بسم الله الرحمن الرحيم ....
في كتابه " الاستشراق والوعي السالب " يشير الدكتور خيري منصور إلى بعض القراءات النقدية العربية التي وجهت للاستشراق خلال مطلع القرن الماضي ... مركزا على آراء حنا الفاخوري من الموضوع ...
ولا شكّ أنّ الحقل الفكري العربي عامر بمثل هذا السجال الذي قد يمتدّ إلى ردود علماء الكلام ذوداً عن عقائد الإسلام في القرنين الثاني والثالث للهجرة .
ولعلّ من أهمّ ردود الثقافة العربية المعاصرة على هذه الظاهرة ، آراء المفكر الجزائري مالك بن نبي المبثوثة في مقال بعنوان : إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث " .
وتكمن أهمية هذه الآراء في ما يأتي من محاور :
ـ لم يتوجّه بن نبي بالنقد إلى محتوى كتابات المستشرقين ، لما في ذلك من استحالة في حصر الانتاج الاستشراقي خلال عصور ممتدة.
ـ ربط بن نبي بين الاستشراق وما دعاه بمخابر الصراع الفكري التي تعدّ في رأيه الشطر العملي السياسي لهذه الظاهرة الثقافية .
بهذا المنحى ، توجه نقد مالك بن نبي نحو الأبعاد العملية لظاهرة الاستشراق ولأثرها على العالم الإسلامي .
فحسب رأيه " إنّ الانتاج الاستشراقي ، بكلا نوعيه ـ مدحا أو ذما ـ كان شرا على المجتمع الاسلامي ، لأنّه ركّب في تطوّره العقلي عقدة حرمان سواء في صورة المدح والاطراء التي حوّلت تأملاتنا عن واقعنا في الحاضر وأغمستنا في النعيم الوهمي الذي نجده في ماضينا ، أو في صورة التفنيد والإقلال من شأننا بحيث صيّرتنا حماة الضيم عن مجتمع منهار "
ويضرب بن نبي لذلك مثلا ، كيف أن محاضرة لزيغريد هونكه ، المستشرقة الألمانية المعروفة ، حول أثر العرب في النهضة الغربية ، قد ألهت الكثير عن واقع العالم الاسلامي حينها (كان ذلك غداة هزيمة 1967) ... بل إنّ بن نبي يذهب أبعد من ذلك ، إذ يرى أن الاستشراق الناقد ، وحتى الطاعن ، في حضارتنا لهو أهم من حيث الأثر ، من ذلك المطمئن لنا ، الرابض بين حنايا ماضينا المشرق ، لانّه يستفز فعاليتنا ويحثّ عقولنا على الاشتغال ...
وعلى الرغم ممّا يبدو من تطرّف الرؤية " البنابية " (1) للاستشراق وأثره ، حتى لكأنها تقترب من التصور العدمي لإدوارد سعيد ، فإنّ الاهتمام بهذا الموضوع من زاوية الأثر لهو أمر في غاية الأهمية والجدّة ...
زين الدين
_____________
(1) البنابية: نسبة إلى (بن نبي) ويراد بها رؤية مالك بن نبي |