مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : خطوط نقدية حمراء الجزء الثاني    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 ياسر إبراهيم 
8 - أبريل - 2006

3-    و لكي يسوق " كويلهو " مزاوجته ما بين الدين و السحر إلى تحققها الأقصى ، يورد رمزا تتحقق فيه المعضلة التي تبدو استحالتها للوهلة الأولى ألا و هو الدرع الذهبي الذي يرتديه الشيخ ( كان العجوز يلبس درعا من الذهب السميك المرصع كله بالأحجار الكريمة ... انتزع الشيخ من درعه حجرا أبيض و آخر أسود كانا في وسط الدرع و قدمهما للشاب قائلا : - خذ ، هذان الحجران يسميان يسميان " أوريم " و " توميم " ، الأسود يعني " نعم " و الأبيض يعني " لا " . عندما لا تصل أنت إلى الاستلال بالعلامات فسوف يفيدان ، و لكن اطرح عليهما دائما أسئلة محددة و اسع بوجه عام لأن تتخذ قراراتك بنفسك ) (10) . هنا مرة أخرى مزيج من اتباع العلامات و اتخاذ القرارات ، مزيج من السحر و الدين ، يحيلنا مباشرة إلى نظام العرافة الديني المزاول بواسطة كهنة اليهود عن طريق " درع هارون " ، ففي سفر الخروج نقرأ : ( و تصنع صدرة قضاء . صنعة حائك حاذق كصنعة الرداء تصنعها . من ذهب و أسمانجوني و أرجوان و قرمز و بوص مبروم تصنعها . تكون مربعة مثنية طولها شبر و عرضها شبر . و ترصع فيها ترصيع أحجار أربعة صفوف حجارة ز صف عقيق أحمر و ياقوت أصفر و زمرد الصف الأول . و الصف الثاني بهرمان و ياقوت أزرق و عقيق أبيض . و الصف الثالث عين الهر و يشم و جمشت . و الصف الرابع زبرجد و جزع و يشب . تكون مطوقة بذهب في ترصيعها . و تكون الحجارة على أسماء بني إسرائيل اثني عشر على أسمائهم . كنقش الخاتم على كل واحد على اسمه تكون للإثنى عشر سبطا . و تصنع على الصدرة سلاسل مجدولة صنعة الضفر من ذهب نقي . و تصنع على الصدرة حلقتين من ذهب . و تجعل الحلقتين على طرفي الصدرة . و تجعل ضفيرتي الذهب في الحلقتين على طرفي الصدرة . و تجعل طرفي الضفيرتين الآخرين في الطوقين . و تجعلهما على كتفي الرداء إلى قدامه . و تصنع حلقتين من ذهب و تضعهما على طرفي الصدرة على حاشيتها التي إلى جهة الرداء من داخل . و تصنع حلقتين من ذهب . و تجعلهما على كتفي الرداء من أسفل قدامه عند وصله من فوق زنار الرداء . و يربطون الصدرة بحلقتين إلى حلقتي الرداء بخيط من أسمانجوني لتكون على زنار الرداء . و لا تنزع الصدرة عن الرداء . فيحمل هرون أسماء بني إسرائيل في صدرة القضاء على قلبه عند دخوله إلى القدس للتذكار أمام الرب دائما ز و تجعل في صدرة القضاء الأوريم و التميم لتكون على قلب هرون عند دخوله أمام الرب . فيحمل هرون قضاء بني إسرائيل على قلبه أمام الرب دائما ) (11) . نحن هنا أما نفس " درع هارون " الذهبي بنفس ما يحتويه من حجري " أوريم " و " توميم " . ( و تعني كلمتي الأوريم و التميم ، الأنوار و الكمال ، إشارة إلى نور الله سبحانه و تعالى و كماله اللذين يتجليان في الإرشاد الإلهي حين القرعة ) (12) . و تجدر الإشارة إلى أن الربط الأدبي بين التحولات السيميائية و " درع هارون " في رائعة " ميلتون " [ الفردوس المفقود ] حين ينشد : ( فأما المعدن فيبدو بعضه من النضار و بعضه من اللجين الصافي / و أما الحجر فمعظمه من الزمرد أو الزبرجد / أو الياقوت أو الياقوت الأصفر و سائر الأحجار الإثنى عشر / التي سطعت / على درع ( هارون ) . و كان ثم حجر آخر / تخيله الناس كثيرا دون أن يروه في غير هذا المكان / إنه الحجر أو قل إنه يشبه الحجر الذي عبثا ما طلبه / الفلاسفة و طويلا ما بحثوا عنه على الأرض هنا / دون طائل رغم علومهم و قدرتهم على تقييد / الطيار ( هيرميس ) و فك قيود ( بروتيوس ) القديم و استحضاره / من السحر في شتى أشكاله / و تقطيره في الإمبيق حتى يعود صورته الأولى / و هل نعجب إذن إذا كانت الحقول و البقاع هنا / تخرج زفراتها إكسيرا صافيا و تجري الأنهار / بالذهب السائل إذا كانت لمسة مؤثرة واحدة / من الشمس رأس الكيمياء رغم بعدها الشاسع عنا / تختلط بمياه الأرض فتبدع / هنا في الظلمة كثيرا من الأشياء الثمينة ) (13) . و يبسط العلامة الدكتور " محمد عناني " القول فيما يخص " درع هارون " و علاقته بعلم المعادن القديمة بقوله : ( .. و قد وردت في الكتاب المقدس ترجمة درع هارون " صدرة القضاء " ( النص العربي ) و وردت في النصوص الإنجليزية بصور مختلفة منها " درع للفصل في الأمور " ، و " درع للحكم " و " درع لتحديد إرادة الله " ... أما الأحجار الكريمة المذكورة فهي جميعا ترتبط بالشمس في إطار النظرية السائدة آنذاك عن درجات المعادن و طبقاتها . و قد كانت لها دلالات صوفية نابعة من وجود الأحجار نفسها في بوابة أورشليم الجديدة ...... حجر الأوريم المذكور في سفر الخروج 28/30 و قد تخيله الناس كثيرا في غير هذا المكان لأنهم كانوا يقولون إنه هو نفسه حجر الفلاسفة . أما حجر التميم المذكور في نفس الآية فيقال إنه من الأحجار القمرية التي يمكن أن تحول المعادن إلى فضة ، بينما يستطيع حجر الأوريم في ظنهم تحويلها إلى ذهب لأنه شمسي ) (14) . هذان الحجران لعبا دورا هاما في تحولات الرحلة ذاتها حين سرقت أموال " سانتياجو " و كاد يعود أدراجه فمنعاه حين استشارهما ، كما كانا سبب توثيق علاقته بشاب إنجليزي مشتغل بالسيمياء حين شاهدهما معه و من ثم صار رفيقه إلى مصر موسعا من مدى رؤيته لحقائق العالم و تعدد مستويات الرؤية الخاصة بها .

