مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث


يوميات دير العاقول

خروجي إلى مصر   

تاريخ النص : 957 ب.م
المكان : [ الفسطاط | دمشق ]


إذا الجود لم يرزق خلاصاً من iiالأذى   فلا الحمد مكسوباً ولا المال بـاقـيا ii
وللنّفـس أخلاقٌ تـدلّ على الفـتى    أكان  سـخاءً  ما  أتـى  أم iiتسـاخيا


كان من أسباب خروجي إلى مصر، ومدحي كافوراً الأسود: أن سيف الدولة كان يتلون عليّ، ولا يثبت معي على حال واحدة، ويصغي إلى قوم كانوا يغرونه بي ويقعون فيّ حسداً لي، فكثر الأذى عليّ من جهته فأجمعت رأيي على الرحيل من حلب، فلم أجد بلداً أدنى إليّ من دمشق لأن حمص من عمل سيف الدولة، فسرت إليها حتى نزلتها، وبها يهودي من أهل تدمر يعرف بابن ملك من قبل كافور.
ونبت بي دمشق، فسرت منها إلى الرملة، فحمل إليّ أميرها الحسن بن عبيد الله بن طغج هدايا وخلع عليّ، وحملني على فرس جواد بمركب ثقيل، وقلدني سيفاً محلّى، وسألني المدح فاعتذرت إليه بالأبيات الرائية وأولها:

ترك مدحيك كالهجاء لنفسي   وقليل    لك   المديح   iiالكثير


وبلغني أن كافوراً يقول: أترونه يبلغ إلى الرملة، ولا يبلغ إلينا ?! وأنه واجد عليّ، ثم كتب كافور من مصر إلىّ يستدعيني إلى حضرته، فلم يمكنني إلا المسير إليه، فلمّا بلغت مصر وأدخلت عليه شدهت، فقد بدا لي عبدا أسود خصىا لابياًّ مثقوب الشفة السفلى بطينا، قبيح القدمين ثقيل اليدين، لا فرق بينه وبين الأمة، وكنت قد سألت عنه بعض بني هلال، فقال: رأيت أمةً سوداء تأمر وتنهي، وقد صدق.
و كان رسول الروم بمصر، فلما قعد في مركب راجعاً إلى بلد الروم والمسلمون ينظرون إليه قال لهم: ما أعرف أمةً أخس منكم ! أعوزكم أبيض تملكونه أنفسكم! وسار، وولي كافور هذا أمر بني طغج، وملك ما كان في أيديهم، واستملك العبيد، وأفسدهم على ساداتهم.
وكان هذا الأسود لقوم من أهل مصر، يعرفون ببني عياش، يحمل لهم الحوائج من الأسواق على رأسه، ويخدم الطباخ.
مشتراه ثمانية عشر ديناراً وكان ابن عياش يربط في عنقه حبلا إذا أراد النوم، فإذا طلب منه حاجته جذبه لسقوطه فإنه لم يكن ينتبه بالصياح فدخل إلى دار ابن طغج والناس يمدون أيديهم إلى رأسه! ويصفونه بصلابة القفا، فكان الغلمان كلما صفعوه ضحك! فقالوا: هذا الأسود خفيف الروح؛ وكلموا صاحبه في بيعه، فوهبه لهم، فأقاموه على الوضوء والخلاء.
ومات ابن طغج بدمشق وولده صغير، وتفرد الأسود بخدمة الصبي ومالت إليه والدته! وهي أمة؛ وتمكن من الصبي والمرأة حتى قرب من شاء وأبعد من شاء.
اذهب إلى صفحة اليوميات