شهرة كتُب الجاحظ على امتداد التاريخ     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
شهرة كُتُب الجاحظ على امتداد التاريخ
أسوق أمثلة ثلاثة على شهرة كُتُب الجاحظ وتَعَلُّق الناس بها:
أولهما: قول أبي هفان، حين قيل له لِمَ لا تهجُو الجاحظ، وقد ندَّدَ بك؟ فقال: " أمثلي يُخدَعُ عن عقله؟! والله لو وَضَعَ رسالةً في أرنبة أنفي لما أمست إلاَّ بالصين شُهرَةً، ولو قلتُ فيه ألف بيت لما طَنَّ منها بيت في ألف سنة " (1).
ثانيهما: ما كان من أمر أحد الأندلسيين الذي" كان إذا سمِع كلام الجاحظ تخدَّرَ وتسدَّرَ عجَباً به. وكان يقول:" قد رضيتُ في الجنة بكتب الجاحظ عوضاً عن نعيمها"!(2). فنجده يتهوّر في مبالغته حين يُفرط في تقدير كتب الجاحظ إلى درجة تجعله يقول مثل هذا الكلام!
وصاحب هذه المبالغة المُفرطة هو أبو محمد عبد الله بن حمود الزَّبيدي الأندلسي أحد علماء النحو واللغة والمبرِّزين في الشعر في القرن الرابع.
ثالثهما : ما كان من أمر ابن الإخشاذ ( أبي بكر أحمد بن علي 326هـ) حين افتقد كتاب الجاحظ الموسوم بـالفرق بين النبي والمتنبي، فأقام مناديا بعرفات يُنادي، حيث " الناس حضور من الآفاق على اختلاف بلدانهم وتنازح أوطانهم وقبائلهم وأجناسهم، من المشرق إلى المغرب ومن مهب الشمال إلى مهب الجنوب، وهو المنظر الذي لا يُشابهه منظر:" رحم الله مَن دلَّنا على كتاب الفرق بين النبي والمتنبي لأبي عثمان الجاحظ على أي وجه كان"(3).
والجاحظ، كما قال د. أمجد الطرابلسي- طيّب الله ثراه - " تمثل ثقافة عصره؛ بل ثقافات عصره، ومثَّلَها خير تمثيل في كتبه الكثيرة المتنوعة" (4).
وشهد له الباحثون بصيرورة آثاره في الزمان وذُيوعِها بين القراء على اختلاف مشاربهم.
وقد ورد في ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: " وكان يُقال: أربعةٌ لم يُلحَقوا ولم يُسبَقوا: أبو حنيفة في فقهه، والخليل في أدبه، والجاحظ في تأليفه، وأبو تمام في شعره"(5).
ونجد الجاحظ يفخر بنفسه في رسالة التربيع والتدوير فيقول مخاطباً أحمد بن عبد الوهاب، وهو يسخر من جهل وغبائه " وأشهد لك بعد هذا أن ستُحاسن عمْراً الجاحظَ وتُعاقلُه ثم تُطارفُه وتُطاوِلُه(6)( فهو يفوقه حسناً وعقلاً وطرافةً وطولاً ).
هوامش:
(1) معجم الأدباء:5/2114
(2) نفسه:4/1517
(3) نفسه: 5/2115 ، ابن الإخشاد متكلم على مذهب المعتزلة ( ينظر: معجم المؤلفين: 1/198 ).
(5) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: أبو منصورالثعالبي (429هـ)، ص170
|