4-    هذا الإنجليزي يعكس ما سبق و أسلفته عن الخلفية الخاصة بممارسة السحر في تاريخ " كويلهو " الشخصي عن طريق علاقته بجماعة إنجليزية ، كما يحيل إلى تاريخ طويل اشتهرت به إنجلترا في علاقتها بعوالم السحر بداية من سحرة " السلت " وصولا إلى مجتمعات السحر الحديثة في المدن الإنجليزية . هذا فضلا عن هذا الشاب في سياق وصف " كويلهو " له يرسم بجلاء ملامح عامة من شخصية الكاتب نفسه ، خاصة في شغفه الجامح بعوالم الغيب و سعيه الملحاح للفهم : ( تركزت كل حياته و كل دراساته على البحث عن لغة واحدة يتكلمها العالم ، و في البدء انصب اهتمامه على لغة الاسبرانتو ثم على الأديان ، و انتهى به المطاف إلى السيمياء ... غير أن السيميائيين لا يفكرون إلا في أنفسهم و دائما ما يحجبون مساعدتهم . و من يدري ? لعلهم قد فشلوا في اكتشاف سر " العمل الكبير " ? أي حجر الفلاسفة ، و ربما يكون هذا هو سبب اعتزالهم ملتزمين الصمت ... اشترى أهم الأعمال عن السيمياء و أندرها ، و اكتشف في واحد منها أن سيميائيا عربيا شهيرا زار أوربا قبل عدة سنوات ، قيل إن عمره نيف على مائتي عام و إنه قد اكتشف حجر الفلاسفة و إكسير الحياة ) (15) . هذه الروح الحائرة الباحثة جاءت كخير ما تكون مراعاة لمقتضى الحال في تلك المرحلة من الرحلة التي تتعاور النفس خلالها شتى صنوف الوساوس و دعاوى النفس بالنكوص و التراجع .

