مجال البحث
المكتبة التراثية المكتبة المحققة أسماء الكتب المؤلفون القرآن الكريم المجالس
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث


يوميات دير العاقول

يوم لا ينسى   

تاريخ النص : كانون الثاني 953 ب.م
خرجت بعد تسعة عشر يوما من العزلة والاختباء وأتيت القصر فتلقاني الغلمان وأدخلوني خزانة الأكسية، فخلع عليّ ونضحت بالطيب، ثم أدخلت على سيف الدولة فسألني على حياء عن حالي فأجبته أن الموت عندك أحب إليّ من الحياة عند غيرك، فقال بل يطيل الله عمرك، ودعا لي ثم ركبت وسارت معي جمهرة من الناس إلى حيث منزلي، وأتبعني رعاه الله بهدايا كثيرة فخلوت لتدبيج قصيدة.
وفي اليوم التالي مثلت بين يديه وجلوت له هذه العروس:

أَجابَ دَمعي وَما الداعي سِوى طَلَلِ   دَعا    فَلَبّاهُ    قَبلَ    الرَكبِ    iiوَالإِبِلِ


إلى أن بلغت:

نادَيتُ  مَجدَكَ  في  شِعري وَقَد iiصَدَرا   يا   غَيرَ   مُنتَحِلٍ   في   غَيرِ   مُنتَحِلِ
بِالشَرقِ     وَالغَربِ     أَقوامٌ    iiنُحِبُّهُمُ   فَطالِعاهُم     وَكونا     أَبلَغَ     iiالرُسُلِ
وَعَرِّفاهُم      بِأَنّي     في     iiمَكارِمِهِ   أُقَلِّبُ   الطَرفَ   بَينَ   الخَيلِ   iiوَالخَوَلِ
يا أَيُّها المُحسِنُ المَشكورُ مِن جِهَتي   وَالشُكرُ  مِن  قِبَلِ  الإِحسانِ لا iiقِبَلي
ما   كانَ   نَومِيَ   إِلّا   فَوقَ  iiمَعرِفَتي   بِأَنَّ    رَأيَكَ    لا    يُؤتى    مِنَ   الزَلَلِ
أَقِل  أَنِل  أَقطِعِ  اِحمِل  عَلِّ  سَلِّ  أَعِد   زِد  هَشَّ  بَشَّ  تَفَضَّل  أَدنِ  سُرَّ  iiصِلِ
لَعَلَّ      عَتبَكَ      مَحمودٌ      iiعَواقِبُهُ   فَرُبَّما     صَحَّتِ     الأَجسامُ    iiبِالعِلَلِ
وَما    سَمِعتُ    وَلا   غَيري   iiبِمُقتَدِرٍ   أَذَبَّ   مِنكَ   لِزورِ   القَولِ   عَن   iiرَجُلِ
لِأَنَّ     حِلمَكَ     حِلمٌ     لا     iiتَكَلَّفُهُ   لَيسَ  التَكَحُّلُ  في  العَينَينِ  iiكَالكَحَلِ


فما كان منه إلا أن طلب منّي الرقعة ووقّع تحت أقل: قد أقلناك، وتحت أنل: يحمل إليه من الدراهم كذا، وتحت أقطع: قد أقطعناك ضيعة ببلاد حلب، وتحت احمل: يقاد إليه الفرس الفلاني، وتحت عل: قد فعلنا، وتحت سل: قد فعلنا فأسل، وتحت أعد: أعدناك إلى حالك من حسن رأينا، وتحت زد: يزاد كذا وتحت تفضل: قد فعلنا، وتحت ادن: قد أدنيناك، وتحت سر:قد سررناك.
وتحت صل: قد فعلنا.
فقلت مداعبا أردت سر من السرية يا مولاي: إنما أردت سر من السرية، فأمر لي بجارية.
وقام شيخ ظريف من الحضور فقال: يا مولاي قد فعلت به كل شئ سألكه ،فهلا قلت له لما قال لك هش بش: هه هه هه، يحكي الضحك، فضحك سيف الدولة، فقال له: ولك أيضاً ما تحب، وأمر له بصلة.
ثم إنني رأيت بعضهم يعّدون ألفاظ هذا البيت:

أَقِل أَنِل أَقطِعِ اِحمِل عَلِّ سَلِّ أَعِد   زِد هَشَّ بَشَّ تَفَضَّل أَدنِ سُرَّ iiصِلِ


ويستكثرون حروفها ارتجلت البيتين التاليين:

عِشِ  اِبقَ  اِسمُ  سُد  قُد جُد مُرِ اِنهَ رِفِ اِسرِ iiنَل   غِظِ اِرمِ صِبِ اِحمِ اِغزُ اِسبِ رُع زَع دِلِ اِثنِ نُل (1)
وَهَذا         دُعاءٌ        لَو        سَكَتُّ        كُفِيتَهُ   لِأَنّي      سَأَلتُ      اللَهَ      فيكَ      وَقَد     iiفَعَل




(1) : شرح أبي العلاء : قال المعري: عِشْ: من العيش، وابقَ: من البقاء، واسم: من السُّمو.
وسُدْ: من السيادة، وقُدْ: من قاد الجيش، وجُدْ: من الجُود، ومُرْ: من الأمر بالشيء.
وانْه: من النهى، أي لازلت آمراً ناهيا.
ورهْ: من وريته أريه، وهو داء في الجوف، أي أصب العدو بهذه الآفة.
وفِهْ: من الوفاء بالعهد، وأسرِ: من السّرية، أي جهز الجيش إلى الأعداء.
وقيل: معناه الدعاء، أي لا زلت أبدا تسري إلى أعدائك.
ونل: من النيل، وهو الإدراك، أي لا زلت تدرك من أعدائك إرادتك، ويجوز (نُل) بضم النون من نلته: أي أعطيته.
وغظ: أي غظ حسادك بما يرون من إقبال دولتك وارم: من يكيدك.
وصِب: من صاب السهم الهدف، أي أصابه، أي لا زلت ترمي أعداءك فتصيب مقاتلهم.
واحم: من حميت الرجل إذا منعته، أي احفظ حوزتك.
واغز: من الغزو.
واسب: من السبي أي لا زلت أبدا تغزو الأعداء، وتسبي زراريهم.
ورع: أي أفزع أعداءك، أي لا زلت كذلك.
زع: أي كف شر أعدائك.
دِه: من وديت القتيل، إذا أعطيت ديته، أي لا زلت تحمل الدية عن القاتل لكرمك.
لِه، من الولاية، أي لا زلت تلي الولايات.
وأثن: أي أصرف أضدادك عن الوصول إليك: وقيل أثن من ثنيت الفعل إذا فعل مرة بعد مرة.
أي لا زلت كلما وليت ولاية ثنيتها بأخرى، وشفعتها بما هو خير منها، وبِلْ: من الوبل وهو المطر إذا اشتد، أي لا زلت تعطي عطاء كالوابل.
وهذا البيت لم يسبقه أحد إلى مثله، ولا لحقه أحد فيه، وهو مركب من أربع وعشرين كلمة، وهي مع ذلك فصيحة، وقد قال قبله عدة من الشعراء فلم يزيدوا على عشر كلمات كقول أبي العميثل (عبد الله بن خليد): أصدق، وَعِفّ، وّبرِ، واصبِر، واحتَملْ وَاحلم، وَدَارِ، وكَافِ، وانصرْ، وَاسمع والأصل قول امرئ القيس: أفادَ، وَجادَ، وَسَادَ، وَحادَ وَقَادَ، وَبَادَ، وَعَادَ، وَأفضل فقال سيف الدولة: أيمكن أكثر من هذا?! فقال: نعم ولكن بغيض جداً.
اذهب إلى صفحة اليوميات