مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : ثلاثة أيام لرجل واحد    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 أبو أمين 
14 - يونيو - 2008
ثلاثة أيام لرجل واحد
 
اليوم الأول :
الجو حار … الشمس ترسل أشعتها إلى قنة رأسه الصلعاء من دون شفقة ولا رحمة … لحمه وشحمه يكادان يذوبان تحت جلده، أو ربما هو جلده الذي يكاد ينسلخ عن باقي جسده … من جبينه، وأسفل إبطيه يتصبب عرق غزير، ومع ذلك يسير سعيدا نحو تلك البناية كي يتسلم ورقة التعيين، وليشرع في ممارسة وظيفته التي طالما انتظرها، مثل باقي الشبان العاطلين، بصبر كبير …
اليوم الثاني :
يصل إلى تلك القرية النائية، والتي توجد – تحديدا – في قمة جبل من الجبال، حيث لا متاجر، ولا مقاه، ولا حمامات … أخبروه، بتلك القرية، أن السكر، والملح، وغيرهما من ضروريات الحياة اليومية، يمكنه اقتناؤها من السوق الأسبوعي، كما طمأنوه أن سكان تلك القرية لا يبخلون على المعلمين، الذين كادوا أن يكونوا رسلا، بوجبات الفطور، والغذاء، والعشاء، ناهيه عن البيض، والحليب، والزبد، وغيرها من منتوجات القرية التي يمكن أن يجلبها له التلاميذ معهم كل صباح …
يقول، لنفسه، إن كل شيء يهون في سبيل الوظيفة التي كادت أن تجعل منه رسولا … يصل إلى المدرسة المكتوب اسمها على ورقة التعيين … يرحب به السيد المدير، ويعرفه بقاعة الدروس طالبا منه الشروع في مباشرة العمل … يلتحق بالقاعة مزهوا بنفسه، غير أن هذا الزهو سرعان ما تلاشى عندما اكتشف، عن طريق حديثه إلى التلاميذ، أنه يدرس لأربعة مستويات في فصل واحد …
اليوم الثالث :
يلاحظ السيد المدير أن قاعة المعلم الجديد مغلقة، وأن التلاميذ مكتظون أمام بابها في انتظار قدومه … يلتحق السيد المدير بجمع التلاميذ ذوي المستويات الأربعة … يفتح قاعة باب الدرس، فيجد المعلم قد انتحر بواسطة حبل مشدود، بمصباح الإنارة، عند السقف.
            هشام حراك           


*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
"من يوميات معلم في الأرياف"..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

كانت القصة الأولى ، بلغة الأزهريين ، ربما نقرة أراد بها" الزائر"!! أن يشنق المعلم بتوظيفه هذه القصة

لهشام حراك الذي لم يوفق في رصد بعض معاناة رجل التعليم الحقيقية .(انتحار بسبب تعدد المستويات..أو القسم المشترك !!!!! )

-أ قترح قصة أمتن بناء وأصدق تعبيرا وتوصيفا لشكل من أشكال المعاناة

الواقعية لرجال التعليم.. مع رجال السلطة وأعوانهم.. 