5-    يأتي ذلك في نفس الوقت مقترنا بتفعيل مفهومي " إكسير الحياة " و " حجر الفلاسفة " المذكورين آنفا في توقيت دقيق يطابق ذروة الفعل الاكتشافي و المعيد لترتيب ذرات الشخصية في آن ، مما يستلزم [ عملا كبيرا ] من شأنه توفير مناخ [ السر الأعظم ] الذي لا غنى عنه لنجاح عمل السيميائي . ( الإكسير هو أي عنصر وسيط كيميائي أو طبيعي يستطيع تحويل المعادن الدنيا إلى ذهب . و هذا ينطبق على حجر الفلاسفة ، و كان الكيميائيون يحاولون جادين التوصل إلى إكسير طول العمر أو ما أسموه بالذهب السائل ) (16) . ( و من البدهي أن العملية الكيميائية لتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب لا يمكن أن تتم إلا بوسيط . و من هنا نشأ الاعتقاد في وجود حجر أطلق عليه حجر الفلاسفة يمكن بواسطة سحق جزء منه و إضافته إلى المعادن الرخيصة إجراء عملية التحويل ، هذا طبعا مع تلاوة بعض التعاويذ السحرية . و ربما ساعد على الاعتقاد بأن المصريين كانوا فعلا يقومون بعملية التحويل عن طريق حجر معين وجود الأحجار التي كان المصريون يقدسونها و هي ما كانوا يطلقون عليه اسم " كيفي " . و يقول " بلوتارك " أن الأحجار المقدسة كانت تتكون من عدة معادن : ذهب و فضة و شست و مافك [ حجران ، الأول أزرق و الثاني أخضر ] ) (17) .

و بعد ، لعل هذا العرض يكون قد أوفى بالغرض الذي هدفت إلى إثباته في مفتتح القول و الرامي إلى إثبات دور العناصر الطقسية السحرية في دفع عملية التطور في بناء الشخصيات و تدفق السرد في رواية " السيميائي " و في بيان مدى استفادة " باولو كويلهو " من التراث الغيبي في سياقات شديدة التعقد و التراكب من أجل تحقيق صياغة لها فرادتها و جاذبيتها .

و للحديث بقية .        

 

      

                                                            ياسر منجي

                                                   القاهرة في 29/6/2005

                                           Lucifer_yass@yahoo.com

 

10-                       المرجع السابق ، ص 37 .

11-                       خروج 28/ 15-30 .

12-                       إبراهيم أسعد ، نظرات في تاريخ السحر ، مرجع سابق ، ص 344 .

13-                       جون ميلتون ، الفردوس المفقود ، ترجمه و قدم له و كتب حواشيه د.محمد عناني ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مصر ، 2002 ، ص 215 ، 216 .

14-                       المرجع السابق ، ص 723 .

15-                       باولو كويلهو ، ساحر الصحراء ، مرجع سابق ، ص 64 .

16-                       جون ميلتون ، الفردوس المفقود ، مرجع سابق ، ص 723 .

17-                       إبراهيم أسعد ، نظرات في تاريخ السحر ، مرجع سابق ، ص 476 ، 477 .

 



*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
على هامش الساحر 0000(1)قراءة مغرضة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 

أن تقرأكتابات "باولو كويلهو "الروائى البرازيلى (فيرونيكا تقرر أن تموت ) و(السيمائى أوساحر الصحراء كما ترجمها الروائى المصرى / يهاء طاهر )، ليس جديدا علينا أن نقرأمثل هذه الكتابات ، فالبحث عن الذات والعودة إلى النبع الصافى ، انحصر تقريبا فى الشرق، وصار الشرق هو الكنز الحقيقى الذى يسعى ورائه المغامرون والرحالون الغربيون منذ قرون طويلة 00000إنها رحلة السلوى والعسل 00إنها المنتهى لحيوات البطاركة والأباطرة والمستعمرون 0وكفانا ما نشاهد الآن على الساحة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا من جغرافية جديدة 0ولكن ما أود الحديث عنه فى هذه السطورهو طرح جديد بعلاقة الشرق  بالغرب الذى سبقنا روادنا فى الكتابة عنه ?موسم الهجرة إلى الشمال 0الطيب صالح ، البارد والساخن 0فتحى غانم ، عصفور من الشرق 0توفيق الحكيم ، أديب 0طه حسين ، الحى اللاتينى 0سهيل إدريس   "  والطرح الذى أتغياه علاقة الغرب بالشرق والحلم الوردى والجنة الموعودة والفردوس المفقود ، حلم قابل للتحقيق ، والعثور على اليقين ، والمبتغى       والهدف للأجنبى الغربى  أو الحامل ثقافة الغرب وتراثه الفكرى 0

