البيت لأبي العتاهية ، وقد جمع فيه الشاعر حكمة المجرب وخبرة المطبب ، وفيه أيضا صدى مآسي الحياة التي تقسو أحيانا فتوقع المرء في نزاع بين الواجب المطلوب وبين المحبوب المرغوب وقلما خرج أحدنا من هذا الاختبار بغير تجربة قد تكون بناءة وقد تكون هدامة ، ويبدو أن الشاعر استفاد منها جيدا فلم يدعها تمضي بلا عظة بل أثبتها في ذاكرته ليذكر بها غيره ، فهو يقول : ليس في الدنيا أجمل من اجتماع الثراء والتدين للمرء فالدين يحفظ الرجل من السفه في نفسه وفي ماله فيبذل عندئذ وهو آمن على ماله ، ويستثمر وهو قانع ، ويزكى وهو عابد بلا مراءاة ولا دناءة نفس ، والمال يصون وجه الرجل من ذل المسألة . وإذا انفرد أحدهما وذهب الآخر فهنا يبدأ الابتلاء الأخف ؛ فالتدين مع الفقر لا يؤمن معهما الاستقامة إلا ما شاء ربك ، والثراء بلا تدين طريق محفوفة بالمهالك ... لذلك جمع الشاعر ركني السعادة : الدين والثراء فقال ( إذا اجتمعا ) . وإزاء ذلك يكون أقبح ما يحمل المرء في حياته قذر الكفر وقذر الفقر فهذان هما معول الهدم الحقيقي ، بل إن أحدهما كاف في إحداث دمار الشخصية ومن ثم دمار المجتمع ، وقد ترك الشاعر أي لفظ يلمح إلى ضرورة اجتماع الكفر والإفلاس ، ، الإفلاس معناه : ملك الفلوس وهي أحقر شيء في المال ( وفي رواية : الإملاق - ولعلها أدق لأن الإملاق هي العُدْم المطلق) ؛ ذلك لأن أيا من الكفر أو الفقر بغيض مرذول غير مقبول ، فمابالك لو اجتمعا فالمصيبة بهما أعظم من أن توصف ، وهذا سر جمال الدقة في التعبير باختيار الطباق أولا ثم المقابلة ثانيا ليعطي أداء جميلا .