البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : القلب    قيّم
التقييم : التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )
 د يحيى 
19 - مارس - 2008
القلب بين التعريف الطبي والاصطلاح القرآني
يُعرِّف علم التشريح القلبَ بأنه عضلة كمثرية الشكل توجد في القفص الصدري وأنها المسئولة عن ضخ الدم إلى أجزاء الجسم المختلفة، وعلى هذا الأساس التشريحي يمكن فهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) [أخرجه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما]..
فإن المعروف اليوم عند الأطباء أنه حينما يكون القلب صالحاً سليماً فإن الدورة الدموية تستقيم، وتنال كل خلية من الجسم نصيبها من الدم الذي يحمل لها الغذاء والأوكسجين والذي به يتم احتراق المواد الغذائية، وانطلاق الطاقة وصلاح الجسم، وأنه إذا فسد القلب اختل نظام الدورة الدموية واختل وصول الغذاء والأوكسجين إلى خلايا الجسم المختلفة فيفسد الجسد كله، وهذا كله يوافق ما أشار إليه الحديث الشريف .
ولكننا من جانب آخر نجد النصوص الشرعية تتحدث عن القلب بوصفه محلاً للإيمان والفقه والعقل، كما في قوله تعالى في سورة المائدة : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ)،وقوله في سورة الحج: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وقوله في سورة الأعراف : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) فإن الظاهر من هذه الآيات وأشباهها أن القلب هو محل الإيمان ومركز الفقه والعقل ، وأن مدلوله يتعدى كونه عضلة تضخ الدم إلى أجزاء الجسم المختلفة ليكون محلاً للفِكَر والاعتقادات والعواطف .
ولوأخذنا بظاهر ذلك لكان معنى نقل قلب إنسان لإنسان آخر أن المنقول إليه سوف يتحول إلى شخصية الإنسان المنقول منه القلب، وهذا خلاف ما ثبت من خلال عمليات زراعة القلب البشري والصناعي وأصبح حقيقة علمية لا جدال فيها من أن حياة الشخص المنقول إليه تستمر بجسده وفكره وعاطفته وحواسه وإدراكه، كما جاء في دراسة طبية أعدتها وزارة الصحة السعودية وقد نقلها الدكتور علي السالوس في كتابه الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة(2/ 843وما بعدها).
وقد جاء في تلك الدراسة أيضاً أن المخ هو مكان استقبال جميع الحواس من سمع وبصر وشم وذوق ولمس ،كما أنه المكان الوحيد للاتصال بالعالم الخارجي، فهو يحتوي على مخازن الذاكرة، كما يحتوي على أنماط الطباع والعادات والمثل المكتسبة، وهو مكمن الغرائز، كما أنه مصدر الأفعال المترتبة على ما يستقبل من معلومات، وعرف الأطباء ذلك لأن تلف أجزاء محددة من الدماغ ينتج عنه فقد قدرات معينة اختصت بهذه الأجزاء.
وبناءً على هذه الدراسة وغيرها قرر مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمره الثالث عام 1407هـ أن الشخص يعدّ قد مات وتترتب جميع الأحكام المترتبة على موته شرعاً إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:
إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً،وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه..
أو إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً وحكم الأطباء الإخصائيون والخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه وأخذ دماغه في التحلل.. وفي هذه الحالة يجوز رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة.
بل إن القرآن الكريم قد سبق الطب العصري في إثبات أهمية ناصية الإنسان وهي مُقدَمُ رأسه في توجيه سلوكه وتصرفاته، حيث قال تعالى: (كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) وقد ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني في بعض كتاباته أن من الإعجاز العلمي في هذه الآية ما أثبته العلم الحديث من أن ناصية الإنسان هي المسؤولة عن توجيه سلوك الإنسان، ونَقَل عن بعض المتخصصين من الغربيين كالبروفيسور (كيث إلمور) أن الناصية هي المسؤولة عن المقايسات العليا وتوجيه سلوك الإنسان، وما الجوارح إلا جنودٌ تنفذ هذه القرارات التي تتخذ في الناصية؛ لذلك فإن القانون في بعض الولايات الأمريكية يجعل عقوبة كبار المجرمين الذي يرهقون أجهزة الشرطة هي استئصال الجزء الأمامي من المخ الناصية؛ لأنه مركز القيادة والتوجيه ليصبح المجرم بعد ذلك كطفلٍ وديع يستقبل الأوامر من أي شخص.
