سرت من الرملة أريد أنطاكية سنة ستٍّ وثلاثين وثلاث مئة، فنزلت بطرابلس، وبها إسحاق بن إبراهيم بن كيغلغ، وكان رجلاً جاهلاً. وكان يجالسه ثلاثة من بني حيدرة، وكان بيني وبين أبيهم عداوة قديمة. فقالوا له: ما يجب أن يتجاوزك ولم يمتدحك، وإنما يترك مدحك استصغاراً لك، وجعلوا يغرونه بي، فراسلني إسحاق وسألني أن أمدحه، فاحتججت بيمينٍ علي: أن لا أمتدح أحداً إلى مدة، فعاقني عن سفري ينتظر انقضاء تلك المدة، وأخذ علي الطرق وضبطها. ومات الثلاثة الذين كانوا يغرونه بي في مدة أربعين يوماً. فقلت أهجوه وأنا بطرابلس، وأمليتها على من أثق به. فلما ذاب الثلج وخف عن لبنان، خرجت كأني أسير فرسي، وسرت إلى دمشق فأتبعني ابن كيغلغ خيلاً ورجلاً فأعجزتهم، وقلت:
لهوى النفوس سريرةٌ لا تعـلـم عرضاً نظرت وخلت أني أسلم
ومنها:
أرسلت تسألني المديح سفاهة |
|
عرضا نظرت وخلت أني أسلم |
ومن البلية عذل من لا يرعوي |
|
عن غيه وخطاب من لا iiيفهم |
ومنها:
وإذا أشار محدثا iiفكأنه |
|
قرد يقهقه أو عجوز iiتلطم |
يقلي مفارقة الأكف iiقذاله |
|
حتى يكاد على يد يتعمم |
وأبو إسحاق هذا جاهل، فلا يؤمننك شر الجاهل قرابة ولا جوار ولا إلف. فإن أخوف ما يكون الإنسان لحريق النار أقرب ما يكون منها، وكذلك الجاهل إن جاورك أنصبك، وإن ناسبك جنى عليك، وإن ألفك حمل عليك ما لا تطيق، وإن عاشرك آذاك وأخافك، مع أنه عند الجوع سبع ضار، وعند الشبع ملك فظ، وعند الموافقة في الدين قائد إلى جهنم. فأنت بالهرب منه أحق منك بالهرب من سم الأساود والحريق المخوف والدين الفادح والداء العياء.
|