إذا أعجبنا أعجب غيرنا     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الشعر الجاهلي ثري بالألفاظ والأساليب التي يبني بها طلاب العربية فكرهم وثقافتهم ، وهو مرآة حياةٍ كاملةٍ لأمة العرب ؛ في كل زمان من أزمنتها : زمن الحنيفية الصافية ، وزمن الحنيفية المختلة ، وزمن الشرك ، وزمن الإيمان ... فلا يُفهم أدب العرب في زمن منها إلا بفهم الزمن الذي يسبقه ، وهكذا إلى الوراء حتى عصر الجاهلية ، لتكون لغة ذلك العصر المتباعد زمنا المتقارب ثقافة وفكرا أساسا للتعليم الجاد وأساسا لإدراك معاني الشريعة في كتابها الأول وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من هنا نعرف قيمة هذا الشعر في لغتنا وفي كياننا ، فلما اضمحلت دراسة الشعر الجاهلي في مناهج التعليم العربية بدا واضحا الضعفُ الشديدُ في المستوى الأدبي والحس اللغوي بين أبناء العربية - إلا ما ندر - وإذا كان أبناء العربية لا يفهمون لغة أسلافهم ، ولا ينشطون إلى إحيائها في حديثهم وعلمهم ودراساتهم ؛ بحجة أنها لغة صعبة وغريبة عما يتكلمون به فهي لا تعجبهم : فإن القارئ الغربي أوْلى بالنفور وبالتباعد عن لغة الشعر الجاهلي . أما عن عدم فهم هذه اللغة في شعر الجاهلية فهو نتيجة مؤكدة للنفرة وللبعد ، وترى هذا الواقع المؤلم في دراسات المستشرقين الجُدُد كما في دراسات أساتذة العربية في الجامعات العربية ، فهما أمران متلازمان - فيما أرى - فمن أمتنا تبدأ رحلة الحياة للغتنا متمثلة في شعر العرب فهو ديوانهم وأصل ثقافتهم . وقد يظن ظانٌّ أن دراسة لغة الشعر الجاهلي مضيعة للوقت وهي من عمل الفارغين ؛ وهذه هي الغفلة بعينها فبعض الأمم شعرت بفداحة الخسارة من إهمال اللغات القديمة فرصدوا مبالغ ضخمة لإعادة النظر في مناهج الدراسة وإحياء هذه اللغات ولو كانت مندثرة ، وأذكر أن لجنة تشكلت في بريطانية لإحياء اللغة الشكسبيرية وكان من دارسيها أطباء وعِلميون وفنانون فهل شعروا لحظة بأنهم في فراغ فانغمسوا في هذا الدرس إزجاءً لوقت الفراغ ? بل هي المسئولية تجاه فكر الأمة وجبت وصارت دَيْناً في الأعناق : فهل نعي ذلك ? لماذا إذن تريد من القارئ الغربي أن يفهم لغة قوم لا يحترمون لغتهم ? ولماذا يُعْجب بها القارئ الغربي ما دمنا نحن لم نظهر جمالها ولم نبد إعجابنا بها ? فلنبدأ بأنفسنا ثم نلوم الآخرين . وبالله التوفيق . |