بلغني موت أبي القاسم علي بن محمد القاضي، ولد بأنطاكية سنة ثمان وسبعين ومائتين، ثم ورد حضرة سيف الدولة بن حمدان زائراً ومادحاً فأكرم مثواه وأحسن قراه. وكان الوزير المهلبي وغيره من وزراء العراق يميلون إليه ويتعصبون له ويعدّونه ريحانة الندماء وتاريخ الظرفاء، وكان في جملة الفقهاء والقضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطرّاح الحشمة والتبّسط في القصف والخلاعة وهم القاضي أبو بكر بن قريعة وابن معروف والتنوخي المذكور وغيرهم، وما منهم إلا أبيض اللحية طويلها، وكذلك كان المهّلبي فإذا تكامل الأنس وطاب المجلس ولذ السماع وأخذ الطرب منهم مأخذه وهبوا ثوب الوقار للعقار وتقلبوا في أعطاف العيش من الخفة والطيش ووضع في يد كل واحد منهم طاس ذهب فيه ألف مثقال مملوءاً شراباً قطربلياً فيغمس لحيته فيه بل ينقعها حتى تشرب أكثره ويرش بعضهم بعضاً ويرقصون بأجمعهم وعليهم المصبغات ومخارق المنثور والبرم فإذا صحوا عادوا كعادتهم في التوقر والتحفظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء، وتلك لعمري محنة منيت بها بغداد. ومن شعره:
وراح من الشمس مخلـوقة |
|
بدت لك في قدح من iiنهار |
هواء ولـكـنـه iiجـامـد |
|
وماء ولكنه غـير iiجـار |
كأن المدير لها بـالـيمـين |
|
إذا مال للسقي أو باليسار |
تدرع ثوباً من iiالياسـمـين |
|
له فرد كمّ من iiالجلّـنـار |
|