - أبريل - 2010
المستشرقون وورثتهم.    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكرك أخي طماح على فتح هذا الملف دفاعا عن سنة نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
 لم يقتصر التشكيك في نقل السنة النبوية على المستشرقين فقط بل تلقفه منهم ثلة من بني جلدتنا وركبوا في سبيله على كل صعب وذلول1 والعياذ بالله.
دون الحديث في حياة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وبإذنه كما ذكرت في الصحيفة الصادقة ويضاف لها الصحيفة الصحيحة لوهب بن منبه من إملاء أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ وصحيفة جابر بن عبدالله ــ رضي الله عنه ــ وغيرها.
في خلافة عمر بن عبدالعزيز وبأمره يبدأ التدوين الرسمي للحديث النبوي وذلك بعد شيوع الوضع ودروس العلم بوفاة أهله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) انظر أصول الحديث علومه ومصطلحه د محمد عجاج الخطيب ــ دار الفكر الطبعة الرابعة صفحة 196.
*تركي
22 - أبريل - 2010

 
   أضف تعليقك