أن يختار باولو كويلهو  شابا من أسبانيا ليكون دليله إلى الشرق للبحث عن نجاته من أزمته الروحية ، لشىء جدير بالوقوف أمامه وقفة متأنية بعض التأنى 0000أسبانيا   الأندلس العربية طوال مدة ثمانية قرون ثم الهزائم المتوالية المتعاقبة حتى خروج العرب ،والمجازر الوحشية التى عاش فيها من تبقى من العرب المسلمين ، ومحاكم التفتيش ، والإذلا ل والإحتقار والإبادة ، ويكفى الإطلاع على الكتابات العديدة لما حدث فى أسبانيا ومحو الحضارة العربية الإسلامية فى هذا الجانب من العالم ، وصعود أسبانيا كأمبراطورية إستعمارية فترة الكشوف الجغرافية وسيطرتها على الكثير من العالم الجديد 0

أن يختار باولو كويلهو :راعى أغنام ( التشبه بالأنبياء ) من أسبانيا  ليبدأ رحلته  الأسطورية للوصول إلى مصر ، ولم يجد فى طريقه منذ ترك أسبانيا التى كان يعيش فيها هادئا مع معتقده الدينى ومتجاوبا مع تراثه الثقافى والإجتماعى  ،إلا السرقة والنصب والإحتيال ممن حاول أن يطلب مساعدتهم وعونهم ، بل لم يجد فى دولة المغرب إلا بائع الكريستال ، هذا البائع المكسال ، الذى ترك التراب  على بضائعه  أكواما وأكواما ، يأتى هذا الأسبانى كى يجدد شبابه، يعيد إليه رونقه وجماله ويصير هذا البائع وبقدرة قادر وبفضل الأسبانى الرحال ، أسطورة فى البيع والشراء  وكأنه كان بحاجة ماسة إلى الأسبانى العبقرى !!!!!!!و ليجدد له حياته وتتدفق الأموال عليه من كل صوب و حدب (رأى بائع الكريستال النهار يطلع وشعر بنفس إحساس القلق الذى ينتابه كل صباح ، ظل ما يقرب من ثلاثين عاما فى هذا المكان نفسه فى دكان يقع فى قمة شارع صاعد من النادر أن يمر فيه زبون )ص48، ويصادق الإنجليزى ويعيشان معا وتتآلف الروحان فكلاهما ساع نحو الشرق ، نحو الكنز ، نحو تحقيق الحلم وإثبات الذات ، ويتفقان معا على الرحلة داخل أفريقيا بإتجاه مصر الأمل المأمول *لاحظ أن الإنجليزى والأسبانى يجتمعان    مؤخرا على غزو العراق الشقيق *هل هى نبؤة تحققت بالفعل ??? إنها ثقافة المستعمر أيا كان الثوب الذى يتدثر به ، ألم يلبس الرداء المصنوع من الكتان الأبيض غطى رأسه بعمامة تحيط بها عصابة من جلد الجمل وانتعل  صندلا جديدا 000إن الحماس يأتى دائم من الغرب00000 إنه يتحدث عن الإنجليزى المثقف "إنه شخص أوروبى يقرأ فى كتابه  """ورأى أن الواحة التى نزل بها """ كأننا نعيش فى ألف ليلة وليلة """ النظرة السطحية والضحلة لحياتنا 000والأسبانى المتنبىء والحلم و بالرؤية الصادقة( حلم يوسف عليه السلام) يطلب مقابلة شيخ الواحة حتى ينذره ويحذره من  هلاك قادم0

مامن شك أن الصلاح والفلاح والتقدم والرقى نتاج أصيل فى حياتنا لما زرعه الغرب فى أراضينا وعقولنا !!!!!! ، لأننا وبدون جدال أومماحكة ، منهمكون فى الصراع الضارى والقتال العنيف مع بعضنا البعض والذى يستمر شهورا بل سنوات عديدة ويهلك الحرث والنسل ، لم ير    سنتياجو   وطوال رحلته  إلا الفقر والجهل والمرض والحروب المدمرة بين القبائل والعشائر ، أناس يعيشون عصور ما قبل التاريخ ، فكيف لهؤلاء المتخلفون أن يصنعوا حضارة أو حتى يشاركون فيها ?????!!!!!

 

 

*عبدالرؤوف النويهى
12 - أبريل - 2006

 
   أضف تعليقك