************************************

القائــد الباســل

استدعاني القائد الممتاز، أي رئيس الدائرة، جعلوا هذه القرية البئيسة المالحة العشطانة دائرة، ما يستحق منها أن ينتمي للدائرة هو هذا القصر الكبير المترامي الأطراف الذي يسكنه القائد الممتاز، وما يبهر فيه هو الصهريج الكبير الذي يعلو القصر ويحميه من العطش ومن اصفرارِ خَضْرَةِ جوانبه. هي أقل من قرية صغيرة، تنعم بالماء ساعتين في اليوم، يأتي دون توقيت محدد، لهذا يترك الناس صنابيرهم مفتوحة، وإذا نسوها وخرجوا من بيوتهم يعودون إليها وقد غرقت بطوفان غريب وسط هذه البقعة الصامتة الظامئة. كانت القرية قطعة ممتازة من الصحراء لا محالة، وكان فيها الأغنياء موغلين في الغنى، لم أفهم من أين يأتيهم هذا الثراء إلا بعد سبع سنوات من الإقامة. ترددت في البداية، لأنني أكره آل السلطة، أتجنبهم جهد المستطاع حتى لو تعلق الأمر بحق من الحقوق، ليس لأنني أخاف منهم ولكن لأنني لا أحتمل نظرة الاحتقار التي ترافق سلوكهم، أتجنب المقدم المتلصص، فكيف بي ألتقي الآن بالقائد الممتاز؟ شجعت نفسي ونفخت بعض القوة في ركبتيّ وقلت، ليكن ما يكون، أنا لم أفعل شيئا أعاقب أو أجازى عليه.
        قبل أن ينادى عليّ للدخول إلى مكتب القائد الممتاز، نبهني "الخليفة" إلى سروالي الذي نسيته مفتوحا، فلما لاحظ استجابتي السريعة وشكري له، تمادى في ذلك واقترب مني وصوب لي عنق القميص. لا أعرف لو دخلت عند القائد الممتاز بذلك الشكل، كيف سيكون رد فعله؟
ربما اعتقد أنني صنعت ذلك عمدا. وحين أدخلوني عليه، وجدت نفسي في ساحة فسيحة، مثل ملعب مغطى، مكتب نصف دائري، أماكن للاستراحة، ديكورات خضراء ومكتبة مثـقلة بالكتب والمجلدات، قلت في نفسي ماذا عساه يقرأ؟ ثم تراجعت وقلت الحمد لله إنه يقرأ، هناك طريقة للتفاهم مع من يقرأ، ثم تراجعت مرة أخرى وقلت، ربما كان من أنصاف المثقفين، أو يكون ثعلبا ذكيا في يد السلطة، يعرف المثـقفين أكثر من غيره. ثم هزني من غفوتي:
- تفضل آوستاد!
هذه بداية حسنة، الرجل يُكِنُّ لي بعض الاحترام، ومع ذلك تضايقت، فقد كان ينظر إليَّ بما لا يعجب، خرجت لفظة "أستاذ" متزامنة مع نظرة متفحصة لهيأتي من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى، مع تركيز شديد على ثـقب صغير بفردة حذائي اليمنى، ثم إنه وضع الكرسي الذي سأجلس عليه بطريقة تجعلني أقرب إلى المستجوب منه إلى المستدعى إلى روتين إداري.
- صباح الخير.
لم يرُدَّ علي، ولم يهتم بصباح خيري، هكذا يكون القائد الممتاز، لو رد عليَّ لنزل إلى مستواي، ولذهبتْ صولة السلطة وبهاؤها وهيبتها. ندمت على إخراج التحية من عزتها ونخوتها التي عرفتُ نفسي بها، ثم حاولت أن أنسى هذا الأمر وأركز حتى أستطيع
الثبات للمحنة القادمة. فتح ملفا، لمحت صورتي في رأس إحدى أوراقه فأرعبني ذلك وحرك أسئلة بدون أجوبة.
        - مالك مع الطاووس؟
        - أي طاووس؟
- الذي ضربته بالطباشير.
آه، نسيت، صحيح، بالأمس، كنت في زحمة الدرس، والتلاميذ متناغمون معي، فقطع علينا حبل درسنا الجميل طاووس، وقف أمام باب القسم، فتوقف التلاميذ عن نشاطهم، التفتوا إليه وتركوا انتباههم لديه، وكأنني غير موجود، كانوا ينظرون إليه باحترام شديد أو بخوف غير واضح، كأنَّ بينهم حكايات قديمة، لم يتهكم أحد، لم يغمز أحد الآخر، كما جرت العادة عند حدوث نشاز ما، حاولت أن أرجعهم إلى درسهم فلم يهتموا، بقوا مذهولين بالطاووس، ثم زاد الأمر تعقيدا أنه نفخ ريشه وشتت ألوانه على الأركان الأربعة للقسم، وأخذ يتجول بين الصفوف، متبخترا غير عابئ بي. بعد تفكير متردد، قررت أن أستأنف إلقاء الدرس ولو بدون اهتمام التلاميذ. لكن ما إن مضت دقائق حتى أخذ يصدر أصواتا منكرة، مثل نفير قوي بدون طعم موسيقي، كمنبهات الشاحنات الكبيرة القبيحة، لم أتعلم أبدا أن الطاووس بهذا الشكل البذيء، لم أعد قادرا على الاحتمال، ملأت كفي بالطباشير وأخذت أرجمه، فجمع ألوانه وهرب يختبئ وراء التلاميذ، فتبعته أريد أن أنتف ريشه، فقفز من النافذة، ثم أقفلت الباب والتفتُ إلى التلاميذ الذين استرجعوا وعيهم أخيرا.