هذا وقد راجعت ما كتبه بعض المتخصصين في مجال الإعجاز العلمي، فرأيت بعضهم يشير إلى أنه لوحظ من خلال بعض حالات نقل القلب أن الشخص الذي يزرع له قلب شخص آخر يحدث عنده بعض التغيرات في اتجاه التأثر بشخصية صاحب القلب الأصلي، ومن ذلك ما ذكره بعضهم من أن فتاة نُقل لها قلب شاب مات في حادث سير فصارت بعد نقل القلب تتصرف بطريقة ذكورية، وتحب بعض الأكل الذي لم تكن تحبه مثل الفلفل الأخضر والبيرة وقطع الدجاج وأنها عندما قابلت أهل ذلك الشاب اكتشفت أن تلك الأمور التي جدّت عليها كانت معروفة عن ذلك الشاب، ومن ذلك أيضاً أن فتاة نقل لها قلب شاب كان يهوى الموسيقا والغناء ويكتب الشعر فصارت تهوى ما كان يهواه ذلك الشاب من الموسيقا وكتابة الشعر، وأنها عزفت أمام والدي الشاب المتوفى قطعة موسيقية كان يعزفها ابنهما قبل وفاته، وغير ذلك من الحوادث.
لكنا لا نستطيع التأكد تماماً من صِحة تلك الحوادث، وبعض الباحثين الغربيين يعدّها  مصادفة، وبفرْض صِحة تلك الحوادث فإن الذين نقلوها لم يذكروا أن شخصية الإنسان الذي نُقل إليه القلب قد تبدلت تماماً، وإنما كل ما يذكرونه هو نوع من التغيير في بعض التصرفات والسلوكيات.
ولذلك فإن الذي أميل إليه في هذه القضية هو أن المقصود بالقلب الذي هو محل الإيمان والفهم والعقل والحب والبغض أوسع من مجرد القلب العضلي المعروف، وقد يكون القلب - المشار إليه بأنه محل الإيمان والكفر والحب والبغض - قد يكون -والله أعلم -إشارة إلى شيء ما معنوي أو مادي في جسم الإنسان له ارتباط بالمخ والجهاز العصبي من ناحية، وله ارتباط بالقلب العضلي المعروف من ناحية أخرى، وقد ذهب أبو حامد الغزالي إلى نحو ذلك حين ذكر أن هناك كياناً معنوياً في جسم الإنسان هو الذي يطلق عليه القلب في القرآن، وهذا الكيان هو الكيان المخاطب والمعاقب في الإنسان، وليس هو القلب المادي المعروف وإن كان له به تعلق لا ندرك كنهه.
كما ذكر الدكتور زغلول النجار في بعض مقالاته أن الوظائف التي ينسبها القرآن الكريم للقلب من الفهم والعقل ونحوه لا يظهر ارتباطها مباشرة بالقلب الذي هوعضلة في الصدر، وإن كنا لا نستبعد أن تكون تلك الوظائف مرتبطة بالقلب بصورة لم يدركها الإنسان بعد.
وهذا كله قريب مما ذكرناه، وهو على كل حال مجرد اجتهاد، والله تعالى أعلم بالصواب.
 جزى الله خيراً كاتبها وقارئها وموصلها . آمين .
 
شاهد التعليقات الأخرى حول هذا الموضوع
أضف تعليقك
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
امور القلبية    كن أول من يقيّم
 
السلام عليكم..اخوتي اخواتي القراء ..اريد ان اترك تعليقا قصيرا على هدا الموضوع الكبير حول القلب..الدي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ادا صلحت صلح الجسد كله..
ان علماء الغرب تطرقوا الى هدا الموضوع من الجانب المادي.....المسلمون هم الدين اشاروا اليه ..حيث بصلاح الامور القلبية ..او ما يطلق عليه بالباطن..و بعلاجها (البغض.الحسد.الحقد.الغضب.الكبر.العب...الخ) و الله اعلم.
فقير
20 - مارس - 2008
أضف تعليقك