- عندكم طواويس وليس عنكم ماء للشرب؟
عم الصمت، عم الصمت تلامذة نجباء، أذكياء، يجيبون قبل اكتمال السؤال، تجاوزت ذلك واستأنفت الدرس.
- صحيح ضربته.
- لماذا؟
- لأنه عرقل سير الدرس.
- ألا تربون التلاميذ على حب الجمال والفن والشعر؟
- أجل، لكن ما علاقة هذا بذاك؟
       - كان بالإمكان تحويل الدرس إلى متعة مشاهدة جمال الطاووس والتلذذ به.
      - والامتحانات القريبة سيدي القائد الممتاز؟ هل سيسألون فيها عن الطاووس؟
       - لم أكن أعرف أنك سليط اللسان، على العموم ليس هذا موضوعنا.
تغيرت ملامحه وأخذ ينظر ويتكلم بقسمات حاقدة، مشعرا إياي بتهييئ عقاب ملائم.
        - لماذا رفضت أداء 900 درهم؟
        - من الذي حدد هذا المبلغ؟
- هذه أوامر عليا لا تناقش.
- أنا متخرج جديد، لم أتوصل بعد بأجرتي.
- نحن لا نتسولك، هذا أمر يجب أن ينفذ.
- ساعدني إذن على تنفيذه!
- أنا لست أمك، وإذا لم تؤد 900 درهم قبل يوم الجمعة، سأطلب نقلك إلى قرية "عنق الجمل"، ففيها خصاص كبير، والتلاميذ محتاجون لك هناك.
كنت عزمت على التحدي إلى أقصى الحدود، بعد أن عرفت أن الاستدعاء متعلق بأداء محدد بمقياس عام للوظيفة العمومية حسب السلالم، هبط كالوحي المنزل، من أجل بناء مسجد عجيب لا علاقة له بي. لكن حين ذكر قرية "عنق الجمل"، علمت أني غير قادر على تحمل ذلك المنفى الفظيع، لا طاقة لي عليه، تَجَمُّعٌ بسيط من الناس في ثنايا جبال بعيدة عن الطرق والماء والكهرباء والغذاء والحياة. أحسست أنني أضْعُفُ وأذبلُ وأتقزم أمام القائد الممتاز، كنت أود أن أسأله قبل أن أقـفل الباب ورائي:
- إذا قدر لي أن أصلي في المسجد الخرافي، ووقف أمامي أحد طواويسك الجميلة، هل تكون صلاتي صحيحة أم باطلة؟
** عن موقع القاص علي الوكيلي
وأعتذر للكاتب عن تصرفي في عنوان هذا النص القصصي ولو  أني أعرف بأن هذا السرد الممتع كان على
لسان أستاذ بالإعدادي.... عرفت ذلك من خلال دفعه لمبلغ 900درهم .. المعلمون بالابتدائي دفعوا أقل ..
والغاية كانت واحدة : المساهمة في بناء مسجد الحسن الثاني...
*abdelhafid
19 - يونيو - 2008
علي الوكيلي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
شكراً لك أستاذ عبد الحفيظ تعريفنا بهذا الزميل ( زميل مهنة التدريس ) والقاص الموهوب . هذا الإبداع الذي يكتب به  نابع لا بد من عمق التجربة وعمق المعاناة . ربما أشارك بهذا الملف بأقصوصة مماثلة من تجربتي في وقت لاحق لأن هذا النوع من أدب " المهنة " يستهويني لما له من سحر يكمن في واقعيته ، وهو لشدة خصوصيته عميق في إنسانيته وعالمي . 
*ضياء
19 - يونيو - 2008
تعليقان..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
كل الامتنان للأستاذ عبدالحفيظ على التحفتين: النقد الموجز، والقصة المختارة التي ذكرتنا بـ(الممتازين) الكثر الذين حولنا، مع أننا لا يمكن أن ننساهم كونهم يسلبوننا الهواء الذي نتنفسه، وكأنهم قدرنا الذي لا مفر منه..
ولي ملاحظة لغوية حول كلمة (الرأس الصلعاء) في قصة هشام حراك، أعتقد أن الرأس في اللغة مذكر وليس مؤنثاً، لكن تختلط الأمور أحياناً بين العامية والفصحى؛ فإخواننا المصريون يطلقون لفظ التأنيث على الرأس، ومع ذلك على الكاتب أن يكون أكثر تنبهاً لمثل هذه الأمور.
*أحمد عزو
24 - يونيو - 2008

 
   أضف تعليقك